ã
هل حان وقت التغيير؟

ريتشارد مولينز

     الآن يمكن للنساء اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي أن يلجأن إلى المحاكم، ولكن هل ستكون العوامل الثقافية عائقا يمنعهن من ذلك؟

     من أكثر رجال العالم فسوقا نسائيا أصحاب السلطة والنفوذ، وللصين نصيبها العادل في هذا. قديما كان لدى الأباطرة آلاف من الجواري في كل ركن من قصورهم بحيث يشبعون نزواتهم في أي لحظة. الحقيقة أن المرأة لم يُعترف بمساواتها للرجل في هذا البلد إلا بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949. غير أن هذا كان أقرب إلى نص دستوري منه إلى ممارسة يومية. وفي مواقع العمل الصينية الحديثة، يواصل الرجال استخدام سلطتهم في استعباد النساء والسيطرة عليهن. ولكن أخيرا أصبح الملاذ القانوني متاحا. في أواخر شهر أغسطس العام الماضي أجازت السلطة التشريعية الصينية تعديلات على قانون حماية حقوق المرأة، ومنها " حظر التحرش الجنسي بالنساء" وتمكينهن من "تقديم شكاوى" إلى "الجهات المعنية". ولكن هل لدى المرأة الصينية الشجاعة لاستخدام قوتها الجديدة بعد أن بدأ تنفيذ القانون في أول ديسمبر عام 2005؟، ربما، حتى المرأة الصينية المتعلمة أفضل تعليم وصاحبة المهنة التخصصية، لا تستطيع.

     يحدث التحرش الجنسي بين ذوي الياقات البيضاء الصينيين بشكل رئيسي في القطاع الخاص. بينما يكون أقل كثيرا بين العاملين في القطاع العام، حيث الأخلاق- وأمان الوظيفة- أقوى. السكرتيرات ومندوبات المبيعات هن الأكثر عرضة للتحرش الجنسي، وخاصة الشابات العاملات الجدد اللاتي، حديثات التخرج في الجامعة الغير مزودات بطرق التعامل مع أكثر الطرق إيذاء في العالم. وقد كشف مسح أجرته مؤخرا الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، عن أن 40% من النساء العاملات في الشركات الخاصة والشركات الأجنبية التمويل تعرضن للتحرش الجنسي. ولكن تانغ تسان، وهو خبير في مجال التحرش الجنسي وباحث مساعد في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، يعتقد أن هذا التقدير أقل من الواقع، فالنساء "خشية من القيل والقال، أو أن يُنظر إليهن المجتمع على أنهن نساء ساقطات" يفضلن الصمت في مثل هذا الموقف.

     لماذا التزام الصمت؟ إلى الآن يُنظر إلى التحرش الجنسي على أنه مسألة تتعلق بالأخلاق وليس قضية قانونية. ويكون أمام المرأة التي تتعرض للتحرش الجنسي اختياران؛ أن تتعايش مع الوضع، أو أن تقاوم وتستقيل من عملها. في الصين، الدولة التي بها أكبر قوة عمل في العالم، ظهرت حالات تحرش جنسي معدودة في المحاكم، وإلى الآن نجحت المدعية في القليل منها. كانت أول قضية تحرش جنسي في الصين نظرتها المحاكم في مدينة شيآن في شهر يوليو عام 2001، ولكن القاضي رفضها لعدم كفاية الأدلة. يوجد أيضا مركز للاستشارات النفسية للنساء في بكين تطلب العديد من النساء المساعدة منه للتعامل مع التحرش الجنسي. تقول مؤسسة هذا المركز، وانغ شينغ جيون، من واقع خبرتها، "هناك ثقافة، في إطارها الضحية هي التي تُلام". فاللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي يواجهن سؤال: لماذا يحدث ذلك معك أنت وليس مع أخريات؟ أنت عابثة، أنت تغوين الرجال، إنها طريقتك في اللباس. منذ أن افتتح المركز خطا هاتفيا ساخنا عام 1992 تلقى العاملون المتطوعون به ما لا يحصى من المكالمات من نساء مكتئبات محبطات، ولكن غير قادرات على حمل شكواهن أبعد من ذلك. الغالبية العظمى من الشكاوى تكون ضد الرؤساء في العمل أو أصحاب الأعمال.

     ومن المتوقع أن تظل قضايا الإثبات مشكلة في الشهور والسنين الأولى لتنفيذ القانون. ليس ثمة تعريف لما يمكن أن يمثل تحرشا جنسيا، وثمة القليل من السوابق التي يمكن أن تساعد في هذا. ومازال الجدل حول هذا التعريف مستمرا وسوف يكتب في تفسير قانوني. ومن المحتمل أن يسجل هذا التعريف ما يلي: "السلوك الفاحش الذي يكون ضارا وقسريا ومثيرا جنسيا". يشمل ذلك، الملامسة والعناق والتقبيل، وفقا للبروفيسور وو تشانغ تشن، بالجامعة الصينية للعلوم السياسية والقانون. تقول البروفيسور وو تشانغ تشن، التي قادت فريق من الخبراء ساعد في صياغة مسودة تعديلات قانون المرأة وقانون الأسرة: "يمكن أن يشير ذلك إلى تعبيرات بالقول أو بالوجه تلمح إلى رغبة جنسية". غير أنها ستكون امرأة شجاعة تلك التي تقرر المخاطرة بوظيفتها وأسرتها وأصدقائها وسمعتها باللجوء إلى "الجهات المعنية" (وحدات العمل أو أقسام الشرطة)، بشكواها. بالنسبة إلى تانع تسان، التحرش الجنسي يحمل التشابهات المحزنة لأسوأ الجرائم ضد المرأة. فحسب قولها، "التحرش الجنسي موجود في كل العالم، حتى في الدول التي بها تشريعات جيدة. قد يكون أكثر شيوعا في الصين ولكن لا يتم الكشف عنه لعوامل ثقافية. كما أن الكشف عن حوادث الاغتصاب أمر قليل للغاية لأن المرأة والجنس مازالا موضوعين شديدي الحساسية في الصين". وقد يكون الاعتقاد القديم بهيمنة الرجل سدا منيعا أمام فيض القضايا المحتملة التي قد تظهر بعد بدء تنفيذ القانون في أول شهر ديسمبر العام الماضي.

      ولكن ماذا تستفيد الضحايا السابقات من القانون الجديد؟ لينغ لينغ (ليس اسمها الحقيقي)، كان عمرها 23 سنة عندما حصلت على وظيفة في وكالة ترسل الطلاب الصينيين إلى الخارج. الفتاة الجميلة ذات الكفاءة، ولكن الساذجة، شعرت بالشموخ عندما كان رئيسها يدلي بتعليق عادي يمتدح فيه قدراتها. وبسرعة اكتشفت أن رئيسها يخفي ترتيبا قذرا. تقول: "بدأ يأخذني إلى العشاء والغداء بشكل متكرر، وافقت في البداية لاعتقادي بأنه علي أن أرضي رئيسي، ثم بدأ يشتري لي هدايا ويقول لي إنه يحبني، وفي النهاية حاول تقبيلي في المكتب، قاومت واستقلت في ذلك اليوم". في الوقت الذي غادرت فيه لينغ لينغ لا حول لها ولا قوة، لامت نفسها على تصرفات رئيسها، بأنها كان عليها أن تعي ما يحدث وتستقيل قبل ذلك. تقول: "ولكن لم يكن لدي معرفة بهذا. لم يكن ثمة شخص ألجأ إليه لطلب المساعدة، وكان الأمر مربكا لدرجة لم أستطع معها أن أذكر هذا حتى لوالدي. أعتقد أنني فقط تمنيت أن يتوقف، ولكنه لم يفعل. أعتقد أن القانون الجديد سوف يساعد الفتيات على اتخاذ موقف تجاه الرجال من شاكلة رئيسي، وربما يجعل أصحاب العمل يفكرون مرتين قبل التجاوز في التصرف". تينغ تينغ (ليس اسمها الحقيقي)، شابة أخرى تعرضت للتحرش الجنسي، وكانت براءتها وسذاجتها هما السبب أيضا في وقوعها ضحية، ولكن لديها أملا في القانون الجديد: وتعتقد أنه سوف يساعد في تغيير التوجهات بمرور الوقت. تقول:" كنت في رحلة عمل مع عميل، شرب حتى سكر وحاول أن يجبر نفسه علي. كنت خائفة في ذلك الوقت ولكنني قاومت، ولم أفعل أي شيء آنذاك، حيث اعتقدت أنه لا اختيار أمامي. الآن، ومع وجود القانون وتغطيته إعلاميا بكثافة، الناس يتغيرون والمجتمع يتغير. وأنا واثقة أنني إذا تعرضت لهذا الموقف مرة أخرى سوف أستخدم القانون وأتأكد من عقاب المجرم. سوف أشجع النساء الأخريات على استخدام القوة التي لديهن وأن يضعن نهاية لتلك الجريمة المهينة". إذا أمكن أن تأخذ النساء الصينيات بنصيحة تينغ تينغ ويتجاوزن كل العوائق الثقافية من الصمت إلى الوقوع ضحايا، فمن المؤكد أن فرصة التغيير قد حانت.

     ريتشارد مولينز، خبير الطبعة الإنجليزية بمجلة "الصين اليوم"

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.