ã

حماسة الاستهلاك تنتقل إلى الريف

لوه يوان جيون

فجوة في مستوى الاستهلاك بين سكان الريف وسكان الحضر

الأجهزة الكهربائية المنزلية رائجة في أسواق ريف الصين

     ذكر تقرير لشركة ماكينسي Mckinsey، المتخصصة في الإدارة والاستشارات أن السوق الاستهلاكية للمدن الصينية الكبيرة تقترب من التشبع، وأن حماسة الاستهلاك تنتقل منها إلى المدن الصغيرة والبلدات والريف. وقد غطى التقرير الصادر في شهر ديسمبر 2005 أكثر من ثلاثين مدينة يحتل عدد سكانها 60% من إجمالي عدد سكان الصين، وتضمن مقابلات شخصية مع ستة آلاف عائلة لمدة ستين دقيقة لكل عائلة.

السوق الريفية

     يعيش 70% من الصينيين اعتمادا على الزراعة، ويقطن 60% من سكان الصين، البالغ عددهم 1,3 مليار نسمة، في الأرياف. ومازال في الريف متسع كبير لاستيعاب المنتجات الصناعية. وحسب قول وانغ فنغ، وهو صاحب شركة للأجهزة الكهربائية القديمة في إحدى ضواحي بكين، يهتم سكان المدن بتجديد وتبديل أجهزة الكمبيوتر لديهم حاليا، بينما يرغب سكان الريف في شراء تلك الأجهزة التي يستغني عنها أهل المدن نظرا لانخفاض أسعارها، ودائما المعروض من الأجهزة الكهربائية القديمة في الريف أقل من الطلب عليها.

     السوق الريفية في الصين هي أكبر كعكة استهلاكية تفتقر إلى التنمية في العالم، علما بأن مستوى الاستهلاك لسكان الريف الصينيين الآن يعادل مستوى استهلاك سكان المدن في أوائل تسعينات القرن الماضي، أي يتخلف عنه حاليا بعشر سنوات، والفجوة الاستهلاكية بين سكان المدن وسكان الريف جد شاسعة.. تشير معلومات مصلحة الدولة للإحصاءات أن كل يوان (الدولار أمريكي الواحد يساوي 1ر8 يوان) واحد زيادة في نفقات الاستهلاك لسكان الريف يحقق يوانين زيادة في الطلب الاستهلاكي للاقتصاد الوطني، وأن كل 1% زيادة في تعميم نوع من الأجهزة الكهربائية المنزلية لسكان الريف يعني زيادة 38ر2 مليوني جهاز كهربائي منزلي.

     في عام 2005 أدت الزيادة في دخول الفلاحين إلى تنشيط سوق الاستهلاك في الريف، وفي الفترة بين يناير وأكتوبر كانت الزيادة في قيمة البيع بالتجزئة في المدن 6ر13%، بينما بلغت 2ر11% في الريف، وهكذا قلت الفجوة بين نسبتي الزيادة في قيمة البيع بالتجزئة في المدن والريف مقارنة مع عام 2004. تشير أحدث الأرقام الإحصائية إلى أن متوسط نصيب الفرد من الزيادة في نفقات الاستهلاك لسكان الريف تجاوز سكان المدن لأول مرة خلال ثماني سنوات متتالية. ومستوى الاستهلاك لسكان الريف في بعض المناطق حاليا يقترب من أو يجاوز مستوى استهلاك سكان المدن والبلدات في أواسط تسعينات القرن الماضي، وفي النصف الأول من عام 2005 ازدادت قيمة البيع بالتجزئة للسلع الاستهلاكية في المحافظات والمناطق تحت مستوى المحافظة في كل الصين 1ر12%، بزيادة 3% عن نفس الفترة من العام الماضي، وقلت الفجوة في معدل الزيادة بين المدن والريف من 6ر5% عن نفس الفترة من العام الماضي إلى 3% حاليا. وهكذا ومع تحسن عناصر كثيرة مثل ظروف الاستهلاك ودخل الفلاحين وغيرهما هناك توجه جيد للاستهلاك الريفي.

     الاستهلاك الريفي له خصائصه الذاتية مقارنة مع استهلاك المدن بسبب الفجوة الشاسعة في مستوى الدخل بين سكان المدن وسكان الريف. تشير نتيجة دراسة ميدانية إلى أن الإنفاق على التعليم صار الوجه الرئيسي لإنفاق سكان الريف، وأكثر من 40% من عائلات الريف تستخدم دخلها لتعليم أبنائها، كما أن التأمين صار نقطة ساخنة جديدة للاستهلاك الريفي. ويهتم المستهلك الريفي بنوعية المنتجات وبات لديه وعي إلى حد ما بحماية حقوقه ومصالحه في الاستهلاك. الآن يعرف أكثر من 80% من المستهلكين بالريف أن الخامس عشر من مارس هو اليوم العالمي لحقوق المستهلك. وفي حال انتهاك حقوقهم ومصالحهم الاستهلاكية يلجأ الريفيون إلى الجهات المعنية، وقد بلغت نسبة من فعلوا ذلك حوالي 79% منهم وتم اتخاذ بعض الإجراءات لحل مشاكلهم.

معوقات الاستهلاك الريفي

     هناك عوامل تعوق الاستهلاك الريفي في الصين، فزيادة دخول الفلاحين مهمة تزداد صعوبة، وزيادة استهلاك الفلاحين المتوقع تتجه إلى الضعف مع تراجع أسعار المنتجات الزراعية، وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية وسعر الاستهلاك لسكان الريف، وهذا يؤدي إلى بطء زيادة دخل الفلاحين ويؤثر بالتالي في ارتفاع مستوى الاستهلاك المعيشي للفلاحين ومبادراتهم الإنتاجية.

     لقد ظلت الزيادة في دخل الفلاحين بطيئة لمدة طويلة وتوسعت الفجوة بين دخل أهل المدن وسكان الريف، فخلال السنوات الأخيرة كان دخل الفلاحين يزداد بنسبة بين 4% و5%، وهي نسبة أقل من الزيادة السنوية في دخل الفلاحين خلال السنوات العشر الأولى لانتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح والتي كانت 16%. هكذا توسعت الفجوة بين دخل سكان الريف وسكان المدن من 1: 9ر1 في أوائل ثمانينات القرن الماضي إلى 1: 6ر2 في أواخر تسعينات القرن الماضي ووصلت 2ر3 أضعاف الآن. وقد أكد تشنغ جينغ بينغ، الناطق الإعلامي باسم مصلحة الدولة للإحصاءات أن مسألة تواضع إمكانية زيادة مردود الحبوب ودخل الفلاحين تحظى باهتمام في العمل الاقتصادي في المرحلة الحالية، مشيرا إلى أن صعوبات رفع دخل الفلاحين تتزايد.

     وحسب نتائج مراقبة حركة السوق التي تقوم بها وزارة التجارة، فإن أسعار المنتجات الزراعية، وعلى رأسها الحبوب، انخفضت عام 2005، وقل دخل الفلاحين من بيع المنتجات الزراعية. وفي سبتمبر عام 2005 ارتفع سعر الاستهلاك لسكان الريف 1% عن نفس الفترة من العام الماضي، بزيادة 2ر0% عن نسبة الزيادة في سعر الاستهلاك لسكان المدن. وقد ظل سعر الاستهلاك لسكان الريف أعلى من سعر الاستهلاك لسكان المدن لمدة تسعة وعشرين شهرا على التوالي.

     ومن أسباب صعوبة رفع دخل الفلاحين زيادة ما ينفقه الفلاح لشراء المستلزمات الزراعية والتأثيرات السلبية الناجمة عن الكوارث الطبيعية. وتلك كلها عوامل لا تشجع على توسيع سوق الاستهلاك الريفية، إضافة إلى عوامل أخرى نذكر منها. أولا: تخلف الضمان الاجتماعي في الريف كثيرا عن المدن والبلدات، وقد باتت صعوبات الالتحاق بالمدرسة والعلاج وإعالة الكبار ظواهر عامة في الريف الصيني، حيث يزداد الإنفاق المتوقع مع ارتفاع تكلفة التعليم والخدمات الطبية، وهذا يؤثر بالطبع على السلوك الاستهلاكي للفلاحين ويعزز ميلهم إلى ادخار أموالهم في البنوك ويقلل من نفقاتهم الاستهلاكية إلى حد كبير. ثانيا: أن الفلاح الصيني هو المسئول بنفسه عن مسكنه وأدوات إنتاجه، ولهذا عليه أن يستثمر في الإنتاج بنفسه لأنه لا يحصل على دعم من الهيئات المالية الحكومية، ومن ثم يعتمد الفلاح على مدخراته وهذا يعزز أيضا ميله إلى ادخار أمواله في البنوك.

     الأكثر أن مرافق الخدمات العامة في الريف، مثل مرافق المواصلات والاتصالات وشبكات الكهرباء والري والتعليم والبحوث العلمية والمعلومات والخدمات التكنولوجية والتدريب الإنتاجي وحماية النظام العام الخ، يتحمل الفلاحون بشكل رئيسي نفقاتها، وهذا يضيف أعباء أخرى على الفلاح ويعوق استهلاك الريف. ظروف الاستهلاك الريفي مثل المرافق الأساسية المتخلفة ونظام التداول غير السليم والبيئة الايكولوجية السيئة الخ ليست جيدة، وهذا يجعل الفلاحين لا يرغبون في الاستهلاك المعيشي، وعاجزين عن توقع وتقدير استهلاكهم في المستقبل. يضاف إلى هذا أن آليات الائتمان والتأمين الاجتماعي في الريف وغيرهما ليست سليمة، وهذا يحد من استهلاك الفلاحين. والفلاحون أكثر تأثرا بالكوارث للطبيعة وتقلبات السوق والمرض الخ مقارنة مع سكان المدن، ودخلهم ليس مستقرا، ولا تتوفر لهم آليات للائتمان والضمان، كما أن أنظمة التأمين الزراعي وضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة في الريف والتأمين الطبي وتأمين الشيخوخة الخ ليست سليمة. كل هذا يجعل الفلاح الصيني عاجزا عن توقع وتقدير استهلاكه في المستقبل، فيلوذ إلى تقليل استهلاكه الحالي وزيادة مدخراته لحل مشاكله.

مفتاح بوابة الاستهلاك الريفي

     في عام 2005 نفذت وزارة التجارة مشروع "آلاف القرى"، ووضعت خطة لإنشاء 250 ألف مركز تجاري في كل أنحاء الصين خلال ثلاث سنوات، وزيادة الاستهلاك الريفي عن طريق إنشاء شبكات جديدة لتداول السلع في الأسواق الريفية. وحسب سياسات الدولة قدمت وزارة التجارة قرضا تفضيليا مدعوما من الحكومة قيمته بين 1000 و1500 يوان لكل مركز تجاري جديد في الريف، أي 100 مليون يوان لكل المراكز التجارية الجديدة في الريف، واختارت 30% من المحافظات في شرق الصين كمناطق تجريبية، واختارت ثلاثة مراكز تجارية في كل محافظة. وفي نفس الوقت وضعت وزارة التجارة خطة لإصلاح 2000 سوق لبيع المنتجات الزراعية بالجملة خلال ثلاث سنوات من أجل حل مشكلة صعوبة بيع المنتجات الزراعية، وفي عام 2005 اختارت بعض الأسواق لإجراء الإصلاح النموذجي، بالإضافة إلى ذلك قامت بتجربة بيع المنتجات الزراعية في منافذ متسلسلة.

     إن العامل الجوهري لتوسيع السوق الريفية هو زيادة دخل الفلاحين. لقد بلغت حصة الزراعة والريف والفلاحين من الميزانية المركزية 300 مليار يوان في عام 2005، وفي الشهور التسعة الأولى من العام الماضي بلغ متوسط الدخل النقدي للفرد من الفلاحين 2450 يوانا، بزيادة حقيقية قدرها 5ر11%، أي أعلى من نسبة الزيادة من متوسط الدخل النقدي للفرد من سكان المدن.

      إن الإسراع بخطوات عملية التحول الحضري هو السبيل الرئيسي لزيادة دخل الفلاحين ومن ثم زيادة الاستهلاك الريفي. ويتوقع متخصصون أن هناك إمكانية لنقل مليون أو أكثر فلاح إلى المدن. ويشير هؤلاء إلى أنه إذا تحقق نمو في التحول الحضري بنسبة 1% سنويا خلال فترة الخطة الحادية عشر فإن الاستهلاك سوف يزداد بنسبة 6ر1% لأن استهلاك سكان المدن يعادل بين 7ر2 و3 أضعاف استهلاك سكان الريف.

     يرى المتخصصون أنه باستثناء عنصر الدخل، فإن ثمة عناصر مثل الضمان الاجتماعي والمزاج الاستهلاكي تلعب دورا في تحجيم السوق الريفية، ولهذا على الحكومة أن تزيد استثمارها في الزراعة والريف، وتوسع نطاق المناطق الريفية التي تحظى بمخصصات مالية من الموازنة العامة وتعزز خدماتها العامة في الأرياف، وتعزز بناء نظام الصحة العامة والخدمات الطبية الأساسية في الريف، وتقيم نظاما من نمط جديد للخدمات الطبية التعاونية في الريف. ونشير في هذا الصدد إلى أن الحكومة ستوسع خلال العامين الحالي والقادم نطاق المناطق التجريبية للمحافظات والمدن ومناطق الخدمات الطبية التعاونية الجديدة بنسبة بين 40% و60%. لقد ألغت الحكومة الضريبة الزراعية المعمول بها منذ أكثر من ألفي عام. واعتبارا من العام الحالي تبدأ الحكومة في الإعفاء الشامل من الرسوم الدراسية والإضافية خلال مراحل التعليم الإلزامي في الريف. ولكن ينبغي على الحكومة أن تجتهد في البحث وأن تجري دراسات عميقة للسوق الريفية، وعلى أساسها تحدد احتياجات هذه السوق من أجل زيادة الاستهلاك الريفي. وينبغي أيضا أن تطور وتطرح منتجات مناسبة للسوق الريفية، مع الحرص على الجودة العالية والتكلفة المنخفضة في حلقتي الإنتاج والتسويق وتقديم خدمات ما بعد البيع لبعض السلع الاستهلاكية والماكينات الزراعية، وتؤكد على فكرة "من أجل الزراعة والريف والفلاحين".

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.