محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) ‏2005‏
م

الفئة الوسطى في الصين

حسين إسماعيل

بداية ينبغي أن يكون واضحا أن مصطلح "الطبقة" ليس له شعبية في الأدبيات الصينية، ولهذا تستخدم مصطلحات من قبيل "الفئة الوسطى"، "فئة ذوي الدخل المتوسط"، "مجموعة الدخل المتوسط"، وما إلى ذلك. غير أن الحديث عن "الطبقة" في الصين لم يعد قاصرا على أجهزة الإعلام وإنما بات شاغلا للدوائر السياسية، ولم يعد مفهوما مجردا لعلم الاجتماع وإنما قوة دافعة يمكن أن تعيد تشكيل المجتمع.البيئة الاج

البعض، وأنا منهم، يزعم أن الطبقة الوسطى في المجتمع، أي مجتمع، مثلها مثل لاعب خط الوسط في فريق كرة القدم، هي حزام ظهر المجتمع، فإن كانت قوية متينة حافظت على ترابط المجتمع وتماسكه، وإن اضمحلت وتضعضعت ترهل المجتمع وأصبح معرضا  للانهيار. تماما مثلما يلعب فريق كرة قدم بخط وسط ضعيف فيفتقر إلى التماسك بين هجومه ودفاعه، بين المقدمة والخلف. وفي المجتمع يزيد البون بين الفقراء جدا والأثرياء جدا، ويزيد التطرف لضعف أو عدم وجود "الوسط" الذي يمثل الاعتدال في كل شيء، فالطبقة الوسطى هي الفئة من المواطنين ذوي الدخل الثابت، والذين يمتلكون القدرة على شراء المساكن والسيارات وتحمل تكاليف التعليم. إنهم ليسوا أثرياء من ذوي الملايين ولكنهم ليسوا فقراء يسألون الناس إلحافا. ليس لديهم دوافع عدم الاستقرار أو التطرف، لديهم ما يخافون عليه، فظهرهم ليس إلى الحائط. البيئة الاج

بعيدا عن هذا الجدل النظري، هذه المجموعة من الناس هي بالضبط ما تضع الشركات الدولية عينها عليها، والسبب هو أن الصين، يا أيها السادة، بها مليار وثلاثمائة مليون فم وبدن وقدم، وبحسبة بسيطة، عندما ينتمي ربع هؤلاء إلى مجموعة الطبقة الوسطى فإن سوقا قوامها 350 مليونا تفتح، ولعل هذا ما يفسر عرض العديد من المتاجر لمنتجات تحمل العلامات التجارية لكرستيان ديور وأرمني وشانيل وغيرها. وقد أعلنت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في تقرير لها أواخر العام الماضي أن نحو 20% من الصينيين يصنفون ضمن الطبقة الوسطى، وبالأرقام نحو 270 مليون إنسان، أي ما يوازي إجمالي سكان الاثنتين وعشرين دولة عربية! وحسب تقرير الأكاديمية، وهي بيت خبرة فكري في الصين، سيكون 40% من الصينيين ضمن الطبقة الوسطى، بناء على تقدير الأكاديمية بأن الأسرة التي تبلغ ممتلكاتها من 18 ألف إلى 36 ألف دولار تنتمي إلى الفئة الوسطى. بنك بي إن بيه باريباس الفرنسي يقدر عدد أفراد الطبقة الوسطى في الصين بخمسين مليونا عام 2002، ويتوقع أن يرتفع الرقم إلى مائة مليون عام 2010. تقديرات الأكاديمية والبنك متباينة، ولكنهما يتفقان على أن توجه الزيادة في  أفراد الطبقة الوسطى قادم لا محالة.البيئة الاج

اقتصاديا، توسع الطبقة الوسطى يعني بالنسبة للصين حفز الطلب الاستهلاكي المحلي والمزيد من التنمية السليمة المتواصلة للصين، فمتوسط الإنفاق الاستهلاكي في الصين هو 50% تقريبا مقارنة مع المتوسط العالمي وهو 78%. هذه الفئة التي ينظر إليها كرمز لنضج المجتمع، توسعها يقود إلى التنمية الاجتماعية، فهي أكثر عوامل الاستقرار في أي مجتمع، فهي الفئة التي تخفف الصدام بين الفئة العليا والفئة الدنيا، ووجود الفئة الوسطى ييسر عملية الحراك الاجتماعي للأفراد بارتقاء السلم الاجتماعي.البيئة الاج

ولكن من هم ممثلو الطبقة الوسطى الجديدة في الصين حاليا؟ البيئة الاج

هناك خمس فئات يمكن إدراجها في تصنيف الطبقة الوسطى بالصين، هي، رجال الأعمال الذين يديرون شركات تعمل في مجال التكنولوجيا العالية؛ المدراء في الشركات الأجنبية العاملة في الصين؛ المدراء من المستوى المتوسط والعالي في المؤسسات المالية الصينية المملوكة للدولة، التقنيون المتخصصون في مجالات عديدة وبخاصة في شركات الوساطة، وبعض رجال الأعمال الذين يديرون أعمالا خاصة محدودة.البيئة الاج

غير أنه ليس هناك اتفاق في أوساط النخبة المثقفة الصينية على هذا التصنيف، بل  إن ثمة تحذيرات من المبالغة في تقدير الطبقة الوسطى في الصين. في حديث لمجلة تشينا نيوزويك  أكدت الباحثة لي تشون لينغ، من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن ما يسمى بالطبقة الوسطى في الصين لا شيء، وإنما وهم وفقاعة اختلقتها أجهزة الإعلام. البيئة الاج

هذه الباحثة قامت مع فريق بحث في عام 2001 بدراسة شملت 5860 شخصا بين سن السادسة عشرة والسبعين في بكين، شانغهاي، تشجيانغ، شاندونغ، قويتشو، ومنغوليا الداخلية، أي أنها غطت مناطق الصين المتقدمة والنصف متقدمة والمتخلفة. الدراسة وضعت أربعة معايير لتحديد انتماء الفرد إلى الطبقة الوسطى، وهي المهنة، الدخل الشهري، الإنفاق وأسلوب الحياة وأخيرا الهوية الموضوعية. الدراسة كشفت عن أنه من بين المليار والثلاثمائة مليون صيني في البر الرئيسي يوجد ثلاثون مليونا فقط تتوفر فيهم هذه المعايير. لقد ظهر مفهوم الطبقة الوسطى بالصين في منتصف تسعينات القرن الماضي، فكيف يصنف عدد كبير من الصينيين أنفسهم ضمن الطبقة الوسطى. تتساءل السيدة لي، التي تحذر من أن التطلعات الزائفة للتنمية الاجتماعية قد تلقي بظلالها على مشاكل ضاغطة بالفعل مثل الفجوة التي تتزايد بين الدخول وارتفاع نسبة البطالة بسرعة عالية.    البيئة الاج

والحق أن هذا التحذير  حقيقي، فالفجوة بين الأثرياء والفقراء، أفرادا ومناطق، تتزايد بشكل كبير بعد ما يزيد على عقدين من انتهاج الصين لسياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على الخارج. وتقول الأرقام الصينية إن معامل جيني، وهو المعامل الدولي لقياس التفاوت في الدخل، وصل في الصين 0,39 أي يقترب من مستوى التحذير الدولي وهو 0,4. والصين مازال بها ثلاثون مليون فرد يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وهو ما يعني أنهم لا يتوفر لهم طعام كاف أو لباس دافئ أو مسكن. والمدن الصينية بها ما لا يقل عن عشرين مليون مقيم معوز.البيئة الاج

و الصين بها نحو ثمانين مليون فلاح يمثلون 70% من إجمالي السكان، وهؤلاء الفلاحون مازالت دخولهم منخفضة وقدرتهم الشرائية ضعيفة. في عام 2003 زاد متوسط دخل الفلاح الصيني بنسبة 4,3% ليصل إلى ما يعادل 317 دولار في السنة!البيئة الاج

بعض الباحثين الصينيين، ومنهم عالم الاجتماع لي بي لين، يربطون ظهور الطبقة الوسطى كتيار رئيسي في المجتمع بعدد من الشروط، ومنها أن يصل معدل سكان الحضر في البلاد إلى أكثر 50% من إجمالي السكان. النسبة الحالية أقل من 40%. وأن يصل ناتج صناعة الخدمات إلى أكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي. النسبة الحالية 32%. ويقول البروفيسور لي إن الظروف الاجتماعية والسياسية في الصين تحد من نمو الطبقة الوسطى، وإجمالا مازالت البيئة الاجتماعية- الاقتصادية في الصين في المرحلة الأولية المؤهلة لظهور الطبقة الوسطى، وسوف يكون من الصعب أن تصبح الطبقة الوسطى العمود الفقري للمجتمع. 

husseinismail@yahoo.comالبيئة الاج

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.