ã

خه تشي هوا، جامع الملابس والإكسسوارات لأسرة تشينغ

عبد الله فريح يان يويه

     في أطراف قرية مجاورة لنهر وجبل بضاحية بكين، دار جميلة يفوح منها عبق التاريخ والأصالة. في باحة الدار تعرض أنواع كثيرة من الملابس والقبعات والأحذية والإكسسوارات. إنه معرض أزياء وإكسسوارات أسرة تشينغ الذي يعود بالتاريخ إلى أكثر من ثلاثمائة سنة مضت. أدهشني المعرض وأمتعني عندما زرته، فقلت في نفسي، لمن تكون كل هذه المقتنيات الثمينة؟ وكانت الإجابة تقتضي رحلتي إلى مدينة تيانجين، التي تبعد عن العاصمة الصينية نحو ساعتين بالسيارة، حيث التقيت خه تشي هوا، صاحب كل هذا التاريخ.

     رجل عادي ابن لأسرة من عامة الناس، اشتغل عاملا في مصنع سيارات. في بيته صندوقا ملابس، بدأ منهما رحلته مع جمع مقتنيات اللباس والإكسسوارات، مدفوعا بحبه للثقافة الصينية.

     السيد خه، المولود عام 1939، شخص مجد ومقتصد. بدأ في أواخر سبعينات القرن الماضي هواية جمع الملابس، التي تطورت إلى جمع القبعات والأحذية والإكسسوارات، حتى بلغ ما جمعه أكثر 700 قطعة. وهو الآن الوحيد في الصين الذي يجمع الملابس والإكسسوارات من زمن أسرة تشينغ الإمبراطورية، ولديه منها أكثر وأفضل مما لدى أي متحف في بلاده.

     ليس من الأثرياء وداره غير الفسيحة مكتظة بصناديق الملابس والإكسسوارات وليس بها من الأثاث إلا الضروري. قال إنه عاشق لاقتناء الثياب والإكسسوارات. كان يتجول مع زوجته في أسواق الأنتيكات والعاديات في نهاية كل أسبوع، وإذا عاد دون أن يشتري شيئا يكون حزينا مهموما. أنفق معظم راتبه البسيط على إشباع هوايته. وعلى مدى رحلة ثلاثين عاما في جمع المقتنيات عرف خه تشي هوا الكثير عن ثقافة اللباس والزينة الصينية، فراح يصنف مقتنياته ويبوبها بطريقة علمية.

     الملبس في نظر السيد خه ليس مجرد رداء يستر الجسد أو يزينه وإنما جزء من مرحلة تاريخية. يمر صنع الملبس بخمس خطوات، هي النسج، الصبغ، التصميم، التفصيل والتطريز. والثوب هو العنوان الاجتماعي للابسه. وفي الصين قديما، كان لكل فئة اجتماعية ملابس تصنع من قماش معين وبتصميم محدد، وكان يعاقب بالإعدام من يخالف نظام اللباس. خه تشي هوا يعرف مكان صنع الملبس من أسلوب تطريزه. كما أن نمط الملبس وطرازه يعكس تغير أسلوب الحياة. في البداية كانت قومية مان تعتمد في كل شئون حياتها تقريبا على الخيل، وبعد أن صار أبناء مان أباطرة الصين وحكامها تأثروا بثقافة قومية هان، واجهوا مشكلة ذوبان ثقافتهم في ثقافة هان، وكيفية الحفاظ على خصوصيتهم. كل هذا تعكسه ملابس أسرة تشينغ. في القرن التاسع عشر دخلت الثقافة الغربية إلى الصين فاندمجت في الثقافة الغربية، وأسفر اندماج الملابس الغربية مع ملابس أسرة تشينغ عن ولادة ملبس تشيباو، الفستان النسائي الصيني المشهور.

     الملابس التي يجمعها خه تشي هوا لم تعد تلبس، ولكنه يتعامل مع كل ثوب وإكسسوارات كابن له، ولهذا فإنه لا يستخدم في بيته وسائل التدفئة الحديثة بل يستعمل الفحم من أجل الحفاظ على ثبات درجة الحرارة والرطوبة. بعد أن ذاعت شهرته عرض البعض عليه أن يوفر بيئة أفضل لمقتنياته، ولكنه يرفض دائما، ويقول:"أشعر بالسعادة عندما أرى هذه الملابس والإكسسوارات وأتمتع بها." واقترح البعض عليه أيضا أن يبيع بعضا من مقتنياته لتحسين حاله ولكنه يرفض أيضا مفضلا أن يقدم مقتنياته هدية وليس بيعها لأن مجموعة مقتنياته من اللباس والإكسسوارات، حسب رأيه، تحف تاريخية ذات قيمة جليلة، وسجل تاريخي للحضارة الصينية. وقال خه تشي هوا:" إن بيع هذه الملابس والإكسسوارات يعني أن تفقد الدولة آثارها من تلك التحف التاريخية التي لا تتكرر". وقال إن معظم هواة جمع المقتنيات ليسوا أثرياء برغم أن مقتنياتهم ذات قيمة عالية، وهم لا يطمعون في الثراء وإنما عاشقون مولعون بما يجمعونه، وتبرع معظمهم بمقتنياتهم للدولة في النهاية. في هذا العصر المادي يعمل البعض في مجال جمع المقتنيات الأثرية لأغراض تجارية، وهذا ليس في مصلحة الحفاظ على التحف التاريخية. قبل أيام قال خبير في تثمين التحف للسيد خه إن قيمة أحد الملابس في مجموعة مقتنياته تساوي خمسين ألف دولار أمريكي، فكان رده: "لن أبيعه بهذا المبلغ، فقد اشتريته بمائة دولار، وقد يرضيني أن أبيعه بأربعمائة، ولكن ضميري لا يسمح أن أبيعه بخمسين ألفا.

     بعد أن أصبح خه تشي هوا معروفا في مجال جمع المقتنيات من الملابس والإكسسوارات بات من الصعب عليه جمع الجديد منها، ولهذا أقام مع مجموعة من هواة الجمع جمعية لهواة اقتناء التحف التاريخية. وحاليا يلقي محاضرات حول الثقافة الصينية وتدعوه محطات التلفزة دائما للحديث عن الثقافة الصينية، ويزوره باحثون في مجال الملابس والإكسسوارات، وتدعوه متاحف كثيرة لإقامة معارض لمقتنياته، فيثني عليه الزوار من الصينيين والجانب. بل إن أقسام التصميم في الجامعات تدعوه لإلقاء المحاضرات ولعرض مقتنياته للطلاب الذين يستفيدون كثيرا من ذلك. في عام 1998، أقام خه تشي هوا معرضا في تايوان لعب دورا محمودا في التبادل الثقافي بين جانبي مضيق تايوان.

     سألت خه تشي هوا:" كيف ستتصرف في مقتنياتك في المستقبل؟" قال:"إن ابني قد لا يستطيع توارث هذه الملابس والإكسسوارات لأن المجتمع يتطور ومفاهيم الناس تتغير، ولهذا فإن أمنيتي الوحيدة هي أن يقام متحف للملابس والإكسسوارات في الصين للحفاظ على ثقافة اللباس والزينة الصينية، وفي ذلك الوقت سوف أتبرع بمقتنياتي له، ليكون بيتا لها.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.