محتويات العدد 7 يوليو (تموز)  2005‏
م

تشاو تشي تشنغ يشرح الصين للعالم!

حسين إسماعيل

إن كنت من المهتمين بالصين، وإن كنت معنيا بالإعلام الصيني فلابد أنك تعرف هذا الرجل الذي يتحمل مسؤولية نقل صورة الصين إلى العالم. تشاو تشي تشنغ (البعض يكتب الاسم بالعربية جاو جي جنغ) رئيس مكتب (وزارة) الإعلام بمجلس الدولة الصيني، الذي شغل منصب نائب عمدة مدينة شانغهاي قبل منصبه الحالي، وصاحب القصة المثيرة مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما اضطرت طائرته للهبوط في مطار شانغهاي لسوء الظروف الجوية وأصر عرفات على الإقلاع ولكن تشاو تشي تشنغ استطاع إقناع الزعيم العنيد بالانتظار حتى تتحسن حالة الجو. فن الإقناع لا يستطيعه كثيرون. البعض يقول إنها موهبة طبيعية أن تتمكن من نقل فكرتك إلى الآخرين، والبعض يقول إنه التدريب والدراسة والمعرفة، ونحن نعتقد أنهما معا. وقد قال تشاو يوما: "العبقري هو الذي يجعل الأشياء المعقدة بسيطة" ولا شك أنه هو نفسه نموذج جيد لهذا. أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

قابلت الوزير تشاو في أكثر من مناسبة، وكنت أقترب منه أحدق فيه وهو يتحدث بلسانه وبيديه وكل ملامح وجهه فأشعر أنه نموذج خاص جدا من الساسة الصينيين. كنت أظنه متخصصا في الصحافة أو العلوم السياسية أو الأدب، ولكن دهشتي كانت عظيمة عندما عرفت أن الرجل عالم متخصص في الفيزياء النووية. وقد كان الوزير تشاو بؤرة اهتمام أجهزة الإعلام خلال النصف الثاني من شهر مايو هذا العام عندما استضافت بكين منتدى فورشن (الثروة) العالمي الذي تنظمه مجلة فورشن الأمريكية المعنية بالمال والاقتصاد وشارك فيه رؤساء حوالي ثمانين شركة عالمية وبلغ إجمالي عدد المشاركين فيه حوالي تسعمائة فرد من المسؤولين ورجال الأعمال من كافة أنحاء العالم. الدور الذي لعبه تشاو ووزارته في تنظيم هذا المنتدى بنجاح غير مسبوق شدني أكثر لمعرفة المزيد عنه، فكان العرض الذي قدمته صحيفة "تشينا ديلي" الصينية  لكتاب "شرح الصين للعالم" الذي يضم مجموعة من كلمات تشاو ومقابلاته الصحفية في مناسبات مختلفة خير معين للتعرف على المتحدث الأول باسم الصين.أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

السيد تشاو يفاجئك في إجاباته وشروحه للقضايا المتعلقة بالصين وبالتشبيهات التي يوظفها فتجعل الفكرة جلية في ذهنك مقنعة لك. في شرحه لوضع الاقتصاد الصيني وما يحققه من معدلات نمو عالية يتحدث عنها العالم كله بإعجاب ودهشة، قال تشاو  كلاما لا تتوقعه أنت، إن كنت من أبناء العالم الثالث الذي يكيل المسؤولون فيه المدح والفخر بالأرقام التي تحققها حكومات بلدانهم، حتى وإن كانت أرقاما جوفاء لا تذهب أبعد من حبرها على الورق. تأمل هذه الكلمات من الرجل المعني برسم صورة الصين أمام العالم: "...علنيا ألا نبالغ في تقدير أهمية إجمالي الناتج المحلي للصين. فإذا قلنا إن شخصا لديه جاكيت واحد اشترى جاكيت آخر فهذا يعني نموا بنسبة 100%، إما إذا اشترى شخص لديه عشرة جاكيتات جاكيت آخر فإن هذا يعني نسبة نمو 10% فقط. نمو إجمالي الناتج المحلي للصين مدهش ولكن نقطة البداية له منخفضة"!أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

وفي مقابلة له مع السفير الأمريكي في بكين جوزيف بروهير عام 2001  تحدث عن اختلاف الرؤى والقيم بين البلدين، ولم يتهم تشاو الأمريكيين بعدم فهم الصين وإنما سعى إلى تبرير عدم هذا الفهم،... ثمة أسباب كثيرة لعدم قدرة فهم الأمريكيين للصين. فالشخص الذي يعيش في المنطقة الاستوائية ولم يذهب قط  إلى القطب الشمالي، سوف يتساءل: لماذا تلبسون أيها الناس كل هذه الملابس الكثيرة؟ والعكس صحيح فمن يقيمون في المناطق القطبية سوف يتساءلون: لماذا تلبسون هذه الملابس الخفيفة؟أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

وعندما اتهم تقرير كوكس الأمريكي عام 1999 الصين بسرقة تقنيات نووية أمريكية عقد الرجل مؤتمرين صحفيين فاجأ فيهما المراسلين الأجانب والمحليين ليس فقط بالقائمة الطويلة من الأدلة التي تدحض التقرير الأمريكي وإنما عندما أعلن أن ما اعتبره تقرير كوكس أسرارا ليس أكثر من معلومات موجودة ومتاحة على شبكة الإنترنت، وأثبت عالم الفيزياء الصيني موقف الصين بطريقة تفوق كثيرا ما حاول الأمريكي كريستوفر كوكس، الذي أشرف على تقرير اتهام الصين، أن يدين الصين به من معلومات.أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي    

 على الرغم من أن تشاو مسؤول حكومي ملتزم بالسياسة الرسمية للدولة فإنه في حديثه يتخفف كثيرا من النغمة الرسمية ويحدثك كمواطن متخصص يحل لك مسألة رياضية مستخدما الحُجة والمنطق والكناية والاستعارة وكل الأدوات العقلية واللغوية التي لا تملك أمامها إلا أن تومئ موافقا. في حديث له حول قضية تايوان وتمسك بلاده بإعادة هذه الجزيرة الصينية إلى حضن وطنها الأم ومعارضة فصلها بكل السبل، لم يكرر تشاو تاريخ تايوان ولم يأت بحقائق تاريخية تؤكد لك أن هذه الجزيرة جزء من الصين ولم يسرد عليك تفصيلا لسياسة الصين تجاه تايوان. الرجل اختصر القضية في عبارة موجزة بالغة التعبير. تفحص هذه العبارة: "...الصين دولة كاملة، تشمل تايوان. إنها مثل جسد الإنسان. أنا لا أوافق بالتأكيد أن تُبتر ساقي، هذا قرار يتخذه عقلي".أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

يتبسط تشاو تشي تشنغ في حديثه ويُشعر محدثه بأنه أب له أو شقيق أو ابن، فتنفذ كلماته إلى القلب وتستقر في الوجدان والعقل. قبل أن تستعيد الصين سيادتها على هونغ كونغ عام 1997، كان تشاو يتحدث مع واحد من أبناء هونغ كونغ، عمره أربع وسبعون سنة. الشيخ العجوز قال للمسؤول الرسمي إنه يشعر بالحزن والأسف لأنه قد لا يرى يوم عودة هذه الأرض الصينية إلى أحضان وطنها الأم. ماذا قال له تشاو؟ .. عمرك أربعة وسبعون عاما، أنت لست عجوزا. لقد تقدم الطب الحديث كثيرا، وإذا اهتممت بنفسك جيدا بالمغذيات التقليدية، مثل الجنسن ولينغتشي، ستعيش حتى ترى ذلك اليوم! أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

ماذا يقف وراء هذه الشخصية التي تلقى قبولا وارتياحا غير عادي بين الصحفيين والمراسلين الأجانب المقيمين في الصين، الذين يعتبرونه متعاونا معهم ييسر لهم الحصول على المعلومات التي يريدونها عن الصين، وهذا توجه يختلف عن الصورة النمطية للعلاقة بين المسؤول الإعلامي الرسمي والصحفيين وهي علاقة يسودها عادة شك كل طرف في معلومات وصدق وأهداف الطرف الآخر. لقد حدثني كثير من الأصدقاء من المراسلين الأجانب بل والإعلاميين الرسميين في الصين عن الوزير تشاو  الذي لا يتردد في الخوض بقضايا حساسة، مثل حقوق الإنسان في الصين وحرية الصحافة والانتشار النووي، ويحدث كل شخص بلغته وبثقافته، فعندما يتحدث إلى الصحافة الغربية يخاطبها بلغتها وإلى الصحافة الآسيوية بمفاهيمها وإلى الإعلام العربي بثقافته وتوجهاته.أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

ولكن المسألة ليست موهبة وبعدها يتحقق كل شيء، بل دراسة وتمحيص ودراية وإحاطة بكل صغيرة وكبيرة حول المستهدفين بالكلمة أو الحديث. في كتاب "شرح الصين" يوضح أحد مسئولي مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني كيف يستعد الوزير لمقابلاته. فعندما يدعى تشاو لإلقاء كلمة أو التحدث في مناسبة يسأل دائما عن معلومات حول الحاضرين الذين سيستمعون له والوقت المحدد للكلمة أو المقابلة. ويحرص تشاو أن يكون حديثه متناسبا مع تفكير من يستمع له، وكأنه يعمل بالحكمة العربية القائلة: خاطب الناس على قدر عقولهم. ويركز على موضوعات وقضايا تهم الذين يخاطبهم. ويذكر كتاب "شرح الصين للعالم" أمثلة لهذا الاستعداد عندما تقرر أن يلقي تشاو كلمات أثناء زيارته لكل من الأرجنتين والبرازيل عام 2004. ماذا فعل الوزير الصيني؟ لم يتصرف مثل مسئولي العالم الثالث واعتبر الأمر شيئا بسيطا، وعلى رأي أحدهم.. هل هي كيمياء؟ لقد طلب تشاو من معاونيه كل الكتب المتاحة في الصين عن البلدين، ثم طلب من وزارات الخارجية والتجارة والثقافة أن تزوده بأحدث ما لديها من معلومات عن هاتين الدولتين وعن علاقة الصين بهما، كل في مجاله. وضع كل هذا بين يديه وأخذ يدون منها أرقاما ومعلومات قد تكون مرجعا له في حديثه. لم يطلب من أحد أن يقوم عنه بهذه المهمة وإنما قام بها بنفسه لتكون حاضرة في ذهنه. ويولي كبير الإعلاميين الصينيين أهمية خاصة لنقطة بدء الحديث التي يمكن بها أن يثير انتباه واهتمام المتلقي، وفي هذا ليس أفضل من معلومة طريفة أو قصة غريبة مثيرة. في كلمته بالأرجنتين فاجأ مستمعيه بمعلومة عثر عليها في أحد الكتب، وهي أن العاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس تقع مقابل بكين على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، ومن ثم، والكلام له، فإن فكرة شق نفق تحت الأرض بين المدينتين سوف تقرب الشعوب كثيرا! وفي البرازيل، حيث تفوح رائحة القهوة في كل ركن، بدأ حديثه بمعلومة عن الشاي، حيث قال إن مزارعي الشاي الصينيين نقلوا الشاي إلى البرازيل في عام 1810 وحاولوا زراعته هناك.  لا يتوقف تشاو عند التاريخ وإنما ينتقل منه إلى الأحداث الجارية ويتحدث عن التجارة والثقافة والفنون. وبرغم ما يبذله الوزير من جهود في إعداد كلمته فإنه، حسب كتاب "شرح الصين للعالم"، قد يترك الورقة في آخر لحظة ويرتجل حديثه، إن اقتضى الموقف.   أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي             

لقد أصبح تشاو حالة دراسية لأساتذة الإعلام ونموذجا يُدرس لطلاب كليات الإعلام. في حديث لصحيفة "تشينا ديلي" قال عنه البروفيسور لي شي قوانغ، مدير مركز الاتصالات الدولية بجامعة تشينهوا الصينية، إن تشاو يعتمد عادة على الأشياء التي تحدث حولنا لتوضيح آرائه. ويعترف أستاذ الإعلام بأنه ليس كل مسؤول يمتلك الكفاءة للتحدث مثل تشاو. فمعظم المسؤولين يظنون خطأ أن الكلام المنظر فقط هو الذي له قيمة ولا يدركون أهمية أن تحكي قصة لتوضح وجهة نظرك، والقصة لا تعني أن تختلق حكاية وإنما أن تحكي عن وقائع حدثت. أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

لقد كانت الصين ترفع في الماضي شعار "قليل من الكلام، كثير من العمل" أو "العمل ثم العمل ولا كلام". ولكن تشاو يعتقد أن العالم قد تغير ونحن نعيش في عصر مختلف، عصر العولمة الاقتصادية وانفتاح الصين على العالم الخارجي، وهذا يجعل من الضروري أن تزيد الصين من تواصلها مع العالم. ولهذا فإن الوزير تشاو دعم بقوة جامعة تشينغهوا الصينية في إنشاء  أول معهد لبحوث العلاقات العامة في الصين في شهر مايو هذا العام، والذي يستهدف تقديم التدريب والبحوث والاستشارات للمسؤولين الحكوميين بما يؤهلهم لمواجهة التحديات والفرص العالمية. هذا إضافة إلى النهج الذي يتبناه تشاو تشي تشنغ والذي يدعو المسؤولين الحكوميين إلى الانفتاح على أجهزة الإعلام الصينية والأجنبية، وقد شاهدنا محطة بي بي سي البريطانية وسي إن إن الأمريكية تبث برامج على الهواء مباشرة من الصين تضمنت لقاءات مع مواطنين عاديين ومسئولين وخبراء صينيين وأجانب. وشاهد المواطن العربي على شاشة قناة الجزيرة لأول مرة مسئولا صينيا يتحدث إليه باللغة العربية على الهواء مباشرة. أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

لقد كان الإعلام الصيني في السنوات الخمس والعشرين التي مضت منذ انتهاج البلاد سياسة الإصلاح والانفتاح، متهما بأنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي وانفتاح القطاعات الأخرى، ولكن ما يشهده الإعلام الصيني خلال الفترة الأخيرة يساهم كثيرا في تغيير هذه الصورة، بيد أن الطريق مازال طويلا كي نرى في الصين مزيدا من تشاو تشي تشينغ.أنه متخلف عن ركب التطور الاقتصادي

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.