محتويات العدد 3 مارس (آذار) 2005 
م

وفاء الأبناء وشكوك الآباء!

حسين إسماعيل

 تؤكد الثقافة الصينية التقليدية على الأسرة، باعتبارها مكونا هاما، إن لم يكن الأهم، في بنية المجتمع، بل إن هذه الثقافة تُرجع القيمة الفردية للشخص إلى قيمته الاجتماعية وتؤكد على واجباته والتزاماته تجاه أسرته، بالمعنى الضيق الذي يشمل الوالدين والأجداد، وبالمعنى الأكثر شمولا الذي يضم المجتمع كله. ووفاء الأبناء لوالديهم، والزوج لزوجته والزوجة لزوجها قيم أساسية في الثقافة الصينية التقليدية، وهو وفاء قد يتجاوز أحيانا الحدود المقبولة، بمعايير العصر الحديث. ويكفي أن نشير إلى أن الزوجة الصينية كانت، إلى عهد قريب، لا تتزوج إن مات عنها زوجها، حتى وإن كانت في ريعان شبابها. وعندما بدأ هذا الموقف يتغير شاع تعبير أن المرأة الصينية تقول رجل واحد لا يكفي، الذي فهمه بعض العرب خطأ، كما جاء في كتاب: الصين معجزة نهاية القرن العشرين، لرئيس تحرير صحيفة الأهرام، إبراهيم نافع الذي فسر المقولة على أنها انفلات للمرأة الصينية التي لم تعد تكتفي بعلاقتها برجل واحد، في حين أن المعنى، لمن يعرف الثقافة الصينية، هو أن الزوجة الصينية بدأت تغير موقفها من البقاء بدون زواج إذا مات زوجها. وفي حديث الوفاء الأسري تقول الكتب إنه حين ماتت والدة حكيم الصين العظيم كونفوشيوس(551 - 469 ق. م ) وكان في الرابعة والعشرين من عمره وزوجا وأبا ظل يتردد علي قبرها‏ سبعا وعشرين شهرا انصرف خلالها عن زوجته‏، ويقال إن كونفوشيوس ربما يكون قد انشغل بزوجته الشابة وأطفاله الصغار عن بعض واجبات أمه عليه‏ ‏ فلما رحلت شعر بوخز الضمير وفعل ذلك تكفيرا عن ذنبه وانتهى به الأمر إلى طلاق زوجته بعد أربع  سنوات فقط من الزواج‏، واختصر أحد المؤرخين القصة في عبارة تقول‏:‏ ماتت أمه فطلق زوجته‏.لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سولمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو  

ولكن وفاء الأبناء تجاه والديهم، بالمعنى التقليدي الذي يعني إعالتهم والعناية بهم تحت سقف واحد راح يتآكل في الصين مع التغير الذي تشهده هذه ا لبلاد، فيما يراه البعض مؤشرا على تقدم المجتمع بينما يعتبره البعض ردة في القيم الاجتماعية الصينية.لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

الصحف الصينية نشرت دراسة قام بها البروفيسور ألكس كوان، من جامعة سيتي بهونغ كونغ، حول وفاء الجيل الجديد من الصينيين تجاه أهلهم، وقد جاءت نتيجة الدراسة محبطة، على الأقل للقائمين بها، فالصينيون، وفقا للدراسة، أمسوا يميلون إلى النهج الغربي في الاعتماد على المجتمع لرعاية الوالدين في الكبر. نحو 95% من الذين شملتهم الدراسة قالوا إنهم يتوقعون أن تتكفل الحكومة بمسئولية رعاية كبار السن، وقال 85% إن المجتمع ككل، وليس الأفراد، هو المنوط  بالمهمة. ولاحظت الدراسة أن المدن المتقدمة اقتصاديا، مثل شانغهاي وهونغ كونغ وقوانغتشو، متخلفة للغاية في أخلاقيات الوفاء لكبار الأسرة، في حين كان موقع بكين، المعروفة بالتماسك الأسري، أفضل في الوفاء للوالدين. وتقول الدراسة إنه على الرغم من أن الصينيين مازالوا يحترمون الآباء والأجداد فإنهم يميلون إلى استبدال الحب بالمساعدة المالية!لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

وعند سؤال الذين شملتهم الدراسة عن كيفية إظهار حبهم للكبار في أسرهم قال البعض إنهم سيرسلونهم إلى دور رعاية المسنين، وقال آخرون إنهم سيوفرون لهم المال. ويعلق البروفيسور كوان على هذه الإجابات بقوله إن مساعدة والديك ليس مثل تربيتك للحيوانات الأليفة!لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو 

إثنان في المائة فقط قالوا إنهم مستعدون لرعاية الصحة النفسية للوالدين.لمجتمع الصيني، وهي

وفي تقرير لصحيفة "تشينا ديلي" الصينية قالت إنه وفقا لدراسة ميدانية أجريت عام 2000، عشرون بالمائة من الكبار في الثلاثمائة وأربعين مليون أسرة صينية كانوا في سن الخامسة والستين أو أكثر، و23% من هؤلاء الكبار، أي 24 مليون عجوز، يعيشون في "أعشاش خالية"، وهو التعبير الصيني للبيوت التي يقيم فيها الفرد بمفرده. وقالت الصحيفة إن نسبة كبار السن الذين يعيشون في أعشاش خالية ستصل إلى ثمانين بالمائة بعد ثلاث سنوات!لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

البروفيسور كوان يعتقد أن شيخوخة السكان وتغير توجهات الصينيين إزاء الزواج عاملان رئيسيان يقفان وراء هذا التحول، وليس النمو الاقتصادي كما يرى كثيرون، فوفقا لتوقعات الجهات المعنية بالصين يزداد عدد المسنين بنسبة 6ر4% سنويا منذ عام 2000 إلى عام 2050، ويبلغ عدد المسنين فوق السبعين سنة حاليا 12 مليونا وسيرتفع الرقم إلى أكثر من 114 مليونا عام 2050. كما أن العديد من شباب الصين حاليا يفضلون عدم الإنجاب، بل عدم الزواج من الأصل، ومن ثم يصعب عليهم فهم مشاعر الجيل الأكبر سنا، والكلام للبروفيسور كوانغ.لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

والحق أن خيار قضاء الشيخوخة بعيدا عن الأبناء لا يقرره الجيل الجديد في كل الحالات، فبعض الآباء يفضل الاستمتاع بما بقي من العمر بعيدا عن العمل في خدمة الأحفاد في بيت العائلة، وحجة هؤلاء: أننا تعبنا كثيرا في نصف حياتنا، فلماذا لا نحتفظ بما تبقى من العمر لأنفسنا ونفسح المجال لأبنائنا في نفس الوقت. وتشير الأرقام إلى أن 45% من المسنين يختارون قضاء الشيخوخة في أسرهم، بينما يرغب 54% منهم الإقامة في دور المسنين!لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

المثير أن التحول الاجتماعي الهائل الذي تشهده الصين وهذا التآكل للقيم التقليدية والانفتاح الواسع والتغير الذي طرأ على العلاقات الأسرية في الصين أسفر عن ظاهرة جديدة هي تزايد عدد الصينيين الجدد الذي يشكون في أبوتهم للأبناء الذين يعيشون في حجورهم وهو ما أفضى إلى تزايد عدد المراكز التي تقوم بتحليل الحامض النووي DNA وعدد الذين يترددون عليها لتأكيد أن أبناءهم من أصلابهم، شكا في إخلاص الزوجات! ففي عام 2004 أجرى مركز فحص الأبوة بالعاصمة الصينية مائتي اختبار تأكيد أبوة، وهو رقم يزيد 30% عن الرقم في العام السابق. الظاهرة أكثر شيوعا في المناطق الأكثر ازدهارا اقتصاديا مثل شانغهاي وقوانغتشو وشنتشن بمقاطعة قوانغدونغ، جنوب شرقي الصين. فقد أجرى مركز فحص الأبوة في شنتشن، معجزة الصين الاقتصادية، ألف اختبار فحص أبوة عام 2004. في شانغهاي، أكبر مدينة صينية سكانا، يوجد ثلاثة مراكز لفحص الأبوة، منها معهد شانغهاي لعلوم وتكنولوجيا المستقبل الذي أجرى ألف اختبار أبوة العام الماضي. ومعظم الذين يتقدمون بطلبات لإجراء الاختبار هم الأزواج، وتبلغ نسبتهم 95% في مركز شانغهاي للدم، كما أن بعض السيدات الحوامل يطلبن إجراء فحص للجنين، فإذا ثبت أنه من صلب الزوج أُبقي عليه وإذا ثبت أنه ابن لشخص غير الزوج أُجهض الحمل، تجنبا للمشاكل!  اللافت أن معظم الذين يقومون بإجراء هذا الاختبار الذي يتكلف في المتوسط مائتين وخمسين دولارا أمريكيا، من المتعلمين تعليما راقيا. ويجرى الاختبار بقطرة دم أو شعرة من الابن المشكوك فيه. ويؤكد القائمون على الفحص على أن دقة هذا الاختبار تبلغ مائة في المائة، ذلك أن الخطأ فيه يعني دمار أسرة. ووفقا للطبيبة هو لان، من مركز تدقيق الأبوة بوزارة الأمن العام الصينية، ثبت أن تسعين بالمائة من الآباء الذي أجروا الاختبار في مركزها، شكا في أبنائهم، هم بالفعل الأباء الحقيقيون لهم. أما في مركز شانغهاي للدم فكانت نسبة الآباء الذين ثبتت أبوتهم لأطفالهم أقل، حيث لم تتجاوز 80%. في تحليله لهذا التوجه يقول البروفيسور وانغ وي هاي، الأستاذ بجامعة فودان في شانغهاي إن ضياع الإخلاص بين الزوجين يساهم كثيرا في الحاجة إلى فحص الأبوة، وقال إن عدد الأزواج الذين يشكون في خيانة زوجاتهم يتزايد كثيرا في السنوات الأخيرة، فمعظم الزوجات سيدات عاملات مهنيات متخصصات لديهن فرص أكثر للتعامل مع رجال آخرين وتغيير  محل العمل والقيام بسفريات عمل طويلة، وهو ما يؤدي إلى شك الزوج في سلوك زوجته.لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

البعض يطالب بالتعامل بحذر شديد مع فحص الأبوة لما ينجم عنه من خلافات  أسرية يكون الأطفال ضحيتها. ويقول لي باي تشين، من مصلحة العدل شانغهاي إن القانون الصيني ينص بوضوح على أن الأطفال سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين يتمتعون بحقوق متساوية.لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

إنها ظواهر جديدة ضمن فيض من التغيرات التي يشهدها المجتمع الصيني، وهي تغيرات سوف تستمر.

مرحبا على المقهى الإلكتروني!لمجتمع الصيني، وهي تغيرات سو

huseinismail@yahoo.com         

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.