محتويات العدد 5 مايو (آيار)‏2005‏
م

قانون مناهضة الانفصال

بين إجماع الأمة وسوء التأويل

حسين إسماعيل

أن تُصدر دولة، أي دولة، قانونا يحمي سيادتها ووحدة أراضيها ويصون تماسكها، فهذا حق أصيل استخدمته دول عديدة ارتأت ضرورة  لذلك ولم تلجأ إليه دول أخرى لأنها لم تر تلك الضرورة، غير أن هذا لا يعني مصادرة هذا الحق إذا استلزمت تطورات الأحداث استخدامه. فلماذا إذن كان الصخب السياسي والإعلامي، خارج الصين قبل داخلها، منذ أن تم الإعلان عن مشروع قانون صيني يضع الدفاع عن تماسك الوطن ووحدته في إطار تشريعي؟ ولماذا التباين في قراءة هذا القانون، ولماذا أجيز بإجماع الأصوات في الدورة السنوية الثالثة للمجلس الوطني العاشر لنواب الشعب الصيني التي اختتمت أعمالها في الشهر قبل الماضي، مارس 2005؟ ولماذا تم تأويل القانون بعيدا عن مقصده من جانب البعض خارج الصين، لدرجة أن الكونغرس الأمريكي أصدر قرارا بشأنه، في حين باركه كثيرون؟صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

لكي نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة يقتضي الأمر بعض التفصيل، أوله النظر في مواد قانون مناهضة الانفصال ذاته، فالمادة الأولى منه تقول إن الغرض من القانون هو كبح فصل تايوان عن الصين تحت اسم "استقلال تايوان"، وتعزيز إعادة التوحيد الوطني السلمي،  والحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وصون سيادة الصين ووحدة أراضيها وحماية المصالح الأساسية للأمة الصينية. المادة الثانية تؤكد على أن سيادة الصين ووحدة أراضيها لا تحتمل التقسيم، وهذا واجب مشترك لكل الشعب الصيني، بما فيهم أبناء تايوان.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون s

وفي المادة الثالثة يشدد القانون على أن حل مسألة تايوان وتحقيق  توحيد الوطن شأن صيني داخلي، وفي المادة الخامسة يبين على نحو ليس فيه غموض أن التمسك بمبدأ الصين الواحدة هو قاعدة التوحيد السلمي للبلاد وأن توحيد البلاد  من خلال الوسائل السلمية يخدم مصالح أبناء الوطن على جانبي مضيق تايوان. ويتعهد بأن تبذل الدولة غاية الجهد بأكبر إخلاص لتحقيق التوحيد السلمي، وأنه بعد توحيد البلاد سلميا، يمكن أن تمارس تايوان نظما مختلقة عن بر الصين الرئيسي، وتتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

وتحدد المادة السادسة الإجراءات التي تتخذها الصين لصون السلام والاستقرار في مضيق تايوان وتعزيز العلاقات عبر المضيق وهي؛  تشجيع وتيسير التبادلات الشخصية بين جانبي المضيق من أجل تفاهم وثقة متبادلة أكثر؛  تشجيع وتيسير التبادل والتعاون الاقتصادي بين جانبي المضيق، وتحقيق الارتباط المباشر للتجارة وخدمات البريد والنقل الجوي والبحري، وتحقيق علاقات اقتصادية أوثق بين جانبي المضيق لمصلحتهما المتبادلة؛ تشجيع وتيسير التبادل عبر المضيق في مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والصحة والرياضة البدنية، والعمل معا من أجل تعظيم التقاليد الثقافية الصينية المشرفة معا؛ تشجيع وتيسير التعاون بين جانبي المضيق في مكافحة الجريمة؛ و تشجيع وتيسير النشاطات الأخرى التي تفضي إلى السلام والاستقرار في مضيق تايوان وإلى علاقات أقوى عبر المضيق.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

وتفتح المادة السابعة الباب لإجراء التشاور والتفاوض على قدم المساواة بين جانبي مضيق تايوان على خطوات ومراحل وبأشكال مرنة ومتنوعة، على أن تتناول المفاوضات ما يلي:إنهاء حالة العداء بين جانبي المضيق رسميا؛ تخطيط تطوير العلاقات بين جانبي المضيق؛ خطوات وترتيبات التوحيد السلمي؛ الاتفاق على الوضع السياسي لسلطات تايوان؛ والمجال الدولي لمنطقة تايوان الذي يتفق مع وضعها في العالم.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

وتحدد المادة الثامنة شروط اللجوء إلى سبل غير سلمية (لاحظ أنها لم تنص على استخدام القوة العسكرية صراحة) لتسوية قضية تايوان وهي: قيام القوى الانفصالية، تحت أي مسمى وبأية وسيلة، بعمل يسبب حقيقة فصل تايوان عن الصين، أو أن تقع أحداث كبيرة  تؤدي إلى فصل تايوان عن الصين، أو أن احتمالات التوحيد السلمي قد استنفدت تماما، وفي حال تم اللجوء إلى هذه السبل غير السلمية تتعهد الصين ببذل أقصى ما لديها لحماية أرواح وممتلكات والمصالح الشرعية الأخرى للمواطنين المدنيين وللجنسيات الأجنبية في تايوان ولتقليل الخسائر. صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

من الواضح إذن أن القانون لم يتحدث صراحة عن "القوة العسكرية"، وإنما "وسائل غير سلمية" وهي ليست بالضرورة القوة العسكرية، فقد تكون توظيف أدوات ضغط اقتصادي، وقد تكون التنسيق مع قوى داخلية في تايوان للسيطرة على السلطة واستبعاد دعاة الانفصال، وقد تكون التضييق دوليا وإقليميا على السلطات التايوانية التي تتبنى الانفصال، إلخ. ويلاحظ هنا أن القانون جاء خطوة أكثر مرونة من الخطاب الصيني الذي ساد خلال السنوات الماضية، والذي كان يؤكد صراحة على عدم استبعاد اللجوء إلى القوة العسكرية، فهو هنا يتحدث عن وسائل غير سلمية، كما يلاحظ أيضا أن الخطاب الرسمي والإعلامي الصيني بات يتحدث عن أن بر الصين الرئيسي وتايوان جزءان من صين واحدة، بخلاف الصيغة التي سادت من قبل وهي أن تايوان جزء لا يتجزء من الصين، وهو تحول له مغزى.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

ولكن على الرغم من كل ذلك جاءت ردود فعل القانون في كل من تايبيه وواشنطن وطوكيو منطلقة من تأويل القانون على غير مقصده وبشكل يخدم أجندة دعاة فصل تايوان عن الصين والأهداف الأمريكية واليابانية، ففي تايبيه التي تعد خامس أكبر شريك تجارى لبر الصين الرئيسي على مستوى العالم بحجم تجارى بلغ في نهاية العام الماضى 323ر78 مليار دولار أمريكى ويميل الميزان التجارى لصالحها بنحو خمسين مليار دولار أمريكى، سارعت السلطات التايوانية إلى التنديد بالقانون واعتبرته ضوءا أخضر لشن حرب عليها‏ (لاحظ محاولة استغلال القانون لإثارة مشاعر التايوانيين).‏ وحذر تشو جونغ تاي، المتحدث باسم (مجلس الوزراء التايواني)، من أن هذه الخطوة قد تكلف الصين ثمنا‏، قائلا إن جميع التايوانيين يعارضون هذا القانون وأن المجتمع الدولي له الموقف نفسه، وهذا كلام ليس حقيقيا، فلم يخرج إلى المظاهرات التي دعا إليها الحزب التقدمي الديمقراطي يوم 26 مارس المليون التي أرادها تشن شوي بيان، زعيم الحزب و"رئيس" تايوان، ولم يعارض المجتمع الدولي القانون، حتى الولايات المتحدة واليابان كان موقفهما متحفظا‏.‏صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

أما الولايات المتحدة وإن كانت استبقت صدور القانون معلنة معارضتها لاستخدام الوسائل غير السلمية لتوحيد الصين واعتبرت أن إقرار مثل هذا القانون يتعارض مع التوجهات الأخيرة التي دفعت نحو تحسين العلاقات بين بر الصين الرئيسي وتايوان إلا أن الموقف الأمريكي بعد صدور القرار اتسم بنوع من التحفظ الذي لا يجرها إلى حد الصدام مع بكين، فقد دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس إلى عدم إتخاذ أي طرف لخطوة منفردة لتغيير الوضع القائم بين بر الصين الرئيسي وتايوان. ووصفت القانون الصيني الجديد بأنه خطوة تزيد من حدة التوتر في العلاقات وهو أمر غير ضروري. ولكن الوزيرة الأمريكية أكدت أن واشنطن متمسكة بمبدأ الصين الواحدة.. مشيرة إلى أن الولايات المتحدة كانت طرفا فاعلا لحل هذا النزاع. وكان القانون على قمة أجندة محادثات رايس خلال زيارتها لبكين يوم 20 مارس 2005، وهي الزيارة التي أكدت فيها مرة أخرى التزام بلادها بسياسة الصين الواحدة.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

في طوكيو، وعلى الرغم من أن صدور قانون مناهضة الانفصال جاء في وقت تمر فيه العلاقات الصينية اليابانية بمرحلة تتسم بالفتور، وهو ما يفسره انعدام الزيارات الرفيعة المستوى بين بكين وطوكيو منذ تولي جونيشيرو كويزومى رئاسة وزراء اليابان بسبب زياراته المتواصلة لضريح ياسوكونى في طوكيو الذي يكرم ضحايا الحرب اليابانيين ومن بينهم مجرمي الحرب العالمية الثانية المصنفين من الدرجة الأولى متجاهلا دعوات الصين المتكررة بالإحجام عن تلك الزيارات، فإن كويوزومي حث الطرفين، بر الصين الرئيسي وتايوان على السعي بجدية من أجل التوصل إلى حل سلمى لوضع تايوان وناشد كويزومى الجانبين ببذل جهود من أجل التوصل إلى حل سلمى حتى لا يسفر القانون عن نتائج سلبية مؤكدا أنه سيواصل دعوته لبكين وتايبيه من أجل تحقيق حل سلمي للقضية. ويلاحظ أن كويوزومي أكد في ذات التصريح يوم 14 مارس 2005 عن الترحيب بالمقترحات الثلاثة التي طرحها رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو لتحسين العلاقات مع اليابان ومن بينها استئناف الزيارات المتبادلة بين كبار ساسة البلدين. غير أن هيرويوكى هوسودا وزير أمانة مجلس الوزراء الياباني أعرب عن قلقه إزاء القانون الصيني، موضحا أن القلق مبعثه الآثار السلبية المحتملة وتأثيرها على السلام والاستقرار بمضيق تايوان والعلاقات عبر المضيق التي اتسمت بالهدوء مؤخرا،  مؤكدا رفض اليابان لأي حل غير الحل السلمي. صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

ما لم يشر إليه المسؤولون اليابانيون هو أن أحد دوافع بكين لإقرار هذا القانون هو إصرار اليابان والولايات المتحدة على تضمين تايوان، وهي أراضي صينية، في الاتفاق الأمني الأمريكي الياباني. صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

هذا يختلف عن موقف روسيا، التي تعاني هي الأخرى من مشكلة انفصال الشيشان، فقد سارعت موسكو بتأييد الصين والإعراب عن دعمها للقانون الصيني، مؤكدة أنها لا تستطيع تأييد استقلال تايوان وأن روسيا لا تعترف سوي بدولة واحدة للصين‏.‏صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

وقد توالى التأييد للقانون الصيني من دول كثيرة في العالم، ولكن الملاحظ أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ موقفا واضحا، ويرى بعض المراقبين أن صدور القانون في هذا التوقيت قد يؤثر في قرار الاتحاد الأوروبي برفع حظر بيع الأسلحة للصين، وهو القرار الذي يؤيده الثلاثة الكبار في الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وتعارضه بقوة الولايات المتحدة، في حين تعتبره بكين من مخلفات عقلية الحرب الباردة وأنه لا معنى لتحسن العلاقات الصينية الأوروبية في كافة المجالات مع الإبقاء على هذا الحظر.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

غير أنه بعيدا عن هذا التأويل  يحمل صدور قانون مناهضة الانفصال عددا من الدلالات غير الخافية، فهو تأكيد على جدية بكين في اتباع كافة الوسائل لمنع انفصال تايوان عنها،علما بأن الحكومة الصينية الحالية أو الحكومات السابقة لم تكن بانتظار تشريع قانوني من البرلمان حتى يتسنى اللجوء إلى الوسائل التي تمنع انفصال تايوان؛ ولكن صدور هذا القانون له سببان، كما يرى كثير من المحللين.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

الأول، أنه يعطى الشرعية القانونية للصين في حال استخدام وسائل غير سلمية طالما أن البرلمان يساند هذا العمل وبأغلبية مطلقة من نوابه.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

الثاني، أنه رسالة إلى دول العالم بصفة عامة وتايوان والولايات المتحدة واليابان بصورة خاصة، مفادها أن الصينيين جادون وأن تعهد الصين منذ أكثر من خمسين عاما باستخدام كافة السبل، مع عدم استبعاد الخيار العسكري يجب أخذه على محمل الجد، فهناك إرادة حكومية يؤيدها الشعب. كما أن المصادقة بالأغلبية المطلقة على القانون دون أي معارضة دلالة كبيرة على أن كل فرد في الصين لديه قناعة ذاتية بأن تايوان هي جزء من بلاده ومن ثم تصبح القضية وطنية تتعلق بأحد أقاليم الدولة.صادقة بالأغلبية المطلقة على القانون

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.