ã

مصر والصين

الصداقة والاحترام المتبادل

د. محمد مجدي مرجان رئيس منظمة الكتاب الأفارقة والآسيويين

د. محمد مجدي مرجان مع السيد لي شوه ون، نائب رئيس اتحاد الأدباء والفنانين الصينيين (الثاني من اليمين) في بكين

     منذ سبعة آلاف عام قامت على ضفاف النيل وفي أرض المحروسة أول حضارة عرفها التاريخ، ومنذ أكثر من خمسة آلاف عام ظهرت الحضارة الصينية وما زالت البشرية تنهل من معين هاتين الحضارتين العظيمتين. ولقد مرت الصين بفترة ضعف وتخلف قبل ثورتها وتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949. وكانت الصين دولة فقيرة تشكو كثرة السكان لأنها فقيرة الموارد فليس فيها بترول ولا معادن، ولكن ثروتها الأولى هي البشر والعبقرية والانتماء وعشق الوطن. الصين فيها إسلام ومسيحية وكل المذاهب والأديان السماوية والأرضية بغير تعصب ولا تفرقة، لكن دينها الأول هو الإنسانية وحب العمل والتقدم والازدهار لأهلها ولكل الدنيا، وفيها المحبة والتسامح والرقة والذوق وحسن الخلق. من أهم تقاليدهم الأصيلة في الصين وكما رأيتها في زيارتي الأخيرة "تحية العلم" ففي الصباح الباكر يتجمع كل يوم بميدان تيان آن من؛ أكبر ميادين العاصمة بكين، عشرات الألوف من الصينيين من جميع الأعمار قبل الذهاب إلى أعمالهم أو مدارسهم لتحية العلم الصيني عند رفعه وكأنها صلاة الفجر أو الصباح المؤذن ببداية نهارهم وعملهم الجاد والمتواصل، وفي المساء يتجمع نفس العدد وربما أكثر لتحية العلم الصيني عند نزوله إيذانا بنهاية اليوم والهجوع إلى الراحة والنوم القليل لتجديد النشاط واستعداداً ليوم وعمل جديد وهكذا.

     والحقيقة فإنه منذ بدأت الصين انفتاحها الاقتصادي على العالم عام 1978 بلغ متوسط النمو السنوي لدخلها 5ر9%، وهو يمثل أعلى وأسرع نمو في الاقتصاد العالمي، علماً بأنه في بعض المقاطعات يتجاوز معدل النمو 30 % وأكثر وبصورة مذهلة. والعامل الصيني يعشق عمله ومصنعه ومعمله ومستعد أن يعمل بلا أجر ويكره الإجازة ويرفضها، فلذته الكبرى في الحياة هي العمل والإجادة والابتكار، ولا يهتم بالأجر مطلقا ولا يجنح لأسلوب "على قدر فلوسهم" كما يفعل الكثيرون في مصر، وهو يراقب وطنه في عمله، وبهذا غزت صناعاتهم كل دول العالم وأصبحوا دائنين لأكبر قوة اقتصادية، فالميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين يميل لصالح الأخيرة التي تداين أمريكا بأكثر من ستين مليار دولار، وفي تزايد مستمر. كل دول العالم الآن تخشى الصناعة الصينية والعملة الصينية في صعود متواصل، حيث تنافس الدولار وأقوى العملات تباعاً. ولقد حسنت الصين بشكل ملحوظ رفاهية شعبها، وتسير بخطى سريعة في الإصلاح والنمو كما أن مساهمتها في العالم كمحرك للتقدم والمنفعة المشتركة وخدمة الشعوب غير مسبوقة. لقد صنعوا لنا حتى سجادة الصلاة والمسبحات وفوانيس رمضان وبأرخص الأسعار، فهل نتعلم من هذا الشعب العظيم. لقد كان المجموع الكلي للتجارة الخارجية الصينية منذ سنوات قليلة يساوي أقل من 1% من الاقتصاد العالمي ومجموع تجارتها الخارجية يساوي 6ر20 بليون دولار أما اليوم فإنها تمثل حوالي 6% من الاقتصاد العالمي ويبلغ حجم تجارتها الخارجية 951 بليون دولار، وهو ما يمثل المركز الثالث في العالم فضلا عن أنها القوة العسكرية الثالثة في عالم اليوم. كما جذبت الصين عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات الخارجية المباشرة، وتراكم لديها أكثر من 711 مليار دولار فائض رؤوس أموال إضافية حتى يناير عام 2005 تبحث عن الاستثمار في الخارج. وبعد أن كانت الصين من أكثر دول العالم جذبا للاستثمار الأجنبي بعد ما قدمته من حوافز للمستثمرين الأجانب للمشاركة في تنمية اقتصادها أصبحت الآن من أولى دول العالم الساعية لاستثمار أموالها في الخارج في مشروعات عملاقة تعود بالنفع المشترك عليها وعلى الشريك الأجنبي. وقد تنبهت مصر إلى ذلك وبدأت ترسل الوفود التجارية والاستثمارية المختلفة للترويج لفرص الاستثمار المتاحة في مصر، وخاصة في مجال المنسوجات والغزل والنسيج والملابس الجاهزة التي نشترك فيها معهم ولكنهم بلغوا فيها قمة الروعة من حيث الجودة والسعر المنخفض. وقد تم الاتفاق مع مصر لإقامة مشروع ضخم لتحويل المنطقة الاقتصادية بشمال وغرب خليج السويس إلى مركز عالمي لتوزيع المنتجات الصينية لأوروبا والشرق الأوسط، وهذا بالطبع كسب لنا ويرجع إلى السياسة الحكيمة للرئيس مبارك.

     وتواصل الصين إدارة شئونها بمفهوم التنمية العلمية مع تعميق الإصلاح السياسي والاقتصادي والانفتاح على العالم الخارجي من كل الأبعاد وبتعدد المستويات، ويعتبر انتهاج طريق التنمية السلمية الخيار الاستراتيجي للصين، ويُعدّ التعاون مع دول العالم المختلفة وتحقيق المكاسب المشتركة سياسة صينية ثابتة. ومن أهم ما يميز الصين عن كافة القوى الكبرى أن تعاونها ومساعدتها للدول الصغرى لا تهدف إلى الهيمنة أو احتواء هذه الدول والسيطرة عليها كما يفعل الآخرون وإنما هو تعاون قائم على النَّدية والاحترام المتبادل.

     إن من حسن حظ العرب ومصر خاصة أننا أصدقاء لهذا الشعب العظيم وهم من أكثر شعوب العالم إعجاباً بالحضارة المصرية ويعتبرونها أعرق حضارات العالم وأنها الحضارة الأم لكل الحضارات بما فيها الحضارة الصينية ذاتها، فلتقترب أكثر من هؤلاء العمالقة ولنتعلم منهم حبَّ العمل وعمق الانتماء للوطن والتفاني في سبيله والإجادة والدقة والعناية والإخلاص فهذا وحده هو طريق التقدُّم والمستقبل المشرق لبلادنا. إن الإنسان أكبر ثروة وأغلى من النفط والذهب ولكن بشرط أن نُحسن استثمار أدواتنا وملكاتنا لصالح أنفسنا ووطننا حتى يعمَّ الخير علينا جميعاً.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.