شتاء بكين

يبدو أن مقولة: "الذي يولد في الشتاء يرتعد من البرد"، التي رددها الصينيون قديما لا تخلو من صدق. فأنا، المولود في عمق الشتاء يرهبني البرد، وأتوجس هلعا كلما اقترب هذا الفصل ذو اللون الأبيض الفضي.من ذاكرتنا، ويجمع ال

في عاصمة الصين، فصول السنة الأربعة واضحة تمام الوضوح. شتاؤها برده قارس، يناسب حيوانات القطب الشمالي التي تقضي الشتاء في الكهوف، أما المخلوقات التي تعتاد الدفء فعليها أن تبحث عن ملاذ آخر. رياح شتاء بكين قاسية، وكأنها آتية من مجمد، تلفح وجوه البشر مثل عواصف الثلج. لا مفر من إحكام أكوام اللباس فوق الجسم من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين. وبرغم ذلك لا تعدم رؤية الأنوف والأفواه وقد احمر لونها. وإذا اجتهدت في أخذ نفس عميق نفذ البرد القارس إلى كل جسمك عابرا الأنف والفم والحنجرة؛ فلا شيء من الأحشاء ينجو من البرد.من ذاكرتنا، ويجمع ال

الثلج رمز الشتاء. اليوم الذي يمر بدون ثلوج ليس شتاء حقيقيا. الثلج أكثر خفة ورشاقة من المطر وأكثر شفافية من الضباب. ولا نملك أمام ذلك إلا أن نعجب لهذه الطبيعة العظيمة. الهيدروجين والأكسيجين يتجمعان في أنهار وبحار أو يطيران طليقين في الهواء، ولكنهما يتحولان إلى بلورات سداسية ناصعة البياض في هذا الفصل. البلورات تركب الرياح وتتساقط بهدوء، وكأنها قادمة من عالم آخر.من ذاكرتنا، ويجمع

في الشتاء يطول الليل ويقصر النهار ويسود الظلام مبكرا ويعود الناس من العمل تحت قبة القمر والنجوم. من ضرورات شتاء بكين القبعة والقفاز والحذاء المبطن. ولما كانت درجة الحرارة في بكين تهبط شتاء إلى ما دون الصفر فإن الثلوج عندما تسقط تصير جليدا بمجرد أن تتراكم في الشوارع، فتجعل الخروج من عتبة الدار مغامرة غير محسوبة، ولا مفر من لزوم البيت.من ذاكرتنا، ويجمع ال

ولكن الشتاء له نشاطاته التي لا يمكن لها أن تكون في غيره من فصول السنة، مثل الانزلاق على الجليد ومشاهدة مصابيح الجليد الخ، كما يتمتع سكان العاصمة بمأكولات شتوية خاصة ومنها البطاطا المشوية وذلك الزعرور الأحمر المحلى بالسكر المسمى تانغهولو وغيرهما من لذيذ أطعمة الشتاء. من ذاكرتنا، ويجمع ال

الربيع قصير مراهق، يصيب الناس بالتوتر. الصيف طائش صخب مشحون بالإغراء والرغبة. الخريف واقعي للغاية يلجم الخيال ويحد الأفق. أما الشتاء بثلوجه المتساقطة فرائع هادئ. إنه نهاية طور وبداية طور جديد. فيه نتأمل الماضي ونفكر في الحاضر ونتطلع إلى المستقبل بقلب معتدل وذهن متزن.من ذاكرتنا، ويجمع ال

لقد اعتدنا مواجهة العالم الصاخب المزدحم، وأرهقتنا الألوان. الشتاء كأس من الشاي الخفيف يجذبنا إلى عالم هادئ، يجمد الصغائر فتُمحى من ذاكرتنا، ويجمع النفائس في تلك البلورات السداسية ويغرسها في أعماق قلوبنا. تحت الثلج المتساقط نسير غير مبالين، نستعيد طفولتنا الصافية كالثلج. رغم أنني أخاف البرد، أحب الشتاء الذي يأتينا بالسلام. من ذاكرتنا، ويجمع ال