ã

هل اشتريت شقة؟

     شقة بدون فلوس

     "هل اشتريت شقة؟" هذا السؤال الذي لا يفارق جلستي كلما التقيت زملائي، لم يكن مطروحا قبل خمس أو ست سنوات. الذي حدث هو أن الصين ألغت في عام 1999، نظام توزيع المساكن على العاملين في الوحدات الحكومية، ومنذ ذلك الوقت بدأ تهافت الصينيين على شراء المساكن، وشاء حظي أن أكون من بين الذي تأثروا بهذا التغيير.

      بعد أن تخرجت في الجامعة عام 2003، عملت في بكين، واضطررت، مثل معظم زملائي، إلى استئجار شقة، ولكن مع زيادة عدد الراغبين في الاستئجار ارتفعت الإيجارات وزاد الإيجار الشهري لشقة من غرفة نوم واحدة من حوالي سبعين دولارا أمريكيا إلى أكثر من مائة وثلاثين دولارا أمريكيا، كما تضاعف إيجار الشقق في وسط المدينة. وهذا يعني أن أدفع نحو ألف وثلاثمائة دولار أمريكي في السنة إيجارا لشقتي!

     ارتفاع الإيجار جعلني أفكر، وبمعنى أدق أتمنى، في شراء شقة، حيث أن ذلك أفضل في رأي كثيرين، خاصة الشباب. ولكن، كان التناقض هو أنني ليس لدي المال الكافي لشراء شقة، مع أنني على المدى الطويل سوف أدفع كثيرا لمسكني المؤجر. السبب الآخر الذي زاد من رغبتي في شراء الشقة هو الارتفاع المتواصل في أسعار المساكن، ففي عام 2002 كان سعر المتر المربع في الشقة 450 دولارا أمريكيا ووصل إلى حوالي 750 دولارا أمريكيا عام 2004، بل إن سعر المتر المربع في شقق وسط المدينة بلغ 1250 دولارا أمريكيا، ولم تظهر أية بوادر على أن أسعار الشقق سوف تنخفض. فقد اقترضت من البنك لشراء الشقة أخيرا، ستصبح الشقة ملكا لي، وسوف أسدد القرض على أقساط تمتد عشرين سنة تقريبا.

     إصلاح المساكن

     في عام 1980، كان متوسط نصيب الفرد الصيني من المساحة السكنية أقل من خمسة أمتار مربعة لسكان الحضر، بل إن هذا المتوسط كان في مدينتي بكين وشانغهاي أقل من ثلاثة أمتار مربعة. حينئذ، كان الفضاء المتاح للفرد في الأسر العادية يعادل مساحة سرير فقط. ولكن، في نهاية عام 2005، تجاوز متوسط نصيب الصيني من المساحة السكنية 26 مترا مربعا في المناطق الحضرية، برغم حقيقة أن عدد سكان الحضر زاد من 190 مليون نسمة في بداية ثمانينات القرن الماضي إلى 540 مليون نسمة حاليا.

     كيف تحقق هذا التغير الكبير؟ أجاب على هذا السؤال تشن هواي، مدير مركز دراسة السياسات بوزارة الإنشاء والتعمير الصينية، قائلا: "لأننا بذلنا كل الجهود لدفع الإصلاح في هذا المجال في السنوات الأخيرة، وطبقنا آليات السوق في عمليات بناء واستهلاك المساكن، واستبدلنا نظام توزيع المساكن بنظام تقديم الإعانة المالية لشراء المسكن، ثم أدخلنا قطاعا جديدا لأول مرة في تاريخ الصين هو صناعة العقارات".

     لقد انتهجت الحكومة الصينية في الفترة من تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 إلى تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، سياسة الأجور المنخفضة والاستهلاك القليل والأسعار المنخفضة والادخار والاستثمار بحجم كبير. وكان هذا يعني أن كافة أرباح المؤسسات والعمال تحول إلى الحكومة، بينما تتولى الحكومة وضع خطط وإنشاء المساكن ثم تخصيصها، كنوع من الرعاية الاجتماعية للعاملين بالدولة.

      في إبريل عام 1980، تحدث مهندس إصلاح الصين وانفتاحها دنغ شياو بينغ للمسئولين المعنيين في الحكومة المركزية قائلا: "عليكم أن تعيدوا النظر في سياسة بناء وتخصيص المساكن في المدن. يمكن لسكان الحضر أن يشتروا المساكن ويبنوها، ويمكن بيع المساكن الجديدة والقديمة." وكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر لانطلاق حملة إصلاح المساكن، وبعد ذلك، وضعت حكومة الصين فكرة سلعية المساكن.

     ومنذ تدشين حملة إصلاح المساكن في ثمانينات القرن الماضي، تغير نظام الإسكان مرات: فقد تحول من رفع الإيجار بنسبة صغيرة مع تقديم الحكومة معونات مالية لشراء المساكن إلى بناء وحدات سكنية على مستويات مختلفة تتناسب مع مستويات الدخل للشرائح المختلفة من المواطنين، وطبقت سياسات المساكن التجارية ذات الأسعار العالية والتي لا يستطيع المواطن العادي شراءها، والمساكن الاقتصادية والمساكن الرخيصة والمساكن ذات المواصفات الموحدة لمتوسطي ومحدودي الدخل، وهي الثلاثة أنواع التي تقدم الحكومة للعاملين معونة مالية لشرائها.

      في يوليو عام 1994، أصدر مجلس الدولة "قرار تعميق إصلاح نظام الإسكان في المدن والمراكز"، وفيه أشار إلى أن الصين تنفذ مشروع المسكن المريح من أجل توفير حياة طيبة للمواطن وتحقيق ازدهار واستقرار المجتمع. وفي يناير عام 1995، صدرت "الخطة التنفيذية لمشروع الإسكان المريح الوطني" التي وضعتها مجموعة إصلاح وقيادة نظام الإسكان بمجلس الدولة بالتعاون مع الوحدات الأخرى المعنية، وكان ذلك يعني أن مشروع المسكن المريح دخل مرحلة التنفيذ. المضمون الأساسي لهذا المشروع هو بناء وحدات سكنية على مساحة مليار ونصف مليار متر مربع في الفترة ما بين عام 1995 وعام 2000 من أجل حل مشكلة الإسكان للأسر المتوسطة والقليلة الدخل، وتشكيل نظام لتوفير المساكن وتوزيعها في إطار منظومة الضمان الاجتماعي. وحسب مشروع المسكن المريح، تباع الوحدات السكنية إلى الأسر التي ليس لديها مسكن أو مسكنها آيل للسقوط، والأسر القليلة والمتوسطة الدخل مباشرة وبسعر التكلفة، كما يحظى المتقاعدون من العاملين بالدولة بأولوية في شراء هذه الشقق.

     حلم الشباب الصعب

     ما زالت الشقة مشكلة كبيرة تواجه الشباب حديثي العمل، خاصة في بكين وشانغهاي وغيرهما من المدن الكبيرة. يتدفق إلى بكين سنويا كثير من الشباب للعمل، ثم يتزوجون وهنا تبدأ مشكلة المسكن، فهم من ناحية لا تنطبق عليهم شروط مشروع المسكن المريح، ومن ناحية أخرى ليست لديهم القدرة المادية لشراء الشقق التجارية التي تقفز أسعارها، ففي الفترة من يناير إلى نوفمبر عام 2005، بلغ متوسط سعر المتر المربع للشقق التجارية 850 دولارا أمريكيا في بكين، بزيادة قدرها 150 دولارا أمريكيا عن نفس الفترة في عام 2004، بنسبة زيادة2ر21%.

     علينا أن نشير إلى أن راتب خريج الجامعة السنوي يكفي لشراء أربعة أو خمسة أمتار مربعة في شقة، وبعبارة أخرى، عليه أن يدخر راتبه كاملا لمدة عشرين سنة لشراء شقة مساحتها مائة متر مربع. في عام 1991، درست حكومة شانغهاي تجربة سنغافورة في مجال الإسكان وكانت أول مدينة أقامت نظام احتياطي الإسكان العام في الصين، وبعد ذلك، تم تعميم هذا النظام في كل أنحاء البلاد. حسب هذا النظام يودع كل فرد جزءا من راتبه الشهري في حساب بالبنك، وتودع الحكومة مبلغا معينا في هذا الحساب شهريا أيضا، على أن تخصص هذه المدخرات لشراء الشقق فقط. بالإضافة إلى ذلك، تقدم البنوك للأفراد قروضا لشراء المساكن أيضا، بحيث يستطيع الفرد دفع مقدم شراء الشقة، ويسدد القرض على أقساط شهرية، كما تقدم بعض الوحدات معونة إسكان للعاملين بها. هذا النظام يساعد محدودي الدخل في تحقيق حلم شراء الشقة، وحسب قول أحد الموظفين: "راتبي الشهري ليس كبيرا، ولكن، بالإضافة إلى احتياطي الإسكان العام، تقدم وحدة عملي لي معونة إسكان قيمتها 250 دولارا أمريكيا، كل شهر، وهذا المبلغ يكفي لسداد القسط الشهري لقرض البنك." كل هذا يشير إلى بداية تشكيل آلية سوق تساعد في حل مشكلة الإسكان بالتعاون بين العاملين بالدولة وبدعم من الحكومة والأجهزة المالية.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.