ã


ليس مجرد بنايات

فن العمارة في الصين قديما (2)

حسين إسماعيل

التأثير الديني في العمارة الصينية

القصر الصيفي ببكين

معبد السماء

مسجد عيد كاه

لم تكن الكونفوشيوسية هي المدرسة الفكرية الوحيدة التي أثرت في العمارة الصينية، فقد تأثرت فنون البناء في الصين القديمة بالعقائد الدينية، سواء التي نشأت في أرض الصين أو التي وفدت إليها. والأديان الثلاثة الرئيسية في الصين هي الطاوية، ذات الأصول الصينية؛ البوذية، القادمة إلى الصين من الهند،؛ والإسلام، القادم إلى الصين من بلاد العرب والفرس وآسيا الوسطى.

المدرسة الطاوية في الفكر تقوم على مفهوم الطاو، أي الطريق، وقد أسسها الفيلسوفان لاو تسي وتشوانغ تسي حول القرن الخامس قبل الميلاد. وقد تطورت الفلسفة الطاوية لاحقا إلى نظام عقيدة ديني. وكان السعي إلى الخلود في بؤرة اهتمام الطاوية في فترة التطور الأولي للحدائق الصينية. وتأسيسا على أسطورة الجبال الثلاثة المقدسة للبحر الشرقي في العقيدة الطاوية، صممت العديد من الحدائق لتشتمل على ثلاث جزر داخل هيكل من الماء. وكان هذا التصميم يُعرف بأنه "مياه واحدة وثلاثة جبال". وعلى سبيل المثال فإن القصر الصيفي في بكين مبني حول بحيرة كونغمينغ وجزرها الثلاث، وترتفع ثلاث مقصورات تمثل جزر مياه حديقة تشوتشن في سوتشو. هذه الحدائق والمتنزهات العامة كان المقصود منها ليس فقط أن توفر محيطات مادية جميلة وإنما أيضا أن توفر بيئة روحية للسعي إلى التنوير.

البوذية دخلت الصين خلال القرن الأول الميلادي. وبدأت تنتشر بسرعة بعد منتصف القرن الرابع، وفي القرن السابع باتت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الصينية. واليوم ثمة ثلاث مدارس رئيسية للبوذية في الصين، وهي البوذية الصينية، أي ماهايانا، البوذية التبتية، أي السرية، أو الخفية، والبوذية الجنوبية، أي بوذية تيرافادا. والكهوف البوذية، أي معابد الكهوف، كانت شكلا معماريا جديدا شاع في الصين مع دخول البوذية، ففي الفترة من القرن الثالث إلى القرن الخامس الميلادي، سببت الحروب المتواصلة والاضطرابات وتنقلات اللاجئين صعوبات كبيرة في الصين. هذا الفوران الاجتماعي أوجد الحافز لإقامة العديد من الكهوف والمعابد البوذية.

أما الإسلام فقد دخل الصين أواسط القرن السابع الميلادي، خلال بداية فترة أسرة تانغ. وصل أولا إلى العاصمة الصينية آنذاك، مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) والمنطقة الساحلية الجنوبية عبر طريق الحرير البحري. ودخل الإسلام غربي الصين من وسط وغربي آسيا خلال فترة أسرة يوان الإمبراطورية (1271م- 1368م)، عبر الطرق البرية.

ومن أبرز نماذج العمارة الإسلامية في الصين مسجد هواجيويشيانغ في شيآن، الذي أنشئ عام 742م، بعد مائة سنة تقريبا من دخول الإسلام إلى الصين. مسجد هواجيويشيانغ يمثل المساجد الموجودة في وسط الصين. وهو عبارة عن مجمع بنايات من أربعة أفنية، مصممة على الطراز المعماري الإمبراطوري. ولكن الرسوم في قاعة الصلاة تتسم بالنمط المميز للفن الديني الإسلامي. هذا المسجد يمثل الاندماج المتناغم والتعايش بين الثقافتين الصينية والإسلامية.

أما مسجد عيدكاه في شينجيانغ المبني بأسلوب عربي واضح فهو أكبر مساجد الصين، ونموذج لمعظم المساجد في شينجيانغ. في حين تشتمل معظم مساجد وسط الصين على سمات معمارية صينية.

الباغودات البوذية نمط آخر للعمارة الدينية التي شهدت تحولا كبيرا في الصين. كانت الباغودات علامات تذكارية تحتوي على آثار وأطلال بوذية وكانت أماكن للعبادة لأتباع الدين. بعد دخول البوذية إلى الصين، تحول شكلها لتعكس الاعتقاد الصيني بأن الأماكن المقدسة يجب أن تكون عالية وضخمة. وتدريجيا بدأت تشتمل على ملامح من المقصورات الصينية التقليدية المتعددة الطوابق، وهو ما أدى إلى ظهور الباغودات البوذية المتعددة الطوابق ذات الخصائص الصينية. كانت الباغودات تقام في الغالب على قمم الجبال بجوار المياه كرمز للبوذية. بمرور الزمن تضاءل تأثير البوذية وقل مغزاها الديني وتحول الاهتمام إلى قيمتها الشكلية. وصارت الباغودات، كونها زخرفة جميلة للمشهد الطبيعي، مكونا لا ينفصل عن مظاهر الطبيعة الصينية.

ونضيف هنا أن الثقافة الصينية الشعبية تضمنت عددا من أنظمة الاعتقاد غير الديني. وقد أدى اختلاط العديد من المعبودات الدينية والأرواح غير الدينية إلى ظهور الاعتقادات الدينية العملية الشعبية الخصائص. وقد تأثرت الاعتقادات الصينية الشعبية كثيرا بالفكر الكونفوشيوسي الهيراركي، أي الهرمي، وهو ما أدى إلى ظهور تبجيل "السماء، الأرض، الحكام والأسلاف والسادة(الأساتذة)". وتقوم المعتقدات الشعبية الصينية في جزء كبير منها على عبادة أوجه متعددة من الطبيعة، وخاصة السماء، الأرض، الشمس والقمر. ومعبد السماء في بكين مجمع بنايات مقدس، حيث كان الإمبراطور يقدم القرابين للسماء. حائطه الخارجي مستدير، رمزا للسماء، وحائطه الداخلي مربع، رمزا للأرض. وهذا يجسد المبدأ الكوني الصيني بأن السماء (العالم الطبيعي) مستديرة وأن الأرض (التجربة الإنسانية ومبادئ النظام) مربعة. كم كان تبجيل الأرض يتم التعبير عنه بتقديم القرابين للجبال والأنهار. وكان من بين مراكز العبادة الرئيسية معابد الجبال الخمسة العظيمة، ومن بينها جبل تايشان ومعابد الأنهار الأربعة العظيمة، ومنها النهر الأصفر ونهر اليانغتسي (تشانغجيانغ). بعد القرن العاشر الميلادي انتشرت في أرجاء البلاد معابد آلهة الأرض المحليين.

ونظرا لأن الصينيين القدماء اعتقدوا في عدم هلاك الروح، فقد كانوا غالبا يعبدون البشر المميزين بعد موتهم، فكان كونفوشيوس يُعبد على أنه السيد أو الأستاذ الروحي للمثقفين في الصين القديمة، وبجانب كل مدرسة كان يوجد معبد لكونفوشيوس. هذه المعابد الكونفوشيوسية التي كانت تُسمى أيضا معابد الثقافة، كانت مراكز روحية للعلماء الصينيين على مدى ألفي سنة. وكان لعامة الناس معابد مخصصة لكونفوشيوس تسمى معابد العلماء. كما قدس الصينيون القدماء قوان يوي، الذي عاش من عام 169 إلى عام 219م، وكان قائدا عسكريا عظيما في إمبراطورية هان الأخيرة. وبفضل بسالته وولائه قدسته الأجيال التالية كإله للحرب. وفي الصين القديمة كانت معابد قواندي المخصصة لقوان يوي أكثر انتشارا من معابد كونفوشيوس. ونتيجة لأمانة قوان يوي واستقامته وعدم شراهته كان يُعبد أيضا على أنه حارس التجارة.

واعتقد الصينيون القدماء، مثلهم مثل قدماء المصريين، بأن الروح خالدة وأن الإنسان يواصل، بعد الموت، الحياة بطريقة مشابهة للحياة على الأرض. وكان يُعتقد أن غرفة الدفن هي مكان "الحياة بعد الموت". هذا المفهوم أدى إلى ظهور الأضرحة الكبيرة المترفة. وكانت أضرحة الأباطرة، على نحو خاص، تشيد كأنها عوالم كاملة تحت الأرض، مليئة بمجموعات كثيرة وفاخرة من الأشياء لاستخدام المتوفى. ومقبرة تشين شي هوانغ، أول إمبراطور لأسرة تشين، الذي وحد الصين عام 221 ق م، أشهر مثال لذلك (ارجع إلى مقالة "ضريح مؤسس أسرة تشين الإمبراطورية" بهذا العدد). هذه المدينة الشاملة تحت الأرض تغطي مساحة25ر56 كم مربع. وقد تم حتى الآن اكتشاف جزء منها. وتلك الحفر التي تحتوي على الجيش الشهير من التماثيل الصلصالية للجنود والخيول تمثل ركنا صغيرا من المجمع الإنشائي الكامل.

وأخيرا لا يمكن أن نختتم الحديث عن فن العمارة في الصين دون الإشارة إلى أثر التنين في البنايات الصينية، فقد كان التنين طوطم قدماء الصينيين. والتنين الصيني هو مخلوق تخيلي له رأس حصان وعيون الجمبري، وعنق سلحفاة، وقرون أيل، وله كفوف نمر ومخالب نسر وذيل سمك الزينة الذهبي. والتنين يمثل اندماج طواطم ورموز القبائل الصينية القديمة المتعددة، بعد توحدها معا في شعب واحد هو الشعب الصيني المبكر. ومع دخول الصين فترتها الإقطاعية، بات التنين تدريجيا رمزا خاصا مقتصرا على الأسرة الإمبراطورية. وكان الإمبراطور يعتبر تجسيدا للتنين. ونتيجة لهذا كانت القصور الإمبراطورية مليئة بصور مزخرفة للتنانين، بحيث تشكل "عالما من التنانين" حقيقيا. وتظهر أشكال متنوعة من التنانين أيضا في العمارة الصينية. وفقا لواحدة من الأساطير، التي تقول "التنين الواحد يلد تسعة من الذرية، ولكن التسعة من الذرية لا يشكلون تنينا"، تُرسم المخلوقات الصغيرة الحجم على أبواب القصور، المباخر، وأطناف وحواف الأسقف، معبرة عن الأبناء التسعة لأسرة التنين!

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.