محتويات العدد 8 أغسطس (آب)  2005‏
م

الأدب الصيني في مفترق الطرق

ربيع مفتاح       

الإبداع الأدبي يتجاوز كل العصور والحدود القومية والجغرافية، إنه يوقظ ، يدفئ، يدفع الإنسان دوما إلي أهداف جديدة، ومن الضروري أن يحمل الأدب طابعه القومي، ولكن ذلك لا يمنعه من أن يكون ذا تأثير واسع النطاق.قه للإسهام في مسيرة ا

أشعر أن الأدب الصيني قد خرج من عزلته الذاتية وبدأ يشق طريقــه ويأخــذ دوره الرئيسي في مسيرة الأدب العــالميقه للإسهام في مسيرة ا

يرجـــع تاريـــخ الأدب الصيني إلي ثــلاثة آلاف عــام، وبذلك يعد من أقدم الآداب العالمية غير أنه لم يندمج تمـــاما في ســياق الحركـة الأدبيـة العالميـة، وذلك بسبب حاجز اللغة والعزلة التاريخيـة. لقد حدثت تغيرات عديدة في الأدب العالمي، وكــان للأدب الصيني الكلاسيكي أعظم الأثر على آداب البلاد المجاورة. وفي نفس الوقت كــان يــأخذ منها ويتغـــذى علي رحيقها. فقد لعب الأدب الهندي مثلا- خاصة فيما يتعلق بعلم الأصوات-  دورا هاما في ذلك، فقد ساهم اكتشاف النموذج النغمي الذي تم استلهامه من خلال اللغـــة السنسكريتيـــة في إثراء الأشكــال الإيقاعية للشعر الصيني الكلاسيكي وإعطائه شكلا أكثر ترابطــا وتنظيمـا. كذلك كان للأدب البوذي الهندي أثر مباشر في تطوير الأدب الشعبي ذي الخيال الجامح في الصين.قه للإسهام في مسيرة ا

أما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عندما ازدهر الأدب العالمي كانت الصين- رغم تاريخها الطويل المشرف، ورغم وجود عدد لا بأس به من الشعراء البارزين- تشهد حقبة من الركود الأدبي. وقد أدرك الأدباء الصينيون آنذاك مدى شيوع روح التخلف والعزلة، ومن ثم شعروا بالحاجة إلي التفاعــل مع الآداب العالمية من أجــل أبداع أدب جديد. واتضحت لهم حقيقة هامة مؤداها "أن تتعلم فذلك معناه أن تشــارك". ومع بدايـــة القـــرن أصبحت قيود الأدب التقليدي الصيني لا تطاق فحدثت تطورات كبيرة في جميع الأجناس الأدبية بالنظر إلى تأزم الحيـاة الاجتماعية والنفسية مما استدعى وجود أفكار جديدة، ومن ثم ضـــرورة توفــير وسط أفضل كرد فعل علي الأجواء الراكدة التي سادت المفاهيم الأدبيـة العتيقـــة في عام 1919. فطفت كل المتناقضات السياسية والاقتصادية علي السطح وتمخض عن ذلك كلــه ميـــلاد أدب جديد يـــتأسس علي انبعاث ثقافي قومي ونتيجة لذلك استحدثت أشكال جديدة لتتلاءم مع الموضوعات الجديدة. وبدأ الكتاب يضخون دماء جديدة في الأشكال الأدبية في الصين الحديثــة والتي ارتبط وجودهـــا بهذا التيار الأدبي الجديد. ومن أدباء هذه الفترة "لو صون، كو مو جو، ماو دون، با جين، لاو شه"، وقد ارتبطـــوا مع تأثرهم بالأدب العالمي بجذور عميقة راسخة في تربة الأدب الصيني التقليدي، الأمر الذي ساعد على رسوخ أقدامهم والثقة في الاستفادة الواعية من الآخرين، ومن ثم ساهموا بقوة في تطويـر الأدب الصيني الحديث والأدب العالمي أيضا، ومن ثم حدوث حركة "الرابع من مايو" الثقافية، فقد أخذت تسود الدوائر الأدبيـــة الصينيـــة إشكاليـة فكرية يدور محورها حول الأدب الصيني، وهل يرتبط بالتراث التقليدي أم بالاتجاه إلى تقليد الآداب الأخرى. وقد تعاظم الجدل حول هذه القضية إلى الحد الذي ذهب فيه كل من الفريقين إلي أقصى درجة من التطرف، ففريق يصر على بقــــاء التراث القـــومي نقـــيا تمامـــا وعزلـه عن أية مؤثرات، والفريق الآخر يتبنى حركة تغريب كاملـــــة. والملاحظ أن كلا الفريقين يقفان علي أرضية واحدة رغم تشاجرهما واختلافهما معــــا، فهما ينشغــــلان بما هو موجود ســـــواء كان ذلك صينيا أو أجنبيا، ولكنهما لا يدركـــان جوهرا للماهية الإبداعيـــة، فالعمليــة الإبداعية ليست ارتباطا سكونيا بموجود ما صينيا أو أجنبيا.. وأنا أميل إلي توفير الوسط المناسب، والذي من خلاله تدخل هذه الأشياء كموجدات دائرة الاستعمال الصيني، فمن المستحيل أن يقف الأديب في عزلة عن العالم أوعن تراثه القومي، انه دائما في علاقة جدلية معهما، وما يبدو في معظمه بلا أهمية ومتروكــا قد يكون في واقــع الأمـــر مرتبطا ومثيرا بالحياة ومع ذلك يحـدث هذا فقط من خلال الفنان المبدع، فالإبداع الأدبي يتجاوز كل العصور والحدود القومية والجغرافية، إنه يوقظ ، يدفئ، يدفع الإنسان دوما إلي أهداف جديدة، ومن الضروري أن يحمل الأدب طابعه القومي، ولكن ذلك لا يمنعه من أن يكون ذا تأثير واسع النطاق. لقد أدى الجدل الذي انتاب الدوائر الأدبية الصينية إلي تلويث مناخ الأدب الصيني والإضرار به.  قه للإسهام في مسيرة ا                    

إن العشرة أعوام الأخيرة في الحياة الأدبية هامة جدا، حيث عاد الأدب الصيني فيها إلى ذاته الصحيح ولم يعد فقط امتدادا أيديلوجيــا، حيث أصبح هو الفن الذي يمثل نداء الطبيعة الإنسانية وقد أصبح تعبير الإبداعيـــة الجمالية الآن بعد أن زالت قيود المحاذير السياسية تعبيرا له دوره الحقيقي كصوت للجمــال، ومفسرا للحيــاة، وموثقا للتاريــخ. فقد كـــان تغييرا سريعــا انفتح من خلاله الأدباء الصينيون علي روافـــد الأدب العالمي ممــا أدى إلي طرق أفكـار ومضامين جديدة، وكذلك الأجناس الأدبية، وعادوا إلي ممارسة التوجهــات الإبداعيـة الجديدة كالتجارب الشخصية مثلا، وكذلك تيارات الوعي والواقعيــة السحريــة والاستفادة من النظريات الفنية والإنسانية. ومن خلال هذه المجهودات البحثية لم يوسع الكتاب الصينيون مداركهم فحسب بــل اكتشفـوا أفكارا طازجة في السفر والترحال وتأثروا بأسماء أدبية عالمية مثل "فــرانزكافكــا، استيفـان زفانج" النمساويين اللذين كان لهما تأثير عظيم علي الذاكرة الإبداعية الصينية، مما ابتعد بالأدب الصيني الحديث عن نظيره السابق الذي كان مزيجا من التمجيد الزائف والتأويل الأخلاقي والسياسي.قه للإسهام في مسيرة ا

لقد أصبح الكاتب الصيني يمارس حقه كاملا في الاختيار والتجريب الأمر الذي جعل عضوية اتحاد الكتاب تزيــد إلي أكثــر من أربعــة آلاف معظمهم من الذين حققوا شهرة أدبية خلال العشرة أعوام الأخيرة. وباعتباري متابعا أدبيا فإنني أشعر أن الأدب الصيني قد خرج من عزلته الذاتية وبدأ يشق طريقــه ويأخــذ دوره الرئيسي في مسيرة الأدب العــالمي. ولكن ذلك لا يعني المبالغة في الإنجازات الأخيرة، فلا أحد يستطيع أن يتجــاهل حقيقة أن الصين منذ وقـــت طويــل، وإلى وقت قريب كانت في عالم مختلف تماما، ولذلك فإن بعض الكتاب الصينيين لفــرط حماسهم يجترون الإبداعـات الأجنبية فهم مقلدون أكثر منهم مبدعون، الأمر الذي يعني عـدم التمثل السليم والهضم الصحيح لهذه الروافد.        وفي الوقت الذي يجب أن نسمح لمثل هذه الإشكاليات أن تأخذ حقها في التواجد حيث تتصادم الثقافـــات أو تتصــل، يجب ألا نتجـــاهل ردود الأفعـال القوية من جانب القراء. كل هذا يبين بجلاء أن الأدب الصيني الجديد لا يزال في مرحلته الانتقالية ولم يصل بعد إلي مرحلة النضج بل إنه ســـوف يأخـــذ وقتا طويلا من الكــدح والإبــداع قبل أن يصل إلي أقصي ارتفاع له وهو ما نأمل في تحقيقه ليشق الأدب الجديد بصينيته المتميزة طريقه للإسهام في مسيرة الأدب العالمي.قه للإسهام في

ربيع مفتاح:  كاتب مصري، عضو اتحاد الكتاب، عضو الأمانة العامة للأدباء، عضو مجلس إدارة نادي القصة بمصر.قللإسهام في مسيرة ا

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.