أطلال تشوكوديان – موطن "إنسان بكين"

يوجد في العاصمة الصينية بكين خمسة من مواقع التراث الثقافي العالمي، وهي تحديدا، سور الصين العظيم والقصر الإمبراطوري والقصر الصيفي ومعبد السماء وأطلال تشوكوديان. وإن كانت المواقع الأربعة الأولى تكون غالبا مقصدا للأجانب الزائرين لبكين، فإن أحدا منهم لا يزور أطلال تشوكوديان، التي لا يذهب إليها إلا القليل من مواطني بكين.ملية نشوء وارتقاء البشر أ

تقع "أطلال إنسان بكين" على جبل لونغقو، إلى الغرب من قرية تشوكوديان في حي فانغشان على بعد ثمانية وأربعين كيلومترا عن وسط بكين. يقع بجوار تشوكوديان كثير من الكهوف الكبيرة والصغيرة، وثمة كهف بالجبل طوله حوالي مائة وأربعين مترا من الشرق إلى الغرب، يسمى "كهف الإنسان القرد". وقد اكتشفت أول جمجمة متحجرة لإنسان بكين في هذا الكهف عام 1929، فكان أول موقع أثري يُكتشف في تشوكوديان.ملية نشوء وارتقاء البشر أ

منطقة أطلال تشوكوديان تعد من الآثار هامة لثقافة العصر الحجري القديم بشمال الصين. وأشهر مواقعها هو أول مكان اكتشف بها – موقع أطلال إنسان بكين، الذي اكتشفه العالم السويدي أندرسون عام 1921. وفي عام 1929 اكتشف العالم الأثري الصيني بي ون تشونغ أول جمجمة كاملة لإنسان بكين، وكان ذلك خبرا هزّ العالم.ملية نشوء وارتقاء البشر أ

استغرقت أعمال حفر أطلال تشوكوديان أكثر من ثمانين عاما، ولا تزال أعمال البحوث مستمرّة حتى الآن. تم الحفر إلى عمق أكثر من أربعين مترا في المكان الأول، ولكن ذلك لم يبلغ نصف العمق الأصلي للكهف. واكتشفت كمية كبيرة من أحافير الإنسان القرد والأدوات الحجرية وأحافير الثدييات وآثار لاستخدام النار، وهي مكتشفات لا مثيل لها في الأطلال الأخرى التي تعود إلى نفس العصر.عملية نشوء وارتقايضا.

اكتشاف آثار لاستخدام النار في المكان الأول بتشوكوديان أكد أن البشر استخدموا النار قبل مئات آلاف السنين. ووجد في الأطلال خمس طبقات من الرماد وثلاث أكوام متبقية من الأتربة وكثير من العظام المحروقة، هذا دليل على أن إنسان بكين لم يعرف استخدام النار فحسب، بل استطاع الحفاظ على الشرر أيضا.عملية نشوء وارتقاء البشر أيضا.

كما اكتشفت في الأطلال عشرات الآلاف من الأدوات الحجرية التي صنعت من مواد خام جلبت من الأماكن المجاورة. ومعظم هذه الأدوات الحجرية صغيرة الحجم، ومتعددة الأنواع. كانت الأدوات الحجرية في المرحلة الأولى كبيرة وخشنة نسبيا، ومعظمها أدوات للقطع والكسر وأصبح حجمها أصغر في المرحلة الوسطى، وشهدت السكاكين الحادّة تطورا سريعا. أما الأدوات الحجرية في المرحلة الأخيرة فأصبحت رقيقة، وكان المخرز الحجري هو الأداة الحجرية المميزة في تلك الفترة. عملية نشوء وارتقاء البشر أيضا.

وأثبتت الأحافير أن إنسان بكين القديم عاش في منطقة تشوكوديان قبل ما يتراوح بين سبعمائة ألف ومائتي ألف عام، وعاش على الجمع والقنص. وكانت مرحلته الأولى في الفترة ما قبل سبعمائة ألف وأربعمائة ألف سنة، والوسطى ترجع إلى ما قبل أربعمائة ألف وثلاثمائة ألف سنة، أما الأخيرة فكانت في الفترة ما قبل ثلاثمائة ألف ومائتي ألف سنة. وكان إنسان بكين هو الإنسان البدائي الانتقالي من القرد القديم إلى الإنسان العاقل، وكان لهذا الاكتشاف قيمة هامة لعلوم الأحياء والتاريخ ونشوء وارتقاء البشر.عملية نشوء وارتقاء البشر أيضا.

إن اكتشاف إنسان بكين القديم ودراسة ثقافته أنهى جدلا واسعا في أوساط العلماء استمرّ قرابة نصف قرن حول انتماء الإنسان الواقف إلى القرد أو الإنسان، وقد أثبتت الحقائق أنه في فجر تاريخ البشر كانت هناك مرحلة  "الإنسان الواقف" حقا من حيث الشكل والمظهر وطبيعة الثقافة والتنظيم الاجتماعي، وانحدر الإنسان الواقف من سلالة "القرد الجنوبي" وأسلاف "الإنسان العاقل" الذي ظهر في وقت لاحق. وكان الإنسان الواقف قد ظهر في المرحلة الانتقالية لتطور القرد إلى إنسان. وحتى الآن لا يزال الشكل النموذجي للإنسان الواقف يعتمد على هيئة إنسان بكين القديم بتشوكوديان، وتظل أطلال تشكوديان الأوفر مضمونا والأكثر انتظاما والأكبر قيمة من بين أطلال الإنسان القديم في نفس العصر بالعالم. وحسب معايير اختيار التراث الثقافي العالمي تم إدراج أطلال تشكوديان – موطن إنسان بكين القديم في قائمة التراث العالمي لليونسكو في ديسمبر عام 1987. وأوضحت لجنة التراث العالمي أن أعمال البحوث العلمية حول أطلال تشكوديان – موطن إنسان بكين لا تزال مستمرة. وحتى الآن اكتشف العلماء أن القرد الصيني كان مرحلة من تطور إنسان بكين القديم. وإن أطلال تشوكوديان لم تكن دليلا تاريخيا نادرا على مراحل تطور المجتمع البشري في البرّ الآسيوي في التاريخ السحيق فحسب، بل قد توضح عملية نشوء وارتقاء البشر أيضا.عملية نشوء وارتقاء البشر أيضا.