انطلاقة جديدة للتعاون الاقتصادي الصيني العربي

أن يلتقي أكثر من خمسمائة رجل أعمال ومسئول اقتصادي من الصين والبلاد العربية، ذلك حدث لا يخلو من مغزى، ليس فقط لأنه غير مسبوق في تاريخ العلاقات الصينية العربية، وإنما لأنه يعكس وعيا جديدا، صينيا وعربيا، بالقدرات الهائلة لهما في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثمارات المتبادلة، ويجسد بطريقة عملية إدراك الصين لأهمية المنطقة العربية؛ كسوق واعدة لمنتجاتها المتعاظمة حجما ونوعا ولصادراتها من الأيدي العاملة وموردا هاما وآمنا لاحتياجاتها من إمدادات الطاقة، وبخاصة النفط، التي تتزايد يوما بعد يوم. على الجانب العربي بات واضحا أن إدراك أهمية الصين كسوق هائلة لاستيعاب المنتجات والاستثمارات قد خرج عن نطاق الندوات والكتابات الصحفية ونداءات ذوي البصيرة إلى واقع فعلي لغته الأرقام والصفقات والمشاريع المشتركة.

إن انعقاد المؤتمر الأول لرجال الأعمال الصينيين والعرب في إطار منتدى التعاون العربي الصيني، والذي استضافته بكين منتصف الشهر الماضي، إبريل 2005، يؤرخ لمرحلة جديدة في العلاقات الصينية العربية، ويبشر بانطلاقة جديدة للتعاون الاقتصادي الصيني العربي، الذي شهد في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، ويكفي أن نشير إلى أن حجم التبادل التجاري الصيني العربي  في العام الماضي كان نحو 37 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع 25 مليار دولار عام 2003، أي أنه زاد بنسبة 44%، ولكن هذا الرقم لا يزيد على 2% من حجم تجارة الصين الخارجية، ولا يمثل سوى 5% من حجم التجارة الخارجية العربية، وهي نسب لا تنسجم مع عمق علاقات الطرفين على كافة المستويات. 

ولكننا نسجل أيضا أن ثمة زيادة ملحوظة في الوجود الاقتصادي لكل طرف لدى الطرف الآخر، فعدد مؤسسات المال والتجارة لكل من الطرفين لدى الطرف الآخر شهد تناميا كبيرا، ونشير هنا إلى نماذج لذلك، فقد افتتحت الصين مؤخرا أكبر مركز تجاري لتوزيع منتجاتها خارج حدودها في دبي، ولا يكاد يمر أسبوع إلا وهناك معرض تجاري صيني في هذه الدولة العربية أو تلك، ولا تنقطع زيارات وفود الترويج التجاري الصينية إلى الدول العربية. على الجانب الآخر هناك مكاتب تمثيل في الصين للعديد من مؤسسات المال والاقتصاد العربية في الصين، نذكر منها البنك الأهلي المصري والبنك العربي ومصرف التجارة الخارجية المغربي، ومكاتب لشركة أرامكو ومؤسسة النفط الكويتية، إضافة إلى العشرات إن لم يكن المئات من المكاتب التجارية والسياحية العربية في الصين .

لقد حظي لقاء رجال الأعمال برعاية حكومية من الجانبين الصيني والعربي، وهذا تعبير واضح عن توفر الإرادة السياسية لدفع التعاون الاقتصادي الصيني العربي، كما أنه تفعيل لمبدأ تتفق عليه الصين والدول العربية، وهو توظيف دبلوماسيتها لخدمة أهدافها الاقتصادية، اقتناعا بأن المصالح الاقتصادي توفر سياجا يحمي ويعزز العلاقات السياسية.