ã

الخطة الخمسية الجديدة، هل تعالج المشاكل المزمنة؟

     يعقد هذا الشهر، مارس 2006، المجلس الوطني العاشر لنواب الشعب الصيني، وهو السلطة التشريعية العليا في الصين، دورته الرابعة، ومن أبرز الموضوعات المعروضة على هذه الدورة مناقشة وإقرار الخطة الخمسية الحادية عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2006- 2010)، التي يعول عليها كثيرون لحل العديد من المشاكل المزمنة والمعضلات التي أفرزتها مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي خلال السنوات الخمس والعشرين المنصرمة.

     ويأتي على رأس المشكلات في الصين حاليا التعارض والتناقض المتزايد بين التقدم الاقتصادي والتقدم الاجتماعي في البلاد، في خضم المكاسب التي يحققها الاقتصاد الصيني منذ خمس وعشرين عاما. هذه المشكلة ينبغي حلها بأسرع وقت ممكن، مع الدعوة الحثيثة للسلطات المركزية إلى بناء مجتمع متناغم ومع تطبيق الخطة الخمسية الحادية عشرة.

هذا التناقض الذي نتحدث عنه يتجلى في الظواهر التالية:

     أولا، تخلف التعليم كثيرا عن المتطلبات التي فرضتها التنمية الاقتصادية السريعة، وهذه المشكلة خطيرة بشكل خاص في المناطق الريفية. وحسب الإحصاء السكاني الوطني الخامس الذي أجري عام 2000، فإن نسبة الأمية كانت 5,22% لمن فوق سن خمس عشرة سنة في المناطق الحضرية، ولكن هذا الرقم كان 11,55% في المناطق الريفية. ويشكل الذين تلقوا التعليم الابتدائي والإعدادي 91% فقط من قوة العمل في المناطق الريفية.

     ثانيا، تخلف مستوى تطور الرعاية الصحية كثيرا عن مستوى التقدم الاقتصادي. فقد زاد عدد الأسِرة والأطباء لكل ألف مواطن من 1,93 و1,07 كل على حدة، في عام 1978 إلى 2,4 و1,5 كل على حدة، في عام 2004، وهي زيادة متواضعة للغاية.

     يترافق مع هذا، حقيقة التوزيع غير المتساوي لموارد الطب والصحة العامة، حيث تستأثر المناطق الحضرية بنسبة 80%، بينما نصيب سكان الريف الذين يمثلون 70% من إجمالي سكان الصين نسبة 20% الباقية.

      ثالثا، أن النمو الاقتصادي يتجاوز كثيرا الأعمال الثقافية. ومازالت الحياة الثقافية في المناطق الريفية، وخاصة الشديدة الفقر، محدودة للغاية بسبب الافتقار إلى المكتبات العامة والمحطات الثقافية ومرافق التسلية.

      رابعا، البطالة التي تفرض مشكلة كبيرة. بلغ معدل البطالة المسجل في المناطق الحضرية والبلدات 4,3% عام 2004، ويوجد حاليا نحو 150 ألف عامل ريفي بحاجة إلى فرص عمل. غير أن عددا كبيرا من العمالة المسرحة ومن الفلاحين الذين تحولوا إلى عمال ليست لديهم المهارات التي تتطلبها الصناعات الحديثة.

     خامسا، أن مظلة التأمين الاجتماعي تغطي نسبة قليلة من السكان. في عام 2004، كان 22,05% من سكان المناطق الحضرية والبلدات يتمتعون بالحد الأدنى من الضمان الاجتماعي، في حين أن الرقم الإجمالي للمحتاجين هو 140 مليون فرد، ليس من بينهم سكان الريف. وتغطي مظلة التأمينات الاجتماعية 4,88 ملايين فقط من سكان الريف، في حين يحصل 11,58 مليونا على معونات.

     سادسا، الفجوة المتزايدة في الدخل بين المجموعات المختلفة. في عام 1980، بعد انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح بوقت قصير، كان معامل جيني، الذي يقيس الفجوة بين الفقراء والأثرياء، في الصين، 0,33 ولكنه حاليا 0,46، أي أكثر من مستوى الإنذار المقبول دوليا وهو 0,43.

     سابعا، ضعف أنظمة إدارة شئون المجتمع، وهذا يعني القدرة المحدودة في مسايرة الطوارئ والأحداث التي تهدد أمان وسلامة المجتمع، وهذا افتقار إلى مؤسسة أو وكالة لديها السلطة الكافية لتنسيق الاستجابات المناسبة.

     وبعيدا عن هذا، نجد أن عددا كبيرا من الوحدات غير الإنتاجية، مثل المدارس ومعاهد البحوث والوحدات الثقافية والهيئات الطبية مازالت متمسكة بروتين فترة الاقتصاد المخطط. ونتيجة لهذا فإن العديد من الهيئات بها عمالة فائضة ومقيدة بلوائح صارمة وتتكبد خسارة هائلة في التشغيل، ولهذا فإنها ذات كفاءة متواضعة وخدمات فقيرة. والسبب الجذري لعدم التوازن هو المستوى المتدني من التنمية الاقتصادية، على الرغم من حقيقة أن الاقتصاد الصيني يحقق نموا بسرعة عالية خلال العشرين عاما الفائتة.

     في عام 2004 كان متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين 1270 دولارا أمريكيا، وهو رقم أقل كثيرا من المتوسط العالمي، خمسة آلاف دولار أمريكي. وتعبر القوة الاقتصادية المنخفضة نسبيا عن نفسها في المدخلات المتواضعة في أعمال التنمية الاجتماعية. كما أن التعثر في عملية تحويل دور الحكومة مسئول عن هذا، فمنذ تبني سياسة الإصلاح والانفتاح تخلت الحكومة عن بعض المجالات لتفادي التدخل المفرط. ولكن في بعض الحالات أعطت الحكومة أرضية كبيرة للغاية لقوى السوق، وهي مجالات ينبغي أن تمارس فيها الحكومة سلطتها، ومن ذلك العدالة الاجتماعية والنظام العام وتقديم الخدمات العامة، مثل التعليم.

     لكل هذا من الضروري صياغة استراتيجية تنمية جديدة، تكون قضية خلق فرص عمل جديدة على قمة أولوياتها. وتشير التوقعات إلى أن المجموعة التي في سن العمل- بين 15 و59 سنة- لن تتوقف عن الزيادة حتى عام 2020، وفي ذلك الوقت سيصل عدد السكان في تلك المجموعة 940 مليونا، في حين أن الرقم حاليا هو 820 مليونا. إن وضع البطالة تحت السيطرة وزيادة فرص العمل أمر بالغ الأهمية.

     وتتطلب مرحلة التنمية الجديدة من الحكومة أن تعزز نظام توزيع الدخل، من خلال تطبيق سياسات وآليات الضمان الاجتماعي. وينبغي الاهتمام بتحسين مستوى المعيشة لسكان الريف والفئات ذات الدخل الضعيف حتى يستفيد كل فرد من الرخاء الذي يحققه التقدم الاقتصادي. وينبغي على استراتيجية التنمية الجديدة أن تضع في الاعتبار حقيقة أن الإصلاح والنمو الاقتصادي السريع لهما اهتمامات متباينة، ينبغي أن تعبر عنها فئات اجتماعية متعددة، وعليه فإن المطلوب هو إقامة نظام فعال للإدارة الاجتماعية والتعاونية للحيلولة دون تراكم المشاكل الاجتماعية وتفاقمها.

     إن المواطنين، مع توفر الطعام والملابس لهم بشكل كبير، يحتاجون سلعا أخرى، وهذا يعني تحولا من المستوى الأساسي إلى مستوى أعلى. وسوف يصبح المواطنون أكثر اهتماما بحماية حقوقهم وأن يكون لهم قول أكبر في الحياة السياسية. وهذا يدعو إلى تعزيز دور الحكومة في تقديم الخدمات ذات العلاقة بالتعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والصحة العامة. وهذا يتطلب أيضا من الحكومة أن تزيد استثمارها في التعليم الإلزامي والرعاية الصحية والشئون الثقافية العامة وأمن وسلامة المجتمع والمساعدات للمرضى والمعاقين وكبار السن والشباب.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.