ã

هل وصلت قضية إيران النووية طريقا مسدودا؟

*هوا لي مينغ

يراديعي

موقف متشدد لوزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس

المفاوض الإيراني الرئيسي على لاريجاني

     بعد أن أعلنت إيران استئناف عمليات تحويل اليورانيوم الخام في منشآتها الواقعة قرب مدينة "أصفهان" في أغسطس 2004، أصبح الموقف الإيراني أكثر تشددا في القضية النووية. في يناير عام 2006، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنيتها استئناف البحوث النووية ورفع أختام الوكالة الموضوعة على مراكز الأبحاث النووية بها، وهو القرار الذي هز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مرة أخرى، فبادرت واشنطن بمطالبة إيران بالتوقف عن البحوث النووية وهددت بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وفي ذات الوقت صرح محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن المجتمع سيفقد صبره تجاه إيران، ولكن البرادعي رجح أيضا في الشهر الماضي، مارس، اهحتمال التوصل لإتفاق من شأنه إيجاد مخرج للأزمة النووية الإيرانية.

     السؤال هو: لماذا أصبح موقف إيران متشددا إلى هذه الدرجة مع علمها جيدا بأن رد المجتمع الدولي سيكون قويا؟

     الحقيقة أن ثمة أسبابا موضوعية تفسر الموقف الإيراني، نذكر منها ما يلي:

     أولا، أن امتلاك التكنولوجيا النووية أمر يرتبط بالأمن القومي لإيران، فقد باتت طهران تدرك جيدا بعد حربها مع العراق، وحرب الخليج الأولى وحرب أفغانستان وحرب العراق في عام 2003، خطورة بيئتها الأمنية، واحتمال تعرضها لضربات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية في أي وقت، ولهذا تعتقد أن امتلاك التكنولوجيا النووية وسيلة ردع وحماية فعالة.

     ثانيا، أن التكنولوجيا النووية حلم يراود الإيرانيين منذ زمان من أجل تعزيز قوة بلادهم. بلاد الفرس دولة عريقة ذات حضارة عمرها خمسة آلاف عام، وقد امتد نفوذ الإمبراطورية الفارسية أيام ازدهارها إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا، ولكن بعد انهيارها خضعت للحكم العربي والمغولي والتركي، ثم صارت في العصر الحديث ساحة للصراع بين بريطانيا وروسيا. وقد كان الموقف الإيراني محايدا أثناء الحربين العالميتين، لكنها كانت محتلة، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى قيام الثورة الإسلامية بها كانت إيران شبه مستعمرة للولايات المتحدة. كل هذا زرع في الإيرانيين مشاعر حزن قومي ورغبة شديدة في إنهاض أمتهم. وفي نهاية القرن العشرين، وبعد امتلاك جيرانها، إسرائيل والهند وباكستان، الأسلحة النووية أضحى الإيرانيون أكثر اقتناعا بأن استيعاب التكنولوجيا النووية رمز لمكانة دولتهم، وبالنسبة لكثير من الإيرانيين، التخلي عن التكنولوجيا النووية يعني إهدار الكرامة القومية. لكل هذا يحظى المشروع النووي الإيراني بقاعدة شعبية راسخة تمثل خطا إذا تجاوزه المفاوض النووي الإيران فإنه يغامر بفقدان حكومته الدعم الجماهيري.

     ثالثا، أن إيران اكتشفت نقاط ضعف خصمها. وقد يتساءل البعض عن سبب تعهد إيران بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم اعتبارا من 22 نوفمبر عام 2004. هنا نشير إلى أنه بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق عام 2003 أصبحت إيران محاصرة من جهتي أفغانستان والعراق، إضافة إلى التهديد بأن الضربة القادمة ستكون من نصيب إيران. في هذا الوقت وفي ظل تلك الظروف كشفت منظمة معارضة للحكومة الإيرانية عن قيام طهران بأنشطة تخصيب اليورانيوم، فوجهت واشنطن، معتمدة على ما حققته في حرب العراق، تهديدا شديدا لإيران. في هذا الوضع السلبي اختارت إيران أن توقع على البروتوكيل الإضافي لـ<<معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية>>، ووقف كافة عمليات تخصيب اليورانيوم. بعد ذلك بسنتين، هوت الولايات المتحدة من وضع المنتصر إلى وضع مربك في العراق، وانخفضت نسبة تأييد جورج بوش إلى أدنى مستوى لها. وفي الوقت ذاته، أدى تطبيق نظام الانتخابات على الطريقة الأمريكية في العراق إلى ظهور حكومة موالية لإيران، يمثل الشيعة والأكراد القوة الرئيسية فيها. فازداد التأثير الإيراني في تحديد المستقبل السياسي للعراق، مما زاد عدد أوراقها للمساومة مع الولايات المتحدة. في 28 نوفمبر من العام الماضي، فوضت وزارة الخارجية الأمريكية لأول مرة السفير الأمريكي في العراق زالماي خليل زاد ليقوم بالاتصالات مع إيران لكسب دعمها في إخماد الاضطرابات العراقية. إلى جانب ذلك عزز ارتفاع أسعار البترول قوة إيران، ولهذا فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية أنزلت بتردد هراوة عقاب إيران التي كانت تلوح بها. بعد التقييم الحذر للوضع الداخلي والدولي قرر متخذو القرار الإيرانيون تحدي الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وهذا في الواقع السبب الحقيقي لاتجاه الموقف الإيراني إلى التشدد.

     لقد أصبحت المشكلة النووية الإيرانية لعبة القط والفأر بين واشنطن وطهران، فالأخيرة تنتهج تكتيك "التقدم عندما يتراجع الخصم، والتراجع عندما يتقدم". ولكن التقدم أو التراجع له حدود، فعندما وقعت إيران على البروتوكول الإضافي لـمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2003 تركت لهذا التوقيع مجالا للمناورة هو "انتظار تصديق البرلمان"، وهو الأمر الذي لم يتم إلى اليوم. وفي عام 2004 عندما تعهدت إيران للترويكا الأوروبية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم أكدت أن هذا الوقف "طوعي" تاركة المجال لتعيد تشغيلها مرة أخرى، وعندما استأنفت البحوث النووية، حرصت على عدم الوصول إلى مرحلة إنتاج اليورانيوم بكميات صناعية، فلا تزال المسافة طويلة بينها وبين الضغط على "الزر النووي".

      إن الهدف النهائي للولايات المتحدة هو منع إيران من استيعاب تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، بينما الهدف النهائي لإيران هو استيعابها بنفسها، ولهذا فإن التوفيق بين الهدفين غير ممكن، ولا مفر من وقوع الصدام، ولكن هذا يتوقف على متى يمكن أن تستمر لعبة القط والفأر بين الطرفين.

هل الطريق مسدود؟

     شهد العالم في بداية عام 2006 معركة دبلوماسية لا نار لها ولا دخان بين الولايات المتحدة وإيران في العاصمة النمساوية فيينا.

     في الرابع من فبراير هذا العام، وافق مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأغلبية 27 صوتا ومعارضة ثلاثة أصوات وامتناع خمسة أصوات، على مشروع قرار قدمه الاتحاد الأوروبي بإحالة المشكلة النووية الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي، فردت إيران فورا بالإعلان عن وقف تنفيذ البروتوكول الإضافي لـمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والاستئناف الشامل لعمليات تخصيب اليورانيوم، بينما ردت إسرائيل بأن إيران سوف تدفع "ثمنا غاليا".

     بالموافقة على مشروع القرار الأوروبي أصبحت إيران معزولة، لكن كل الاتفاقيات التي أسفرت عنها المفاوضات الصعبة بين الترويكا الأوروبية وإيران منذ عام 2003 ذهبت أدراج الرياح، وفقد الاتحاد الأوروبي مكانته التفاوضية مع إيران التي راحت تطور التكنولوجيا النووية بكل حرية. وعلى الرغم من سعادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالحصول على موافقة الأغلبية الساحقة في هذه المرة، فإن أحدا لم يخرج فائزا حقيقيا من هذه المعركة.

     لقد كان أهم سبب لظهور هذا الوضع في التصويت على مشروع قرار الاتحاد الأوربي، في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، موقف إيران المتشدد وصورتها الدولية غير الجيدة. لكن هذا لا يعني أن كل الدول التي صوتت بالموافقة راغبة في الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة والدول الاوروبية للضغط على إيران، ولا يعنى أيضا أن كل هذه الدول تؤيد توقيع عقوبات على إيران، فبعد إجازة المشروع، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي إيفانوف "إن روسيا لا تزال تعتقد أن الحل الأفضل لهذه المشكلة يظل داخل إطار وكالة الطاقة الذرية"، وأعرب عن عدم اعتقاده بأن العقوبات وسيلة غير فعالة. وصرحت وزارة الخارجية الهندية بأن تصويت الهند بالموافقة" يجب ألا يفسر بأننا تركنا العلاقات الودية الحميمة التقليدية مع إيران". وحث سفير الصين لدى وكالة الطاقة الذرية، وو هاي لونغ، إيران على مواصلة التعاون الشامل مع الوكالة، لتعزيز ثقة المجتمع الدولي بنشاطاتها النووية السلمية.

     إن جوهر صعوبة حل المشكلة النووية الإيرانية هو تعارض المصالح السياسية بين الولايات المتحدة وإيران، زهذا هو السبب الرئيسي لوقوع المعركة الدبلوماسية في فيينا. وتساور المجتمع الدولى مخاوف من المسقبل الكارثي الذي يمكن أن تسفر عنه هذه المعركة، حيث يبدو أن المشكلة النووية الإيرانية قد وصلت إلى طريق مسدود.

     لكن المحللين غير متشائمين تماما من إمكانة إيجاد تسوية لهذه المشكلة، وأسبابهم هي:

     أولا، أن الولايات المتحدة لم تستعد جيدا لشن حرب أخرى لا علم لواشنطن بنتيجتها.

     ثانيا، أن إيران لم توصد أبوابها تماما. صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي بأن إيران ستواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية داخل إطار الأنظمة المعنية لها وإطار <<معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية>>، وستواصل التشاور مع روسيا حول الاقتراح الذي طرحته روسيا في أواخر شهر فبراير.

     ثالثا، أن هناك اختلافا بين الولايات المتحدة وأوروبا في فهم المشكلة النووية الإيرانية، وفي مصالحهما أيضا. ومن المؤكد أنه إذا أبدت إيران قليلا من المرونة يحدث خلاف بينهما.

      رابعا، أن قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اتخذ في الرابع من فبراير يطلب من مديرها العام محمد البرادعي "إبلاغ" موضوع إيران إلى مجلس الأمن، وليس "إحالته"، والفرق بين هاتين الكلمتين يعكس الموقف المتسامح والمرن لمعظم أعضاء الوكالة تجاه إيران.

     وقد ألقى سفير الصين لدى وكالة الطاقة الذرية، وو هاي لونغ، كلمة تفسيرية بعد إجازة قرار الرابع من فبراير، أكد فيها على أنه برغم وجود بعض الصعوبات في مفاوضات المشكلة النووية الإيرانية حاليا، فإنه على الأطراف المعنية ألا تتخلى عن الجهود الدبلوماسية، قائلا: "علينا أن نبذل مائة جهد ما دام هناك بريق من أمل". وما قاله وو هاي لونغ يمثل رغبة مشتركة للمجتمع الدولي. فهل يمكن أن نسلك طريقا آخر لتسوية المشكلة النووية الإيرانية التي يبدو أنها وصلت طريقا مسدودا؟ ننتظر.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.