محتويات العدد 8 أغسطس (آب)  2005‏
م

المنطقة العربية والتفاعل بين السياسة والاقتصاد في مجال النفط:  نظرة مستقبلية

د. محمد نعمان جلال

 

القوات المصرية تعبر قناة السويس في سابع من أكتوبر 1973

يعد النفط من أهم الاكتشافات المعاصرة التي تبوأت مقعد الصدارة في مجال الطاقة وارتبط به التقدم الصناعي والتكنولوجي المعاصر.  وتزداد أهميته وخطورته مع عدم وجود بدائل حقيقية تستطيع أن تضطلع بالدور الذي يقوم به وبنفس تكلفته.لتعامل معها من من

ولاشك أن دراسة التفاعل بين السياسة والاقتصاد في مجال النفط تعد بالغة الأهمية والدلالة، من حيث الأهمية فدور النفط في الاقتصاد العالمي لا مجال لإنكاره، أما من حيث الدلالة فيكفي الإشارة إلى أن كثيراً من الحروب الحديثة دارت حول الموارد الطبيعية والتي يعد النفط أهمها.لتعامل معها من من

وقد أحدثت حرب أكتوبر نقلة نوعية في تفاعل السياسة والاقتصاد بالنسبة لقضية النفط، إذ برز لأول مرة على الساحة الدولية ثقل الدول العربية السياسي والاقتصادي وقدرتها على التأثير في مجريات السياسة العالمية، والاقتصاد الدولي، حتى أنه أصبح يتردد في الأدبيات السياسية، أن الدول العربية أصبحت هي القوة السادسة على الساحة الدولية أي بعد الدول الخمس دائمة العنصرية في مجلس الأمن.

ومن ثم عملت الدول المتقدمة لرسم استراتيجية جديدة للتعامل مع الدول النفطية لحماية مصالحها والحد من تأثير التكتل الدولي للدول النفطية بل وتطويعه بما لا يتعارض مع مصالحها  فسعت لاستيعاب اثر ارتفاع الأسعار ثم للحيلولة دون استخدامه كسلاح مرة ثانية.لتعامل معها من من

بالنسبة لاستيعاب أثر سلاح النفط وجدت الدول الصناعية الغربية أن موقف العرب بالنسبة لاستخدام سلاح النفط هو موقف رباعي الأبعاد:لتعامل معها من من

النفط له دور كبير في حياة المواطنين

 

الأول: البعد السياسي المتصل بقضية شعب فلسطين وهو أكثرها حساسية واتصالاً  بالمشاعر العربية. لتعامل معها من من

الثاني: البعد الأمني للنظم السياسية المحافظة والتي يتواجد على أراضيها النفط.لتعامل معها من من

الثالث: البعد التنموي للدول العربية صاحبة النفط. لتعامل معها من من

الرابع: أهمية تدوير رأس المال النفطي لكي يتم استثماره في إطار دولي وبخاصة في الدول المتقدمة.لتعامل معها من من

 واستخدمت في التعامل معها أسلوب العصا والجزرة فقدمت لها بعض التنازلات من ناحية وفي نفس الوقت قدمت تهديدات باحتلال آبار النفط إذا تعرضت مصالحها للخطر.لتعامل معها من من

أما عن استراتيجية الدول المتقدمة البديلة في مواجهة الدول المنتجة للنفط، فقد قادت الولايات المتحدة تحرك الدول المستهلكة ا لبلورة استراتيجية واضحة لمواجهة تحرك الدول المنتجة للنفط، حيث سعت لاستخدام العصا والجزرة في مواجهة الدول المنتجة للنفط وتطوير ما أطلق عليه الطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية والطاقة النووية وطاقة الرياح، وترشيد الاستهلاك للطاقة البترولية من خلال آليات مختلفة وزيادة الاستيراد من الدول النفطية والاحتفاظ بمخزون واحتياطي، ثم استخراج النفط من مصادر بديلة مثل الرمال كما فعلت كندا بوجه خاص والنباتات كما في الولايات المتحدة واليابان فيما يعرف باسم مزارع النفط.لتعامل معها من من

ويمكن القول إن أسباب وراء ارتفاع الأسعار متعددة فمنها عوامل اقتصادية تتعلق بالعرض والطلب، وعوامل سياسية وأمنية، وعوامل تجارية وعوامل نفسية، وبصفة عامة يمكننا أن  نذكر منها، الزيادة الكبيرة في استهلاك الصين ثم الهند من الطاقة نتيجة عملية النمو الصناعي السريع في هاتين الدولتين، استمرار تناقص الاحتياطي النفطي في الولايات المتحدة التي تستهلك ربع استهلاك العالم، استمرار تناقص إنتاج واحتياطي الدول الأخرى مثل بريطانيا وإلى حد ما النرويج وإندونيسيا، القلاقل والاضطرابات السياسية التي وقعت في العديد من الدول وبخاصة فنزويلا ونيجيريا، الصراع السياسي والاقتصادي في روسيا بين الحكومة وشركة ايكوس والذي ترتب عليه بيع بعض الشركات التابعة لايكوس لشركة روسية حكومية وسجن رئيس شركة ايكوس،  لجوء بعض الدول المتقدمة لبناء مخزون استراتيجي كبير مثل الولايات المتحدة والصين، الاضطرابات والحروب في الشرق الأوسط وبخاصة غزو العراق، أعمال المضاربة من قبل بعض الشركات النفطية. لتعامل معها من من

وكان الرئيس بوش قد شكل من أثر توليه السلطة مجموعة عمل لصياغة استراتيجية جديدة للطاقة برئاسة ديك تشيني الذي كان يرأس قبل توليه منصب نائب الرئيس، شركة هاليبرتون أكبر شركات الخدمات البترولية في العالم، الهدف من هذه الاستراتيجية هو تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية.لتعامل معها من من

ولاشك أن التفاعل بين السياسة والاقتصاد بالنسبة للنفط بالغ الأهمية ونورد مبدئياً ثلاث قضايا في هذا الصدد:لتعامل معها من من

الأولى:  النفط والتنمية في الخليج: لتعامل معها من من

وقد اختلف الباحثون العرب في شأن دور النفط في التقدم الاقتصادي العربي فذهب البعض إلى أن النفط يلعب دوراً معوقاً للتنمية، وبروز الاقتصاد الريعي، أوضح السيد احمد الربعي الكاتب الكويتي هذا الأثر في مقال له بجريدة الشرق الأوسط يوم 3/4/2005.لتعامل معها من من

 ولكن من الملاحظ انه منذ أواخر القرن العشرين تتجه الدول النفطية الخليجية لتدارك هذا الموقف بتنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق وتدريب الكوادر الفنية الخليجية.لتعامل معها من من

 ومن ناحية أخرى نجد أن  سلوك بعض أفراد من دول النفط  أدى لتشويه الطابع الوطني لبلادهم وهذا ما دفع بعض الباحثين العرب أمثال د. محمد الرميحي للرد على عملية التشويه هذه بقوله "الخليج ليس نفطاً".محاولا إبراز التقدم والتراث الثقافي للمنطقة وكذلك أهميتها الاستراتيجية .لتعامل معها من من

 وباحث آخر مثل الدكتور محمد جابر الأنصاري قام أيضا بالرد وتصحيح هذه الصورة المشوهة في أحد مؤلفاته (تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها) وتقديم مقارنة بين سلوك دول الخليج النفطية في تعمير أوطانها وتعزيز البنية الأساسية وتقديم مساعدات للدول النامية، وسلوك دول عربية أخرى في تبديد ثرواتها ومواردها وعقد مقارنة ذكية بين سلوك أغنياء أسبانيا وبريطانيا في عصر النهضة الأوربية.  فالأولى قام أغنياؤها بتحويل الثروة إلى سبائك ذهب للزينة وفي صنع حدوات ذهبية لحوافر أحصنتهم والثانية (بريطانيا) لم تكن تملك ذهباً وإنما فحماً استخدمته في الطاقة اللازمة للصناعة فأصبحت سيدة البحار في القرن السابع عشر بينما تراجع دور أسبانيا.  لتعامل معها من من

الثانية:  النفط والاستقلال الوطني:لتعامل معها من من

لقد تحدث البعض عما أسموه "لعنة النفط" في الدول النفطية إذ أصبحت تلك الدول مطمحاً للقوى الساعية للهيمنة، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك في الحروب المرتبطة بمنطقة الخليج، كذلك الحرب في السودان سواء في الجنوب أو في دارفور، والحرب الأهلية في اليمن عام 1992، بعد توحيدها بفترة قصيرة، وسعي الولايات المتحدة للسيطرة على دول آسيا الوسطى.لتعامل معها من من

الثالثة: الولايات المتحدة وإمكانية الاستغناء عن النفط العربي:لتعامل معها من من

طرح بعض السياسيين الأمريكيين في الحملة الانتخابية للرئاسة وخاصة جون كيري مقولة ضرورة ألا تكون الولايات المتحدة رهينة للنفط العربي ومن ثم ينبغي انتهاج سياسة تؤدي إلى الاعتماد على النفس في مجال الطاقة.  والسؤال هل هذا أمرً ممكناً؟  والإجابة السريعة على ذلك أن هذا أمر غير ممكن فمازالت التكنولوجيات الحديثة المتقدمة لم تستطع أن تتوصل لبديل حقيقي يؤدي للاستغناء عن النفط.  كما أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على كميات هائلة من الاحتياطي، والمملكة العربية السعودية وحدها تمتلك 25% من احتياطي النفط العالمي والعراق تمتلك 11% ويتوقع أن ترتفع نسبة الاحتياطي لديها مع تطوير صناعة النفط وتحديثها.لتعامل معها من من

والآن يمكننا أن نتساءل عما هي محصلة عملية التفاعل على النحو الذي عرضنا له آنفا؟  لتعامل معها من من

إن هذه المحصلة تتمثل في النتائج التالية:لتعامل معها من من

الأولى:  التواجد المكثف للولايات المتحدة في الخليج وأيضاً تزايد الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى من خلال صورة تجمع بين الاستعمار القديم والاستعمار الحديث (قواعد عسكرية - سيطرة على النظم المحافظة - بعث الأصولية الإسلامية ومضاداتها - استخدام الفكر الحديث في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان لإحداث مزيد من القلاقل والانقسام والتوتر الداخلي في كل دولة، ومن ثم تعزيز قابلية بعض نظمها السياسية للخضوع والتبعية، يكفي هنا الإشارة للحالة العراقية حيث تطالب كل جماعة عرقية بحكم ذاتي الأكراد، الأشورويون وغيرهم).  ويترتب على ذلك أحداث تمزيق في الدولة الواحدة وإعادة رسم خريطة المنطقة برمتها بما يخدم مصالح الولايات المتحدة.لتعامل معها من من

الثانية:  محاصرة القوى الصاعدة على المستوى العالمي وبخاصة الصين التي تعتمد بصورة متزايدة على استيراد الطاقةلتعامل معها من من

الثالثة: السعي لبناء المرحلة الجديدة للإمبراطورية الأمريكية العالمية بمفاهيم قديمة، وإن كانت في صياغات حديثة، بالسيطرة على مصادر الطاقة، إعادة صياغة قيم وثقافات مراكز الحضارات القديمة، السيطرة على المضايق والمعابر الدولية، وعلى أعالي البحار، حجب التكنولوجيا الحديثة والمتطورة عن الدول النامية، خلق توترات إقليمية مستمرة لاستنزاف ثروات الدول النامية الصاعدة وهكذا.  لتعامل معها من من

وفي هذه المرحلة من البحث يمكننا أن نغامر بطرح بعض التصورات، أو قل بعض الأفكار ذات الطبيعة الاسترشادية العامة:لتعامل معها من من

ضرورة إدراك الدول النفطية أنه من الناحية الاقتصادية والسياسية لا ينبغي وضع كل مواردها في جهة واحدة، أعمالاً لمبدأ عدم "وضع البيض كله في سلة واحدة" وهو المبدأ المعبر عنه في المجال النقدي "بسلة العملات" أو في مجال الاستثمار بتنويع "حافظة الاستثمار" مما يسمح بمواجهة التقلبات الاقتصادية، والحد من آثارها الضارة.  وهذا يعني:لتعامل معها من من

-      تنويع الاتجاه الجغرافي للاستثمارات لفائض الدول النفطية وذلك من خلال الاتجاه لدول نامية أو صناعية حديثة مثل الصين والهند وباكستان ودول عربية نامية لديها مجالات للاستثمار. لتعامل معها من من

-      تنويع الشركات العاملة في صناعة النفط من حيث الاستكشاف والتكرير والتسويق والنقل (السياسة السعودية في مجال النفط تسمح للشركات الأجنبية بالاستثمار فقط في التكرير وليس في التنقيب).لتعامل معها من من

-              بناء كوادر جديدة تؤمن بالتنوع في الفكر العالمي، وأن العالم ليس هو الغرب فقط بل هنا الشرق أيضاً.لتعامل معها من من

-      تنويع مصادر الحصول على السلاح لتحقيق الأمن وبناء كوادر أمنية وطنية ومن ثم يمكن ترشيد استيراد السلاح وتخفيض الإنفاق على التسلح.لتعامل معها من من

-      تطوير العلوم والتكنولوجيا في مراكز الأبحاث والحصول على التكنولوجيا من الدول المتعاونة، وخاصة في مجال النفط، حتى لا تظل صناعة النفط صناعة أجنبية على أرض وطنية.لتعامل معها من من

-      تطوير النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول النفطية. لتعامل معها من من

الثاني:  ضرورة إدراك الدول النفطية والدول العربية بوجه عام، أن أمامها تحدياً رئيساً هو التحدي الاقتصادي، ففي عصر التكتلات والتجمعات الاقتصادية لا يمكن التفكير بمنطق جزئي محلي أو حتى إقليمي فرعي، بل من الضروري أن يكون التفكير على أساس منظور إقليمي شامل كحد أدنى لبناء كوادر ثقافية وتكنولوجية ولتحقيق تناسق في السياسات الاقتصادية والصناعية والعلمية والسكانية.لتعامل معها من من

الخلاصة أننا مقبلون على مرحلة من السيولة في العلاقات الدولية أو التنافس والتصارع السلمي اقتصاديا وتكنولوجيا، وهو ما يقتضي فهم أبعاده، والعمل للحفاظ على قدر المصداقية للسيادة الوطنية التي تتآكل في عالم متغير وسريع الإيقاع رغم أنه لم تتضح معالمه بعد. لتعامل معها من من

كل هذه التطورات المتوقعة والمحتملة تقتضي إعداد العدة للتعامل معها من منظور استراتيجي جديد، وبمنهج جديد، للحيلولة دون تحقق المقولات المتشائمة عن مستقبل المنطقة العربية ودورها على الساحة الدولية.لتعامل معها من من

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.