ã

ليس مجرد بنايات

فن العمارة في الصين قديما (1)

دع عنك ناطحات السحاب والبنايات الزجاجية، وتجول بين أزقة بكين القديمة أو ادلف إلى قصر الإمبراطور أو معبد السماء أو مسجد نيوجيه، وتنسم عبق التاريخ وأمتع بصرك بلوحات معمارية متناغمة متناسقة أخاذة، فهنا تدرك أن العمارة ليست مجرد بنايات وإنما فن وعلم وفلسفة وثقافة واقتصاد، ورؤية سياسية أيضا. وإذا كانت أهرامات مصر هي أبرز معالم هذه الدولة القديمة فإن السور العظيم هو سفير الصين الثقافي والمعرفي، والسياحي طبعا فذلك السور يمثل ما هو أكثر من مجرد تحصينات دفاعية، فهو رمز لشعب وأمة، وكذلك الحال في كل البنايات في الصين، قديما.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

من أروع ما أصدرت وزارة الثقافة الصينية من كتب مؤخرا، كتيب عن فن العمارة التقليدية في الصين. وسوف تلاحظ أن فن العمارة الصيني، وأقصد القديم، يوظف بكثافة البنايات ذات الأطر الخشبية، وهذا أهم ما يميزه عن فنون العمارة في الثقافات الأخرى وإن كان يقترب في هذا من فن العمارة الإسلامية. وقد كان لأفكار كونفوشيوس التأثير الأعظم في فن العمارة الصيني، ضمن تأثيرها الكبير في الثقافة الصينية، فقد نفذت القيم الكونفوشيوسية في نسيج حياة وتفكير وعادات الصينيين.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

الفكر الكونفوشيوسي وفن العمارة  

كان الفكر الكونفوشيوسي هو لب النظام الاجتماعي الهرمي في الصين الإقطاعية، ويبدو تأثير الفكر الكونفوشيوسي في عمارة الصينيين، من بيوت العامة إلى قصر الإمبراطور. فإنشاء بيوت العامة والتي تسمى سي خه يوان أي الدار المربعة يلتزم  بالمبادئ والقواعد الكونفوشيوسية في التعامل والعلاقات والتي تضع فروقا صارمة بين الداخل والخارج، السامي والوضيع، الذكر والأنثى. هذه القواعد عبارة عن منظومة مقننة من القواعد سيطرت على العلاقات البينية في المجتمع الصيني الإقطاعي وكان هدفها الأساسي هو الحفاظ على النظام الاجتماعي الهرمي في الصين الإقطاعية وصيانته، وكانت تلك البيوت تجسيدا للفكر الكونفوشيوسي. لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

في فن العمارة للصين القديمة، المركز هو الأسمى والجوانب هي الأدنى منزلة، والشمال يفوق الجنوب، والشمال يفوق اليمين والأمام يفوق الخلف. وفي البيوت المربعة، الجناح الشمالي هو المرغوب أكثر، لأنه يواجه الجنوب ويتلقى معظم أشعة الشمس. الغرفة الوسطى في الجناح الشمالي، كونها الموقع الأعلى قيمة، تكون قاعة الاستقبال أو قاعة الأسلاف. والغرف الشرقية بالجناح الشمالي هي مسكن الأجداد والجدات، والغرف الغربية يسكنها عميد العائلة. الجناحان الشرقي والغربي هما مساكن الجيل الأصغر. كان الابن الأكبر وأسرته يسكنون بالجناح الشرقي، والأبناء الأصغر وأسرهم يسكنون في الجناح الغربي. وكانت غرف الضيوف والدراسة والمطابخ والمخازن تقع في الجناح الجنوبي. وكان المدخل الرئيسي والغرف العامة في الجناح الجنوبي تُفصل عن الفناء الداخلي بجدار له بوابة مزخرفة، تعزل الغرف الداخلية عن النظر من الخارج. لم يكن مسموحا للنساء بمغادرة الفناء الداخلي، ولم يكن يسمح للضيوف بالدخول إليه. وكانت الدور المربعة الأكبر تشتمل على أفنية فرعية وبنايات تستخدم لسكن غير المتزوجين من الأبناء والبنات، أو لأغراض متعددة. وتكون نوافذ الغرف مفتوحة كلها على الفناء الداخلي. وكان يحجب بين البوابة الرئيسية والأبواب الداخلية حوائط حاجزة لمنع الرؤية من الخارج. كانت الحياة داخل الفناء عالما يؤكد على الاختلاف في المكانة بين الأجيال القديمة والأجيال الجديدة وبين الرجال والنساء. هذه البيوت كانت تجسد التنظيم الأبوي الهرمي للمجتمع الإقطاعي الصيني، وبخاصة التفرقة بين الأعلى والأدنى، وبين الداخل والخارج، الذكر والأنثى وبين السادة والخدم.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

وتعد المدينة المحرمة في العاصمة بكين، هي الأخرى، تجسيدا معماريا للفكر الكونفوشيوسي. فهذا المجمع الإمبراطوري الهائل يبرز بوضوح تأكيد كونفوشيوس على التقسيم الصارم للمكانة وموقع الفرد داخل منظومة التسلسل الهرمي. لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

كانت المدينة المحرمة مقر الإقامة الإمبراطوري ومقر الحكومة لأربع وعشرين إمبراطورا في فترتي أسرة مينغ وأسرة تشينغ من عام 1368 حتى عام 1911م. يشتمل هذا التجمع المعماري الهائل على قاعات تشريفات، مكاتب حكومية ومساكن للخدم والعاملين، وكذلك قصور وأفنية للمعيشة والعبادة والدراسة والتسلية لأفراد الأسرة الإمبراطورية. تغطي المدينة المحرمة مساحة 720 ألف متر مربع، وكانت تشتمل على 9999,5 غرفة. وقد عمل في إنشائها 300 ألف فرد لمدة 14 عاما.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

تجسد المدينة المحرمة الفرق بين الحاكم والمسئول الكبير والصغير، وبين الزوج والزوجة، وبين الزوجة الأساسية والمحظية. كانت المنطقة التي كان يعالج فيها الإمبراطور الشئون الرسمية تقع  أمام مجمع المدينة المحرمة. وكانت المناسبات الاحتفالية ومقابلة المسئولين المدنيين والعسكريين تقام في القاعات الكبيرة الثلاث. كانت هذه القاعات مشيدة على منصة مرتفعة تمتد من الجنوب إلى الشمال، على طول المحور المركزي للمدينة المحرمة. أهمية هذا البناء، وكذلك موقعه المركزي كانت تعبيرا عن الاحترام للسلطة الإمبراطورية.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

خلف القاعات الرئيسية الثلاث كانت مقار الإقامة الإمبراطورية للإمبراطور والإمبراطورية، وعدد كبير من الأفنية الإضافية. هذا التصميم كان تعبيرا عن المفهوم الكونفوشيوسي القائل: "العام في الأمام، والخاص في الخلف". وحيث أن تعدد الزوجات كان موجودا في الصين القديمة، حيث توجد زوجة أساسية والعديد من المحظيات في الأسرة الواحدة. كانت الإمبراطورة فقط، كونها الزوجة القانونية للإمبراطور، لها مسكن على المحور المركزي للمدينة المحرمة. وكانت مساكن المحظيات الإمبراطوريات تقع في اثني عشر فناء شرق وغرب الخط المركزي. كان هذا الترتيب تمثيلا حيا للمكانة العليا للزوجة الأساسية في علاقتها مع المحظيات.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

لقد أدى النظام الاجتماعي الهرمي في الصين إلى وجود نظام صارم للغاية للوائح والنظم المعمارية. كانت جميع الإنشاءات تخضع لمبادئ وقواعد البناء التي تضع فروقا واضحة للمكانة والوضع. هذه المبادئ والقواعد سيطرت على كافة أوجه التصميم والإنشاء، وكان يتم تنفيذها بقوة القانون. في القرن السابع الميلادي وُضع نظام شامل لمبادئ وقواعد البناء. هذه المبادئ والقواعد، أي كود البناء، حددت الإنشاء المسموح به لكل مستوى في المجتمع، من الأسرة الإمبراطورية إلى النبلاء، المسئولين، وعامة الشعب. وقد شملت نظمه كل أوجه البناء ، شاملة الأبعاد، شكل الأرضية والسقف والزخارف. وكان انتهاك كود البناء جريمة عقوبتها الإعدام في بعض الحالات. وأصبح فن العمارة أحد أهم رموز المجتمع الصيني الإقطاعي القائم على الطبقات.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

وإذا زرت الصين ستلاحظ أمام مداخل المطاعم والفنادق تماثيل حجرية للأسود، ترحب بالزبائن. في الماضي كان مسموحا فقط للمسئولين من الدرجة الخامسة وأعلى أن يضعوا تماثيل أسود حجرية ضخمة خارج بوابات بيوتهم، وكان عدد الصفوف في شعر رأس تمثال الأسد يعطى إشارة لمكانة قاطن البيت. كان أسد الإمبراطور به 13 صفا، وأسد الأمراء به 12 صفا، وأسد المسؤولين يكون به أقل من هذا العدد.لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

وترى في البنايات الصينية القديمة أشكالا خزفية لمخلوقات أسطورية توضع على الأطناف. هذه الأشكال كانت وظيفتها الأصلية حماية رؤوس المسامير التي تحت بلاط السقف وكانت تستخدم كزخرفة تشير إلى مكانة شاغل المكان. خلال فترة أسرة تشينغ (1644- 1911م)، وضعت قواعد تربط نوع وعدد الأشكال بوظيفة البناية. وقد كانت قاعة الانسجام التام فقط، التي يمارس فيها الإمبراطور شعائر تقديم القرابين، هي الوحيدة التي بها الأنواع العشرة من المخلوقات، وكذلك أشكال الخالدين. وكان في البنايات الأخرى عدد أقل من هذا الرقم. لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

لقد أثبت فكر كونفوشيوس وقواعد التعامل الكونفوشيوسية أنها وسيلة فعالة في الحفاظ على النظام والاستقرار في المجتمع الصيني الإقطاعي. فالكونفوشيوسية، كونها النظام الفكري المعترف به رسميا للدولة الصينية القديمة والذي جمع بين السياسة والفلسفة والأخلاق، وصلت تدريجيا إلى مكانة العقيدة، وبات مؤسسها، كونفوشيوس يُعبد كإله. وقد أدى تبجيل الصينيين لكونفوشيوس إلى تأليهه تدريجيا. وكان من بين ألقابه العديدة سيد نشر الثقافة، المنجز العظيم، الحكيم المطلق، المعلم الأول، والحكيم. لمطلق، المعلم الأول، والحكيم.

 

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

ذ

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.