ã

أخصائي تغذية على مائدة الصينيين!

وو يان

مع تطور الحياة وتنوعها في الصين تظهر كل يوم مهن جديدة. ومن أبرز إحدى عشرة مهنة جديدة اعتمدتها مؤخرا وزارة العمل والضمان الاجتماعي الصينية، كونها الجهة المعنية بتصنيف المهن، أخصائي التغذية العامة. هذا يعني أن من يرغب العمل بهذه المهنة سيكون مطالبا باجتياز فحص مؤهلاته التخصصية، كما أن هذا مؤشر على أن "أخصائي التغذية" سيكون من مفردات الحياة اليومية للصينيين.

أعضاء وفد فرنسي يتذوقون أطباقا ذات أغذية متوازنة في مدينة نانجينغ

هل الصينيون في حاجة إلى خبراء تغذية؟

الحقيقة أن الصين عرفت مهنة "طبيب التغذية" منذ عام 1066 ق.م، ولكنه كان خاصا بالأباطرة وحدهم. ونتيجة لأسباب عديدة أصبح "أخصائي التغذية العامة" في السنوات الأخيرة مطلوبا بشكل متزايد في حياة عامة الشعب.

لقد أدت الطفرة الكبيرة في دخل الصينيين إلى وفرة الأطعمة وتنوعها ولكن، نتيجة للاهتمام بنكهة الطعام ومذاقه وإهمال التوازن الغذائي، زادت الإصابات بارتفاع ضغط الدم ومرض السكر والبدانة والأزمة الصدرية للأطفال وغيرها من الأمراض المزمنة ذات العلاقة بالأغذية وازداد عدد الشباب الذين يصابون بهذه الأمراض.

ولعل الأرقام التالية تعطي صورة أكثر وضوحا لواقع أكل الصينيين والأمراض ذات العلاقة بالطعام، فقد تجاوز حجم الأعمال في قطاع الأغذية 75 مليار دولار أمريكي عام 2003، ووصل الرقم في عام 2004 إلى 5ر87 مليار دولار أمريكي. وحتى عام 2002، بلغت نسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم 8ر18% من سكان الصين فوق 18 سنة، وتشير التقديرات إلى أن عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم زاد من حوالي تسعين مليونا عام 1991 إلى أكثر من 160 مليونا حاليا بزيادة قدرها 31%.

أكثر الأكلات تفضيلا عند الصينيين حاليا هي أطعمة قدر النار والوجبات السريعة الأجنبية، حيث يأتيان في المركزين الأول والثاني من حيث حجم البيع. وتشير البحوث إلى أن بدانة الكثير من الأطفال مرتبطة مباشرة بالإفراط في التهام الوجبات السريعة الأجنبية.

الزيادة في الإصابات بالأمراض المزمنة تؤدي إلى ارتفاع فاتورة العلاج الطبي للمواطنين، كما أنها تؤثر في القدرة على العمل والذكاء، وهذا من شأنه إعاقة النمو الاقتصادي. في عام 2003، انخفض إجمالي الناتج المحلي للصين 5ر0% خلال فترة الالتهاب الرئوي اللانمطي (سارس).

وتكشف المقارنة بين الصين والدول المتقدمة عن فجوة هائلة في عدد أخصائيي التغذية، ففي حين يوجد أخصائي تغذية لكل 300 فرد في الدول المتقدمة، يوجد في بلد المليار وثلاثمائة مليون أقل من ثلاثة آلاف أخصائي تغذية مسجل، وتفتقر بعض الجامعات والمدارس والمؤسسات الإنتاجية وغير الإنتاجية والمراكز الرياضية ورياض الأطفال والأحياء السكنية وغيرها إلى متخصصين في التغذية العامة، برغم حاجتها الملحة إلى تعميم المعارف الغذائية.

مستقبل مهنة البلاط في أسواق العامة

يزداد الوعي الصحي لدى الصينيين مع ارتفاع مستوى معيشتهم، وثمة فئات في المجتمع باتت تتطلع إلى الارتقاء بنوعية حياتهم، مثل المسئولين الحكوميين ورجال الأعمال ونجوم السينما والعلماء وذوي الياقات البيضاء. وهؤلاء وغيرهم أصبحوا يهتمون بالأمراض المزمنة الناجمة عن عدم التوازن الغذائي، ولهذا يسود الصين تيار تعديل التركيبة الاستهلاكية والإنفاق على الغذاء لتحقيق نوعية معيشة وحياة عالية، وذلك أمر يستلزم وجود مستشار تغذية. وبعد أن أقامت مدرسة شيجي ينغتساي الفنية المهنية ببكين تخصصا في التغذية العامة أتتها العديد من الهيئات لطلب الأخصائيين الغذائيين، ومعظمها مؤسسات وجامعات ومعاهد ومطاعم كبيرة، بل إن كثيرا من رجال الأعمال في غربي آسيا وجنوب شرقي آسيا يتعاقدون مع أخصائيي التغذية الصينيين الذين يتخرجون في المدرسة.

يترافق مع هذا خطوات تشريعية تواكب التحول الغذائي في الصين، حيث ستصدر قريبا "لوائح الغذاء الوطنية" التي ستُلزم المدارس ورياض الأطفال والأحياء السكنية والمطاعم، التي تتسع لأكثر من مائة فرد، بتعيين أخصائي تغذية عامة. هذا يعني أن الصين، وفقا للإحصاءات، ستكون بحاجة إلى أكثر من مليون أخصائي تغذية، وبكين فقط ستكون بحاجة إلى خمسين ألف إلى مائة ألف.

حول مستقبل هذه المهنة في الصين تقول السيدة يي في، مديرة مدرسة شيجي ينغتساي: "في السنوات الثلاث القادمة، سيشترك أكثر من ألف مدير مدرسة وخبير ومعلم متفرغ في تدريبات أخصائي التغذية العامة، وسوف تقام شبكة تدريب في أنحاء البلاد لتدريب الراغبين في ممارسة هذه المهنة، التي يُتوقع أن تصبح قطاع أعمال هاما."

في مطعم يانآن بشانغهاي، الزبائن يتعلمون المعارف الغذائية زبون يختار الأطعمة الغذائية في سوبر ماركت ببكين

ما تقوله السيدة يي في ليس فيه مبالغة، فمتوسط ما تدفعه الأسرة الواحدة سنويا لمستشار التغذية حوالي ألف دولار أمريكي، وتدفع المؤسسة الواحدة حوالي خمسة آلاف دولار أمريكي. فمستشار التغذية مهنة حرة ذات دخل مرتفع حيث يصل متوسط دخله السنوي إلى 5ر12 ألف دولار أمريكي.

ويقول خبير في الموارد البشرية إن مهنة أخصائي التغذية علم تراكمي، ويزداد الدخل مع مرور الزمن، ويرتبط مستوى الدخل بالقدرات الشخصية. ومن المتوقع أن تطلب كثير من المطاعم أخصائيي تغذية بعد صدور اللوائح المشار إليها، وهذا سوف يؤدي إلى زيادة رواتبهم بنسبة بين 15% و20%.

وتقترح مديرة مدرسة شيجي ينغتساي السيدة يي في تعليق لوحات توعية غذائية في المطاعم لإرشاد الزبائن، يوضح بها، مثلا، أن تناول اليقطين يقي من مرض السكر، وأكل لحم البقر يحافظ على الدفء في الشتاء، ونُصح الذين يشكون من برودة الأطراف باختيار الأطعمة المصنوعة من القمح، وكل هذا له علاقة وثيقة بأخصائي التغذية العامة."

يبلغ عدد الذين تخرجوا في دورات تدريب أخصائي التغذية العامة بالصين ألف فرد، وهم يعملون في كافة الأوساط، بعضهم في مراكز الاستشارات الغذائية وبعضهم في مراكز التخسيس وبعضهم يعملون مستشاري تغذية في المؤسسات.

أول أخصائي تغذية في الصين أنثى!

السيدة يي في، نائبة أمين عام الجمعية الصينية لبحوث الرعاية الطبية للمسنين تُعتبر أول أخصائي تغذية عامة في الصين. زارت يي في أكثر من عشرين مقاطعة في البلاد بحثا عن معارف علوم التغذية. تقول:"لم أكن أذهب إلى المتاجر في تلك السنوات، فقد أنفقت وقتي كله في المكتبات بأنحاء البلاد. في البداية، كنت أتناول لقيمات من الخبز فقط كل يوم، ثم أدركت أنني مهتمة بعلوم التغذية وينبغي أن أعتني بتوازن الغذاء، فأخذت أطبخ أطعمة متنوعة وأحملها معي إلى المكتبات كل يوم."

في الثلاثين من يونيو عام 2003، أسست السيدة يي في مدرسة شيجي ينغتساي الفنية المهنية ببكين. حينئذ ظهر وباء سارس في بكين، وخشي الناس من الخروج إلى الشوارع، ولكن يي في كانت تسعى هنا وهناك من أجل إقامة مدرستها. تقول: "أسست مدرستي في وقت تفشي سارس وهذا أمر لا يخلو من مغزى. كنت أثق بأن أخصائي التغذية سيكون مهنة اجتماعية بالتأكيد عاجلا أو آجلا، والآن، أصبح مهنة جديدة اعتمدتها الحكومة كما توقعت، وقد سعد العاملون والطلاب في المدرسة بهذا."

لم يكن عدد الطلاب في المدرسة بعد تأسيسها كبيرا، ولكن بعد سنة واحدة، ارتفع عدد الطلاب. كان من المقرر أن تقبل المدرسة الحاصلين على الشهادة الثانوية المتخصصة فما فوق فقط، ولكن، الآن، يحتل عدد الطلاب الحاصلين على مؤهلات جامعية ودرجة الماجستير من 30% إلى 40% من إجمالي طلاب المدرسة، هذا لم يكن في الحسبان، وأمر نادر في تاريخ التدريب المهني بالصين.

قاو جين الذي درس العلوم والهندسة، تخرج في دورة تدريب أخصائي التغذية العامة لمدرسة شيجي ينغتساي الفنية المهنية ببكين قبل فترة قليلة. يقول "أصيب أبي بمرض السكر بسبب البدانة قبل سنوات. رأيت أنه من الضروري تعديل تركيبة وتنسيق الأطعمة في بيتنا، فالتحقت بهذه الدورة باهتمام وشغف، تعلمت كثيرا وأدركت أن تنسيق الأطعمة في أسرتنا غير متوازن. الآن، أُرشد أهلي وأصدقائي في مجال الأغذية. وبالطبع علي أن أمارس هذا العمل باستمرار وأتدرب كثيرا.

ربط:أخصائي تغذية عامة
أخصائي التغذية العامة متخصص مهمته الإرشاد والتوجيه الغذائي ونشر معارف الأغذية وأمان الأطعمة والأعمال التي من شأنها الحفاظ على صحة الفرد. أعماله الرئيسية تشتمل على التقدير والعناية والإرشاد للحالة الغذائية لجسم الإنسان، التقدير والعناية والإرشاد الغذائي للأطعمة، التقدير الغذائي للأطعمة ووصفاتها التركيبية، تقديم المشورة والتعريف والتعليم حول المعارف الغذائية. ويتم توثيق مؤهلات أخصائي التغذية من جانب الهيئات الرسمية المعنية حسب المعايير التي حددتها الدولة، وهذا هو الفرق بينه وبين أخصائي التغذية العادي والطبيب الصحي. وحيث أن الحكومة الصينية ستلزم في عام 2010 كل متخصص بالحصول على شهادتين (المؤهل الدراسي وترخيص ممارسة المهنة)، وسوف تكون شهادة الأهلية الصحية التي تمنحها الجمعية الصينية للرعاية الصحية، هي الوثيقة الرسمية لممارسة المهنة لكل أخصائي تغذية، وسيكون بوسعهم المشاركة في المنافسات المهنية الدولية.




Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.