محتويات العدد 7 يوليو (تموز)  2005‏
م

في جدلية الصحة والثروة

لواحد من أشهر االإرهاق يقتل شباب الصين! لواحد من أشهر ا

لو رو تساي

في العاشر من إبريل رحل تشن يي في عن عمر يناهز التاسعة والخمسين. الموت المفاجئ لواحد من أشهر الشخصيات الاجتماعية في الصين أعاد من جديد قلق الصينيين تجاه ظاهرة الموت من فرط الإرهاق. قبل رحيل هذا الفنان الرسام، الذي يمارس التجارة بنجاح كبير أيضا، فارق الحياة أستاذان نابغان بجامعة تشينغهوا، هما جياو ليان وي (36 سنة) وقاو ون هوان (46 سنة)، وفي أكتوبر الماضي زهقت روح وانغ جيون ياو (38 سنة)، رئيس مجلس إدارة مجموعة جيونياو. سبب موت هؤلاء، وفق رأي الأطباء، هو الإرهاق الشديد نتيجة العمل، وهو ما أضر بأعضاء الجسم إلى حد خطير، وعندما نُقلوا إلى المستشفيات كان الأوان قد فات. وقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث حول صحة الإنسان والإرهاق المزمن، حيث تشير نتائج عدد من الدراسات الميدانية إلى أن معظم الصينيين، وخاصة الشباب ومتوسطي العمر، لا يولون الاهتمام اللازم بصحتهم رغم وصولهم إلى حالة لا تبعث على التفاؤل.قضوا الإجازة مطلقا

الشباب يواجهون ضغطا أكبر قضوا الإجازة مطلقا

تشانغ ليانغ البالغ من العمر ثلاثين عاما، شاب نشيط يعمل مديرا في أحد فروع شركة لشبكات الإنترنت.  العزيز تشانغ اختار أن يواصل العمل بشركته خلال الأيام السبعة لعطلة عيد العمال لأن الشركة وعدت بمنح راتب يعادل ثلاثة أضعاف الراتب العادي لمن يعمل في العطلة. قرر تشانغ أن يتنازل عن  فرصة السفر في رحلة مع خطيبته ولم يتردد في قبول عرض الشركة لأنه يحتاج إلى مزيد من المال لسد نفقاته الكثيرة، فقد اشترى مؤخرا شقة كبيرة بالتقسيط استعدادا للزواج، ويعتزم شراء سيارة خاصة. راتبه الشهري، وهو سبعة آلاف يوان، أي نحو ثمانمائة وخمسين دولارا أمريكيا لا يكفيه، ومن أجل توفير حياة أفضل عليه أن يكسب المزيد، وهذا يجعله يشعر دائما بضغط، ويضطره للقيام بأعمال إضافية سواء في الشركة أو خارجها إن أمكن. تشانغ ليانغ نموذج للشباب من جيله الذي يقف على أعتاب مرحلة الزواج ويجتاز فترة صعبة لتأسيس قاعدة اقتصادية قوية تكفي لسد مختلف النفقات، من حفل الزفاف وحجز شقة جديدة وتأثيثها إلى شراء السيارة وإنجاب الطفل وتربيته بعد ذلك، وكل هذا في حاجة إلى فلوس. هؤلاء الشباب قاعدتهم المادية ليست قوية، ورأس مالهم هو قوتهم البدنية ولهذا يجبرون أنفسهم على العمل أكثر من أجل دخل أعلى. تفيد نتيجة دراسة ميدانية قام بها مركز المسح الاجتماعي بصحيفة شباب الصين ونشرتها الصحيفة، أن 5ر66% من شباب هذا البلد يشعرون بضغوط كبيرة في حياتهم، و7ر3% منهم يشعرون بضغوط خفيفة، وفقط 3ر0% منهم لا يشعرون بأي ضغط!قضوا الإجازة مطلقا

يعبر عن هذه المأساة تشانغ ليانغ بقوله "لاحظت أنني شخت كثيرا خلال هذه السنوات القليلة، أحيانا لا أستطيع السيطرة على مشاعري بسبب الإرهاق...". خطيبته شرعت تبدي في الفترة الأخيرة تذمرا من التغير الذي طرأ على الشاب بدنيا ونفسيا. عندما ذهب تشانغ ليانغ إلى المستشفى لإجراء فحص طبي عادي أخبره الطبيب بما لم يكن يتوقعه.. صحتك شبه سليمة وإن لم تتصرف لإصلاح الخلل قد تصاب بمرض قاتل في يوم ما. السبب هو فرط الإرهاق في العمل لفترة طويلة.قضوا الإجازة مطلقا

وهذا العام أجرى مركز الرعاية الصحية للمستشفى رقم 1 التابع لجامعة الطب الصيني بمنطقة قوانغشي دراسة ميدانية حول الصحة شبه السليمة، أي الإرهاق المزمن، شملت عينة من 3206 أفراد، وكانت النتيجة أن صحة  3ر67% منهم شبه سليمة، 62% منهم ذكور و38% إناث، ولاحظت الدراسة أن الفئة العمرية من 25  إلى 35 سنة ومن 35 إلى 45 سنة هي الأكثر معاناة من الإرهاق المفرط.قضوا الإجازة مطلقا

يعزو الباحثون ارتفاع نسبة الرجال الذين يعانون من الإرهاق المفرط عن النساء في الصين إلى الثقافة الصينية التقليدية التي تؤكد على دور الرجل ومسئوليته الاجتماعية والأسرية، فالرجل هو الذي يتحمل القسط الأكبر من واجبات المواطن، حسب تلك الثقافة، وهي "التثقيف الذاتي ورعاية أفراد الأسرة وإدارة شؤون الدولة وضمان استقرار المجتمع". كما أن اختلاف الطبيعة النفسية بين الرجل والمرأة تساهم في فرض ضغوط أكثر على الجنس الخشن، ذلك أن الرجل الصيني يلتزم عادة بضبط النفس تجاه أي موقف سار أو ضار، ويفضل الصمت والاعتماد على الذات لحل مشاكله، وهو موقف يختلف تماما عن موقف الجنس اللطيف، فالمرأة تلوذ بسرعة إلى الأصدقاء والأهل لتفريغ ما في قلبها من مشاعر حائرة، بل إن بكاء المرأة ينفس عنها  المشاعر الحزينة. جملة القول أن الثقافة الصينية التي تراكمت عبر آلاف السنين تجعل عبء الرجل يتزايد أكثر.قضوا الإجازة مطلقا

مال أكثر أم صحة أفضل؟قضوا الإجازة مطلقا

يعتقد البروفيسور يانغ تشاو شيوي الذي يعمل في جهاز جيتسي للرعاية الصحية والفحص الطبي، أن الصينيين، بوجه عام، يفتقرون إلى وعي العناية بالصحة، وكثيرا ما يهملون أحوالهم الصحية. ورغم أن عددا قليلا منهم، وخاصة من ذوي الياقات البيضاء والمتعلمين تعليما راقيا،  باتوا على معرفة بهذا الأمر، وأدركوا أهمية حماية صحتهم فإنهم قد لا يجدون الوقت الكافي للعناية بصحتهم بسبب كثرة العمل.قضوا الإجازة مطلقا

الإرهاق يقتل شباب الصين، في ظاهرة تثير قلق المجتمع، ولهذا قام مركز المسح الاجتماعي التابع لصحيفة شباب الصين بالتعاون مع محطة التلفزيون الصيني المركزية بدراسة ميدانية على عينة من 1218 شخصا في الفترة من الثاني عشر إلى الثالث عشر من إبريل هذا العام، وجدت أن 4ر34% منهم يعملون أقل من ثماني ساعات كل يوم، و6ر65% يعملون أكثر من ثماني ساعات يوميا، و20%  يعملون أكثر من عشر ساعات يوميا. الدراسة حاولت الإجابة عن سؤال: لماذا يعملون هذا الوقت الطويل كل يوم؟  حسب الدراسة 82% ممن يفضلون عملا تزيد مدته عن خمس عشرة ساعة يوميا قالوا إن دافعهم الوحيد هو الحصول على مال أكثر، وهذا التوجه أشد بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 سنة و40 سنة. 1ر75% من الشباب ومتوسطي العمر قالوا إنهم يتفهمون جنون العمل عند هؤلاء الشباب، بل ويتفهمون ظاهرة "الموت من فرط الإرهاق". فقط 18% منهم قالوا "إن خطر تدهور الصحة يمكن تفاديه تماما...". النتائج التي توصلت إليها الدراسة عبر عنها تشانغ ليانغ باعترافه أنه "لا جدوى في جسم سليم بدون مال"، هي فكرة تسيطر على الكثير من شباب الصين حاليا. الذين وصلوا إلى منتصف العمر، أي في الأربعينيات من عمرهم، يشعرون بضغط متزايد أيضا، رغم أنهم نجحوا إلى حد كبير في العمل، ولكنهم يواجهون تنافسا شديدا من الشباب الأصغر، ولا سبيل أمامهم للحفاظ على مكانتهم إلا بالاستماتة في العمل!قضوا الإجازة مطلقا

ولكن ما الذي يجعل الشباب يؤمن بفكرة أن "المال أهم من الحياة"؟ قضوا الإجازة مطلقا

لعل أهم الأسباب هو التحول الاجتماعي الحاصل في الصين بكل إفرازاته وانعكاساته عليهم. وقد كان هذا هو موضوع دراسة استمرت أربع سنوات نهض بها معهد البحوث النفسية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وأنجزها في نهاية العام الماضي. هذه الدراسة التي استطلعت آراء نحو عشرة آلاف فرد تناولت الصحة النفسية للعاملين في مختلف الوظائف في مرحلة التحول الاجتماعي والعوامل الاجتماعية الرئيسية التي تؤثر فيهم. انتهت الدراسة إلى أن الشباب في سن بين العشرين والثلاثين سنة هم أكثر الفئات تحملا للضغوط الاجتماعية، وهي نتيجة يوافق عليها لو شي تشن، نائب مدير المعهد الصيني لسياسات الشباب. يقول لو شي تشن إن الشباب هم الأكثر تعرضا للضغوط  في فترة التغير الاجتماعي، فمنظومة الضمان الاجتماعي والخدمات الخيرية وسياسات الإسكان والعلاج والرعاية الصحية وغيرها في الصين حاليا تستهدف متوسطي العمر والمسنين أكثر. أما الشاب الصغير فلا يكاد يلتحق بالعمل حتى يواجه تنافسا ضاريا في موقع عمله، ويكون عليه أن يتعامل مع أموره الخاصة، مثل الزواج والشقة والإنجاب ورعاية الطفل وإدارة علاقاته الاجتماعية وغيرها من أعباء الحياة، وهو وفي الوقت نفسه يفتقر إلى الخبرات الاجتماعية والقدرة على معالجة المشاكل المعقدة، وكل هذه العناصر تزيد الضغط عليه.قضوا الإجازة مطلقا

ضعف الوعي بأهمية سلامة الصحةقضوا الإجازة مطلقا

يحدد البروفيسور يانغ تشاو شيوي ثلاثة أسباب لإهمال الصينيين لصحتهم وهي:قضوا الإجازة مطلقا

 أولا، عدم تعميم المعارف بشأن العناية بالصحة في الصين حتى الآن، وقلة عدد أجهزة حماية الصحة المتخصصة والمستشفيات مقارنة مع العدد الهائل للصينيين، كما أن الوظيفة الأساسية للمستشفيات هي  العلاج وليس الفحص الدوري. وكثيرون لا يعرفون جيدا طبيعة أجهزة الفحص الصحي، فلا يذهب إليها إلا ذوي الياقات البيضاء والشباب الذي يتابع الجديد في الحياة.قضوا الإجازة مطلقا

 ثانيا، أن كثيرا من الذين بدءوا حياتهم العملية قبل تطبيق سياسة الإصلاح تعودوا على نظام العلاج السابق الذي كانت تتحمل فيه الدولة كافة نفقات العلاج بعكس النظام الجديد الذي يتحمل فيه العامل قدرا من نفقة العلاج، وهذا لا يشجعهم على رعاية صحتهم مفضلين إنفاق المال على الطعام والشراب أو الملذات الأخرى بدلا من العلاج الطبي. وهؤلاء يعتبرون الفحص الصحي الدوري ليس ضروريا. بل إن الإحصائيات تشير إلى أن 40% من الصينيين لا يذهبون مطلقا إلى المستشفيات للعلاج لأسباب شتى.قضوا الإجازة مطلقا

 ثالثا، اعتقاد البعض بأنهم طالما في مرحلة الشباب فإن المرض بعيد عنهم، وبالتالي لا يبالون بحالتهم الصحية غير مدركين خطورة حالة الصحة شبه السليمة التي يعانون منها منذ مدة طويلة. وحسب دراسة أجريت عام 2004 حول "الخدمات الصحية في الصين"  8ر14%  فقط من الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة أو أكثر يواظبون على التمرينات البدنية في أوقات الفراغ.قضوا الإجازة مطلقا

العامل الآخر وراء زيادة الضغوط التي تؤذي الصحة البدنية  للشباب هو عدم وجود مجال لتنفيس ضغوطهم النفسية، فالصحة النفسية للصينيين أسوأ من صحتهم البدنية وفقا لنتيجة الدراسة الميدانية التي قام بها مركز المسح الاجتماعي لصحيفة شباب الصين في إبريل هذا العام وشملت عينة من 1129 فردا. 1ر43% منهم يفضلون سماع الموسيقي لتخفيف ضغوطهم، ويلجأ 4ر40% إلى الأصدقاء، و3ر27% ينفسون عن أنفسهم بتسجيل يومياتهم،  ويرى2ر31% منهم أن كبت كآبتهم هو أنسب حل. وبالنسبة للعلاج النفسي، قال 1ر37% منهم فقط إنهم يستحسنون هذا النوع من العلاج، وقال 1ر41% إن هذا العلاج لا يعنيهم، أو لا يعرفون إن كانت هناك عيادات نفسية متخصصة، وأعرب  7ر24% منهم عن الشك في فعالية هذا العلاج، قال 8ر7% منهم إنهم يشعرون بالخجل والقلق أمام سخرية البعض إذا عرفوا أنهم ذهبوا إلى تلك العيادات. جملة القول، أن غموض موقف الصينيين تجاه العلاج النفسي يمنعهم من تلقى العلاج الصحيح في العيادات المتخصصة، وربما هذا سبب ظهور مهنة جديدة يمارسها البعض، وهي أن يجعل الشخص من نفسه هدفا يفرغ فيه الزبون مشاعره المكتومة فينفس ما بداخله!قضوا الإجازة مطلقا

إجازة إجباريةقضوا الإجازة مطلقا

الموظفون الحكوميون، شأن ذوي الياقات البيضاء، يعانون من أمراض عديدة ومشاكل صحية. وفي هذا الإطار قام مركز التأمين والعلاج الاجتماعي في مقاطعة خنان بفحص طبي شامل لخمسة عشر ألف موظف عمومي يعملون في الأجهزة الرسمية على مستوى المقاطعة خلال عامي 2003 و2004،، وكانت نتيجة الفحص أن صحة معظمهم غير جيدة؛ 32% منهم يعانون من أمراض العنق والعمود الفقري، و18% مصابون بمرض الكبد الدهني. هذه الظاهرة موجودة في أماكن أخرى، ففي بكين 40% من الموظفين الحكوميين يزيد وزنهم عن الوزن القياسي؛ و40% من العاملين في الدوائر الرسمية التابعة لحكومة مقاطعة جيانغسو يعانون من أمراض إكلينيكية مختلفة؛ و70% من الثلاثين ألف موظف حكومي في مدينة ونتشو بمقاطعة تشجيانغ حالتهم الصحية شبه سليمة!قضوا الإجازة مطلقا

نتائج هذه الدراسات جعلت السيد لي تشنغ يوي، رئيس مقاطعة خنان، يصدر تعليمات بإجبار الموظفين على نطاق المقاطعة على القيام بإجازات دورية، وبالفعل أعدت حكومة المقاطعة لائحة رسمية بالإجازة السنوية لجميع الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية في دفعات منتظمة وحسب جداول زمنية محددة  ابتداء من عام 2005. الأكثر أنه من أجل تشجيع الموظفين على الالتزام باللائحة دعت الحكومة القيادات إلى أن يكونوا قدوة للآخرين في الاستمتاع بالإجازة. وفي مدينة سوتشو بمقاطعة جيانغسو وضعت حكومة المدينة إجراءات شبه إجبارية لتنفيذ نظام الإجازة السنوية، حيث لا يقل راتب الموظف وكافة امتيازاته في فترة الإجازة، الأكثر أن الحكومة تمنح الموظف علاوة خاصة حسب الأيام التي يقضيها في إجازة، ويحرم من هذه العلاوة الذي لا يقوم بالإجازة، ويفقد فرصة المشاركة في التنافس لنيل لقب الكادر النموذجي مع الجائزة الخاصة به. هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحكومات الصينية المحلية التي تم فيها إدخال شرط قضاء الإجازة السنوية في تقييم أداء الموظف الحكومي .قضوا الإجازة مطلقا

المثير، وفقا للدراسة، أن 20% فقط من الذين يستحقون قضاء الإجازة الدورية على نفقة الدولة، استخدموا هذا الحق، ففي مدينة شانغهاي 9ر6% من العاملين في قطاع الإعلام قضوا إجازتهم السنوية بكامل أيامها المحددة، و2ر21% منهم قضوا جزءا من الإجازة،  و64% منهم لم يقضوا الإجازة مطلقا. لقد عارض البعض إجراءات إجبار الموظفين العموميين على قضاء الإجازة الدورية، غير أنها تعكس رغبة وعزم  الحكومة على رفع المستوى الصحي للعاملين بها.قضوا الإجازة مطلقا

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.