محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) ‏2005‏
م

المسلمون الصينيون في عهد أسرة يوان المنغولية

محمود يوسف / لي هوا ينغ

دق الإسلام باب الصين قبل أكثر من 6 قرون من استيلاء المنغول على مقإليد السلطة في الصين سنة 1271م. وتفيد المصادر التاريخية الصينية بأن أول مبعوث من قبل الخليفة الراشد عثمان بن عفان قد زار تشانغآن عاصمة الصين آنذاك في سنة 651م، حيث قابل الإمبراطور الصيني وعرض أحكام الإسلام عليه إلى جانب سرده أحوال بلاد العرب على مسامعه. فأجمع المؤرخون الصينيون على أن وصول مبعوث الخليفة عثمان بن عفان هذا إلى الصين هو علامة لدخول الإسلام إلى البلاد.. وإثر ذلك تقاطر المبعوثون العرب على الصين 86 مرة خلال اكثر من 600 سنة من سنة 651 إلى تأسيس إمبراطورية يوان المنغولية حسب ما ورد في التدوينات التاريخية الصينية. وفي ظل ذلك شهدت الصين جماعات وجماعات من المسلمين العرب والفرس، وهم يأتون إليها حاملين معهم العطريات والعقاقير واللآلئ والكهرمان إيابا، ويغادرون شاحنين الشاي والحرير والخزفيات ذهابا. وكان من ضمن هؤلاء التجار الوافدين عدد ممن استوطنوا الصين وتناسلوا فيها جيلا بعد جيل. ولكن جرت العادة على تسميتهم” فان كه" (الضيوف من الجاليات) وتسمية مركزهم السكني” فانفانغ" (مركز الجاليات)، وهوشكل تنظيمي للمسلمين في الصين قبل تأسيس إمبراطورية يوان المنغولية. وقد عرفنا من "رحلة سليمان السيرافي" وغيره من الكتب التاريخية انه كان لكل مركز"فانفانغ" شيخ فاضل تم انتخابه من بين الجاليات الإسلامية على وجه العموم. وكان من المفروض عليه أن ينال موافقة البلاط الإمبراطوري الصيني. وكان أهم وظائف هذا الشيخ هورعاية الشؤون الدينية وتسوية النزاعات بين المسلمين داخل ”فانفانغ" في حالة عدم تدخل الحكام الصينيين في الأمر عموما. وإذ علق سليمان السيرافي على قضاء شيخ ”فانفانغ" في قوانغتش وقال: إن قضاءه متفق ومبادئ القرآن الكريم والشريعة الإسلامية. وكان لكل”فانفانغ" دار لليتامى ومقبرة عامة للمسلمين إلى جانب مسجد مفتوح الأبواب ليل نهار ضمانا لممارسة المسلمين عباداتهم .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

  وعلى الرغم من أن كثيرا من الجاليات الإسلامية استوطنوا الصين وصار لهم ذرية متعددة الأجيال عبر تناسلهم في البلاد على مدار مئات السنين إلا انهم ظلوا غرباء في نظر الصينيين قبل تأسيس إمبراطورية يوان المنغولية. وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على انهم لم يثبتوا أقدامهم في الصين على كر العصور. ومع ذلك فإن عدد الصينيين الذين اعتنقوا الإسلام ليس بالقليل. وبالإضافة إلي عدد قليل من سكان المناطق الداخلية من الصين أسلموا عن رضا ورغبة إعجابا بالتعاليم الإسلامية الجليلة وخصال الجاليات الإسلامية الحميدة فقد اهتدت أعداد كبيرة من أبناء الويغور القاطنين في منطقة شينجيانغ، في الفترة بين أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر. وعبر انتشار الإسلام في هذه المنطقة النائية ردحا من الزمن حل محل البوذية التي كانت سائدة فيها، حتى قبل تأسيس إمبراطورية يوان المنغولية. هذا ما جعل قومية الويغور في شينجيانغ تتحول إلى أول قومية مسلمة في الصين وهي تشكل مع قومية هوي المسلمة التي تكونت بعد تأسيس إمبراطورية يوان قواما للمسلمين الصينيين المعاصرين. ولذلك فقد انبثق من قومية الويغور كثير من فحول علماء الإسلام الصينيين القدامى، ومن ضمنهم العالم الكبير الشيخ محمود الكاشغري (من مولود سنة 1008 م) مؤلف قاموس اللغة التركية المعروف والشاعر المرموق المكانة يوسف خاص حاجب (من مولود سنة 1018) كاتب ملحمة ((قوتاد غوبيليك)) (علم السعادة) ذات التأثيرات العالمية .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

أحوال المسلمين في الصين بعد تأسيس إمبراطورية  يوان المنغولية ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

بعد سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية في أيدي الجحافل المنغولية غرق أهالي آسيا الوسطى والغربية في هاوية من الظلمات نتيجة لمعاناتهم من التدميرات الاستراتيجية المنغولية. وفي كنف ذلك غادرت أعداد كبيرة من المسلمين المحليين ديارهم إلى الصين بتجنيد من القوات الغازية فلم يجدوا مفرا من خوض غمار القتال في كل مكان وصلت إليه القوات المنغولية أيام تأجج نيران الحرب، وممارسة الإنتاج الزراعي والرعوي في نظام عسكري بعد أن وضعت الحرب أوزارها. وجدير بالذكر أن المسلمين المجندين من قبل الجحافل المنغولية كانوا ينتظمون في كثير من المعسكرات المستقلة المعروفة باسم معسكرات هوي هوي (أي معسكرات المسلمين) تيسيرا لإعداد المأكولات والمشروبات حسب الشريعة الإسلامية. ولكن من اللازم على معسكرات هوي هوي أن تنظم في القوات المقاتلة أو المرابطة في كل مكان لئلا تشكل قوة مهددة للحكم المنغولي. وما إن تسرح هؤلاء العسكريون المسلمون عن كثب بعد انطفاء نيران الحرب حتى تحولت مقار معسكراتهم إلى قرى أو شوارع خاصة بهم. هذا هو سر انتشار المراكز السكنية للمسلمين في المناطق الداخلية من الصين بصورة مبعثرة حتى زماننا هذا. والطريف هو أن هناك كثيرا من شوارع المسلمين أو قراهم ظلت تحمل اسم "هوي هوي ينغ" (معسكرات هوي هوي) حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من أنهم كانوا يحنون إلى أرضهم وأهلهم بشوق شديد وهم في الظروف الغريبة بالنسبة لهم إلا أنهم يئسوا نهائيا من العودة من حيث أتوا بسبب حرمانهم من حقوق الإنسان من جهة وبسبب عدم توفر سبل لهم للعودة من جهة أخرى. فلم يكن لهم خيار إلا استيطان الصين اضطرارا. ومن هنا أصبحوا مواطنين صينيين سواء كانوا راغبين في ذلك أم لا. ولكن كان هناك احتمالان بالنسبة إليهم وهم إما يذوبون في محيط من غير المسلمين مع مرور الأيام وإما يستمسكون بالعروة الوثقى باستمرار. ويعتبر ذلك امتحانا خطيرا لهم إذا صح التعبير. ولكنهم اجتازوا هذا الامتحان الصارم بنجاح نتيجة لالتزامهم بالتعاليم الإسلامية نصا وروحا في الظروف الشاقة للغاية ويشددون على أنفسهم في الأقوال والأفعال مما ضرب مثلا لبني وطنهم من غير المسلمين. وبفضل جهودهم وحسن العلاقات بينهم وبين بني وطنهم من غير المسلمين دخل الإسلام في الصين إلى مرحلة متصاعدة بأعجوبة! ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

يتمثل ذلك في ازدياد عدد المسلمين في النقاط الثلاث التاليةومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

أ - ازدياد عدد المسلمين في الصين ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

تفيدنا المعلومات التاريخية بأن الصين قد صار لها عدد ليس بالقليل من المسلمين قبل تأسيس إمبراطورية يوان المنغولية ولكنهم كانوا ينقسمون إلى نوعين يقصد بأحدهما المسلمون الوافدون في الفترة بين سنة 651 م وسنة 1271م، ويشار بالآخر إلى المسلمين المحليين ألا وهم أبناء قومية الويغور في شينجيانغ كما سلف ذكرهم آنفا. ولكن كل ما استطعنا أن نعرفه هو أن عدد المسلمين الوافدين من أبناء بلاد العرب والفرس وسائر البلدان في آسيا الوسطى إلى الصين في عهد الإمبراطورية المنغولية أكبر من عدد المسلمين الوافدين إلى الصينيين قبل تأسيس هذه الإمبراطورية بكثير دون أن نعرف عددهم بالضبط لعدم توفر الإحصاء الدقيق له. ولكن المسلمين في إمبراطورية يوان المنغولية لم يكونوا مقصورين على أبناء الجاليات الإسلامية في عهد أسرتي تانغ وسونغ والعسكريين المجلوبين إلى الصين بتجنيد من الجحافل المنغولية وذريتهم وسكان شينجيانغ الذين اهتدوا بالإسلام فقط بل يشملون كثيرا من المسلمين الجدد ومنهم أبناء قومية منغوليا والقوميات الصينية الأخرى. ويعزى الفضل في ذلك إلى حظوة الإسلام بالشعبية الواسعة في كل مكان أيا كان أولا، وإلى معقولية السياسة الدينية المتبعة في الإمبراطورية ثانيا. ولإيضاح الموضوع يسرني أن ألقي قليلا من الضوء على موقف الحكام المنغول من مختلف الأديان بما فيها الإسلام .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

لقد سبق للحكام المنغول أن حملوا المسلمين على ذبح الأنعام من بطونها اتباعا للتعاليم السامانية , وأجبروهم على الانصراف عن ذبحها عن طريق قطع رقابها مما سبب كثيرا من الصدامات بين الطرفين. ولكن الوضع قد تغير لصالح المسلمين بسرعة:ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

فيما كانت الجحافل المنغولية تسير من نصر إلى نصر في أوائل القرن الثالث عشر قال جنكيزخان لمرءوسيه بوضوح "إياكم والميول إلى أي دين من الأديان ومن اللازم أن تعاملوا أتباع مختلف الأديان على قدم المساواة. ومن اللازم أن تتمسكوا بالتعاليم السانمانية المتوارثة بيننا جيلا بعد جيل." وذلك خوفا من عدولهم عن دينهم الأصلي إلى الأديان الأخرى، ومن إثارة الفتن بين أتباع مختلف الأديان. ولكن تعاليم جنكيزخان هذه لم تطبق كما يجب لأن المنغول الأقوياء عسكريا آنذاك لم يستطيعوا أن ينتصروا على القوميات المتقدمة ثقافيا فحسب بل ذابوا فيها بالتدريج. والدليل على ذلك أن العديد من الأمراء المنغول الموجودين في آسيا الوسطى التي كان الإسلام سائدا فيها قد اهتدوا بالإسلام بينما كان الحكام المنغول الذين استولوا على مقاليد السلطة في الصين قد عدلوا عن السامانية إلى البوذية التي كانت سائدة فيها. ومع أنهم كانوا يفضلون البوذية في الصين فأنهم لم يبعدوا الإسلام والمسيحية واليهودية بدليل من أنه عندما كان الإمبراطور قوبلاي خان يحضر إلى الطقوس المسيحية تلبية للدعوة الموجهة إليه اعترف علانية بأن هناك أربعة أنبياء معظمين ومن ضمنهم موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام إلى جانب ساكياموني مؤسس البوذية التي فضلها الحكام المنغول على سائر الأديان . ونظرا لأن السياسة الدينية المتبعة في إمبراطورية يوان المنغولية كانت مستنيرة فقد اهتدت أعداد من الحكام المنغول بالإسلام عن رضا ورغبة. وخير دليل على ذلك أن الأمير آناندا قد اسلم منذ طفولته متأثرا بالظروف المحيطة به. وعرفنا من "تاريخ منغوليا" بقلم دوسونDOHSSON)) أنه كان متدينا إلى درجة أنه واظب على إقامة الصلوات وترتيل الآيات القرآنية في المسجد وتدرب على الخط العربي وأمر بإجراء عمليات الختان للأطفال المنغول. وليس هذا فحسب بل بذل جهوده للدعوة إلى الإسلام في القوات المرابطة في تانغوو(منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي اليوم) بصفته واليا عليها. وبفضل جهوده أسلم معظم أفراد قواته المكونة من 150 ألف فرد. وحيال ذلك اتهمه وكيله إلى الإمبراطور بأن فرط جهاده في سبيل الإسلام غير متفق مع هويته فأرسل الإمبراطور رجلين إليه لمنعه من ذلك ولكنه لم يعر لهما أذنا صاغية بل ظل يعمل كما يشاء. والطريف من ذلك هو أن البلاط الإمبراطوري سامحه في الأمر. وخلاصة القول إن إسلام الحكام المنغول من أمثال الأمير آناندا على هذا النحو كان قد ترك أثره الكبير في توسيع صفوف المسلمين في الصين .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا

وحيث أن المسلمين آنذاك دائما ما كانوا أناسا يشار إليهم بالبنان في الأمانة والمعاشرة والإيثار والإحسان والنظافة فقد كان هناك عدد كبير من جماهير الشعب الصيني غير المسلمة دخلوا في دين الله إعجابا بخصالهم الحميدة والتعاليم الإسلامية الطيبة. ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

وإضافة إلى ذلك فقد كان هناك عدد لا يستهان به من غير المسلمين (من الذكور والإناث) انضموا إلى صفوف المسلمين بسبب إقامة علاقات الزواج بين المسلمين والمشركات وبالعكس اتباعا لقوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون" (سورة البقرة/ 231).. ويعتبر ذلك عاملا هاما لازدياد عدد المسلمين في الصين آنذاك. وعلى الرغم من أن المسلمين آنذاك كانوا ينتمون إلى مختلف القوميات في الأصل إلا أن معتقداتهم الدينية المشتركة كانت عاملا لذوبانهما في كيان قومي واحد معروف باسم "قومية هوي" _(وهي ثاني قومية مسلمة في الصين من حيث تاريخ ظهورها ولكنها هي أكبر قومية مسلمة صينية من حيث عدد أفرادها) بعد زوال الفواصل القومية والدينية فيما بينهم مع مرور الزمان. وفي ظل ذلك توسعت صفوف المسلمين في الصين آنذاك توسعا لم يكن له مثيل أبدا وحتى ليقال "في عهد أسرة يوان يعم هوي هوي (أي المسلمون) كل أنحاء الصين" حسب ما ورد في التدوينات التاريخية.. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن الإسلام في الصين آنذاك لم يعد غريبا كما كان عليه سابقا .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

ب - توسع تأثيرات المسلمين في الصين ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

لا يخفى على الحكام المنغول أن تنسيق العلاقات القومية سوف يؤدي إلى تقوية مكانتهم في الحكم. هذا وقد نهجوا سياسة قومية معقولة نسبيا وهي تتمثل في تنصيب الأكفاء بصرف النظر عن قوميتهم وعقيدتهم الدينية وجنسيتهم الأصلية. هذا جيد. ولكنهم لا يسمحوا لأبناء قومية هان (أكبر قومية في الصين) أن يتولوا مناصب الرؤساء في الدوائر الحكومية والعسكرية خوفا من تمردهم. زد على ذلك أنهم وضعوا أنفسهم في المقام الأول، ووضعوا قومية هان في المقام الثالث. وعلى الرغم من أن المسلمين الصينيين كانوا أدنى من المنغول من حيث مكانتهم الاجتماعية ولكنهم أعلى من أبناء قومية هان الذين يمثلون نسبة عظمى في الصين مرتبة. هذا ما جعلهم يجدون معاملة جيدة في اجتياز الامتحان الإمبراطوري وتولي المناصب الحكومية والعسكرية والخضوع للعقوبات الجنائية وامتلاك السلاح .. الخ. وفي ظل ذلك الحكم كان هناك عدد ليس بالقليل من المسلمين تولوا المناصب الهامة في الدوائر المركزية والحكومات المحلية. وقد عرفنا في التدوينات التاريخية الصينية أن عدد المسلمين الذين ارتقوا إلى مراكز الوزراء وولاة المقاطعات في ذلك العهد قد بلغ 49 شخصا إلى جانب المزيد من المسلمين الذين تولوا مناصب ولاة المحافظات. وكان لارتقاء هذا العدد الكبير من المسلمين إلى المراكز العالية تأثيرات في تهيئة الظروف المؤاتية لتطور الإسلام في الصين بطبيعة الحال بدليل أن هذا الدين الحنيف كان موضع اهتمام الحكام المنغول شأنه شأن سائر الأديان تماما. فلا غرو أن علماء الإسلام كانوا يتمتعون بالحماية القانونية ويعفون عن الضرائب وأعمال السخرة. زد على ذلك انه قد تم تأسيس أكاديمية هوي هوي الإمبراطورية سنة 1269م وصيدلية عقاقير هوي هوي سنة 1292م. ومما يستحق الذكر بصورة خاصة أنه تم تأسيس دار القضاء الإسلامي في الحكومة المركزية لأول مرة سنة 1311م وأعيد بناؤها للمرة الثانية في سنة 1328م. وخلال وجود دار القضاء هذه كان القاضي المسلم مسؤولا عن معالجة دعاوى المسلمين وتسوية النزاعات فيما بينهم. ومع أن الأجهزة المماثلة لها كانت موجودة في عهد أسرة تانغ وسونغ إلا أن قضاءها الإسلامي كان ساري المفعول في منطقة الجاليات الإسلامية فقط. أما القضاء الإسلامي في عهد أسرة يوان فقد طبق على جميع المسلمين في كل أنحاء الصين. ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

وحيث أن المسلمين لا غنى لهم عن المساجد فما إن دخل الإسلام إلى الصين حتى ظهرت مساجد فيها ولكنها كانت تتناثر في المدن على امتداد السواحل البحرية فقط. أما في عهد أسرة يوان المنغولية فقد شيدت أعداد كبيرة من المساجد في طول البلاد وعرضها. ومع أن ما بقي من المساجد المشيدة أو المعاد بناؤها في عهد يوان صارت قليلة إلا أن الكتابات المنقوشة على الأنصاب الصخرية في مسجد دينغتشو بمقاطعة خبي هي صورة مصغرة للمساجد في ذلك العهد. وحيث أن الكتابات المنقوشة على الأنصاب الصخرية السالفة الذكر هي الأقدم من المعلومات الخاصة بالمساجد في الصين فمن اللازم أن أورد خلاصتها فيما يلي:ومع ذلك

يوجد في دينغتشو مسجد قديم لا يعرف متى شيد بالضبط ولكن من المؤكد أنه يعود في تاريخه إلى عهد يوان على الأقل لأن الكتابات المنقوشة على أنصابها الصخرية تفيدنا علما بعمليات إعادة بنائه وتوسيعه في ذلك العهد. لأن الكتابات المنقوشة على نصب يعود إلى سنة 1348م تزودنا بالمعلومات التالية: في يوم من الأيام سنة 1343م سأل الجنرال بو المرابط في دينغتشو أتباعه قائلا: "نحن من المؤمنين بالله فيجب علينا أن نعبده ..هل في هذه الناحية مسلمون يؤمنون بالله ويقيمون الصلاة؟" فأجابه أحدهم بقوله: "المسلمون ينتشرون في كل أنحاء البلاد بوجه عام وفي هذه المنطقة بوجه خاص. وهم يقيمون الصلاة في أوقاتها المحددة .. يمكنكم أن تجدوا مسجدا معروفا باسم / لي باي سي / (دار الصلاة ) إلى الغرب من الحكومة المحلية وهو مكان يقيم فيه المسلمون المحليون صلاتهم، ويسلمون على رسوله تسليما. ولكنه مقصور على ثلاث غرف .. وليس هناك أحد يعرف متى شيد بالضبط. وحيث أنه لا يتسع للمزيد من المصلين بسبب صغر حجمه فقد راودتهم الرغبة في توسيع بنائه منذ عشرات السنين، ولكن ظروفهم المالية كانت تحول دون تحقيق آمالهم، وها انتم من المسؤولين عن حماية هذه البقعة فهل لديكم رغبة في مساعدتهم في الآمر؟" فما لبث الجنرال بو أن وضع الأمر نصب عينيه وتبرع بمائة تايل (وحدة نقدية تساوي 33ر1 أونس تقريبا) من الذهب ودعا المسلمين المحليين إلى التبرع بالأموال حسب قدراتهم لهذا الخصوص. وبعد تنفيذ المشروع تم بناء قاعة صلاة جديدة ذات أبواب حمراء وسقوف جميلة ودعامات وعوارض مزخرفة بالنقوش الدقيقة. يا لها من قاعة صلاة رائعة يعجز عنها الوصف!" ولا تتوقف الكتابات المنقوشة عند حد التعريف بمسيرة توسيع بناء المسجد بل تشير إلى "أن الإسلام يقوم على عبادة الله"، معنى ذلك أن الإيمان بالله وعبادته هما عماد الدين. وحين تتطرق هذه الكتابات إلى قبلة المسلمين تقول: بما أن المسجد الحرام في مكة المكرمة قبلة المسلمين فعليهم أن يوجهوا وجوههم إلى الشرق وهم في الغرب، والى الغرب وهم في الشرق، والى الشمال وهم في الجنوب، والى الجنوب وهم في الشمال .. فينبغي على المصلين في الصين أن يوجهوا وجوههم إلى الغرب بسبب وقوع بلادهم في شرق المنطقة الغربية (يشار بها إلى جزيرة العرب ) كما تشير إلى "أن المسلمين يقيمون الصلوات الخمس يوميا، ويتوضئون قبل صلاتهم سواء أكان الجو باردا أم حارا" و"يصومون كل سنة" و"يتصدقون على المحتاجين سواء أكانوا أقرباء أم غير أقرباء" يضاف إلى أن الكتابات المنقوشة تقول "إن المسلمين يتوقون بالله ويوفون بعهدهم له بأفعالهم" . وان الإسلام "دين حق لا تشوبه شائبة" .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

ونظرا لأن المسلمين في الصين كانوا شديدي التمسك بالأحكام الإسلامية الخاصة بالأطعمة فقد واجهوا الصعوبات الجمة في تناول الطعام إذا سافروا. وفي ظل ذلك ظهر كثير من المطاعم الإسلامية الكبيرة والصغيرة في كل مكان وطأته أقدام المسلمين. وبالرغم من أننا لا نعرف متى بدأ تأسيس المطاعم الإسلامية في الصين بالضبط لعدم وجود المعلومات الخاصة بالموضوع، ولكن يسود الاعتقاد بأن هذا النوع من المطاعم قد ظهرت في المناطق الداخلية من الصين منذ أوائل أسرة يوان على وجه التقريب بحكم ازدياد عدد المسلمين في هذه المناطق آنذاك ازديادا كبيرا، وازدحام نشاطاتهم الاجتماعية في ظل توسع تأثيراتهم يوما بعد يوم. وإضافة إلى ذلك فأن الألواح التجارية المميزة للمطاعم الإسلامية والتي يمكن رؤيتها حتى قبل عشرات السنين باستطاعتها تقديم دليل جانبي على صحة هذا الاستنتاج، لأن هذه الألواح كانت لا ترينا رسوم إبريق الوضوء (وهو رمز الإسلام ) في وسطها والكتابات العربية (مثل البسملة والكلمة الطيبة) بل تبدو عليها الكتابات الصينية:” تشينغ تشن قوجياو" و"شي يو هوي هوي" (دين "الصفاء والحق العريق) يشار به إلى الإسلام و"هوي هوي من المنطقة الغربية (وهي نفيد علما بأن صاحب المطعم من المسلمين القادمين من الدولة الإسلامية) فجاز لنا القول بان هذا التعبير باق من المسلمين في أوائل عهد أسرة يوان بكل التأكيد. وفي ظل ذلك ظهرت إلى حيز الوجود أطباق ”تشينغتشن" المتميزة بالنكهات الإسلامية وبسمات ثقافة الأطعمة الصينية فهي لا تسد حاجة المسلمين فحسب بل تحظى بالإقبال من قبل غير المسلمين حتى زماننا هذا.ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

ج‌-  مساهمات المسلمين في عهد يوان ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

  بعد انتهاء الحرب ضد أسرة سونغ الصينية سنة 1279م استعاد المجتمع الصيني هدوءه بالتدريج. ومع أن المسلمين المستوطنين كانوا يعيشون في الصين غرباء إلا أنهم تكيفوا مع الظروف المحيطة بهم بالتدريج، وفي الوقت الذي ازدادت فيه حماستهم الوطنية للصين بذلوا أقصى جهودهم لبناء البلاد. وانتهى بهم الأمر إلى استصلاح مساحات كبيرة من الأراضي البور إلى جانب تعمير حدود البلاد. ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

  وعلى الرغم من أن أغلبية المسلمين الوافدين إلى الصين كانوا من العساكر المجلوبين على أيدي الجحافل المنغولية إلا انه كان هناك عدد من المثقفين وهم لا يخلون من الأكفاء. فيسرني أن ألقي الضوء على مشاهير هؤلاء الشخصيات الذين يتباهى بهم المسلمون الصينيون حتى يومنا هذا .ومع ذلك فانهم قد هم

الأول: السيد شمس الدين عمر (1271 -1368). روي أن موطن أجداده في مكة المكرمة وهو على ما تذكر الأنساب أنه من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد هاجرت أسرته إلى الصين عندما غزي جيش جنكيزخان بلاد العرب في أوائل القرن الثالث عشر. وما زالت الحكايات والروايات تتناقل ذكره بين أهالي مقاطعة يوننان لما قدمه من مآثر جليلة في سبيل توطيد وتعمير هذه المقاطعة المقفرة سابقا. وبعد اعتلاء قوبلاي خان عرش الإمبراطور عينه مشرفا على الشؤون السياسية والعسكرية في يانجينغ (بكين اليوم) وارتقى إلى منصب وكيل رئيس الوزراء. وكان الإمبراطور يثق به ثقة تامة ويقدره تقديرا عظيما، فأسند إليه إدارة يوننان الحدودية التي كان يسودها اضطراب وفوضى في تلك الفترة وقال له: ”لقد ساد يوننان اضطراب ولذلك أريد أن أرسل إليها وزيرا قادرا على إدارتها وأعتقد أنك أنسب من غيرك في هذا الأمر. فذهب إليها السيد شمس الدين متجشما مشقات السفر الطويل وكان في الثانية والستين من عمره. ولم يخيب أمال الإمبراطور فيه خلال توليه الحكم فيها ست سنوات. وكان دائم الاهتمام بأحوال عامة الشعب وتوصل إلى وسائل إفادة الدولة والشعب عن طريق التحقيق والاستفسار مما مكنه من أداء كثير من الأعمال الصالحة للدولة والشعب. وكانت مآثره السياسية الهامة تتمثل في عبارة: ”إلغاء أعمال السخرة وإيواء المتشردين وأبناء السبيل وإعانة الأرامل واليتامى وتطوير الثقافة والتعليم وتوظيف الأكفاء الفاضلين وإبعاد الموظفين الفاسدين وإنشاء المزارع العسكرية والمدنية وطبع النقود الورقية وتأسيس المطاعم على جوانب الطرق لخدمة الفقراء. ”وبفضل حسن قيادته في يوننان كان أبناؤها يعيشون في سعادة ورخاء، مما وضع حدا لوضع الاضطراب السائد في يوننان أعواما طويلة.ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

الثاني: الفلكي الكبير جمال الدين. ومع أن سيرة حياته لم تدون في كتب التاريخ إلا أن مساهماته في حقل الفلك والتقويم كانت محفوظة في سجلات أسرة يوان التاريخية. وقد استرعت مواهب جمال الدين اهتمام البلاط الإمبراطوري. ومنذ اعتلاء قوبلاي خان العرش تأسست إدارة إسلامية خاصة بالأرصاد الجوية فعين جمال الدين في هذه الإدراة حيث نجح في وضع نظام التقويم الصيني"وان نيان" معتمدا على نظام التقويم الهجري. وبأمر من قوبلاي خان ظل "وان نيان" يستخدم في الصين 14 سنة متتالية .. وفي الوقت نفسه أشرف جمال الدين على صنع 7 أنواع من الأجهزة الفلكية في عاصمة يوان وهي المنوأة ذات الحلقات، والمنوأة الموجهة، ومقياس الأبعاد، ومقياس السطح، الكرة السماوية، والكرة الأرضية والمرصاد الفلكي وكلها كانت نادرة في العالم. أما الكرة الأرضية من هذه الأجهزة الفلكية فهي أقدم من الكرة الأرضية التي اخترعها بيوهايم سنة 1492 م بـ 225 سنة. وجدير بالذكر أن الصينيين القدامى كانوا يعتقدون أن السماء تبدو مستديرة وأن الأرض تبدو مربعة. وبالرغم من أن الفكرة كانت راسخة في نفوسهم إلا أنها بدأت تتزعزع نتيجة لظهور جهاز كرة الأرض الذي اخترعه جمال الدين .. فجاز لنا القول إن اختراعاته الفلكية كانت على جانب عظيم من الأهمية في توسيع مدارك الصينيين القدامى .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا

الثالث: الشاعر المفلق سعد الله (1272-1348) شاعر مفلق في عهد أسرة يوان المنغولية. وكان أحد أسلافه فقيها محترما في المنطقة الغربية (يشار بها إلى الدولة الإسلامية كما سلف ذكرها) أما جده فقد هاجر إلى الصين حيث انضم إلى القوات العسكرية فعينه البلاط الإمبراطوري قائدا لحماية منطقة يانمن (في مقاطعة شانشي اليوم) تقديرا لما قدمت يداه من الخدمات الكبيرة في مركزه. وكان له ولع خاص بالشعر والأدب في شبابه ولكنه أضطر إلى ممارسة التجارة لإعالة أهله في فترة من الفترات لمعاناتهم من وطأة الفقر. وبعد بضع عشرة سنة التحق بالدوائر الحكومية ليعمل موظفا عاديا فيها مرارا. ولكن حياته كانت زاخرة بالصعوبات والنكسات بسبب انتقاله الدائم من مركز إلى آخر. ومن حسن حظه انه كسب شعبية واسعة بسبب شدة نزاهته واستقامته. فذات مرة عانت منطقة تشيجيانغ التي كان يعمل فيها من الكوارث الخطيرة فما لبث أن أخبر حاكمها بأحوال الكوارث الحقيقية كما اقترح عليه بفتح صوامع الحبوب لإنقاذ المنكوبين بتعدادهم 800 ألف نسمة مما مكنهم من اجتياز المصيبة بسلام. وخلال ذلك كان هناك عدد من المنكوبين التجئوا إلى مبان على مقربة من الحكومة المحلية فأمر الحاكم بمطاردتهم فورا. ولكن سعد الله حمل إبريقه الفضي إلى أحد المراهن رهنا به بقصد إيواء أولئك المنكوبين مؤقتا. وإزاء ذلك خجل ذلك الحاكم أشد الخجل فتراجع على الفور عن أمره التعسفي. وكان عبيد بيت الحاكم دائما ما يضطهدون عامة الشعب معتمدين على نفوذ صاحبه وكان الجميع يحقدون على هؤلاء الأشرار. أما سعد الله فقد هب لمعارضتهم دون أن يحسب أي حساب لمشاعر الحاكم. وأشد ما يدعو إلى الإعجاب هو أنه كان عفيفا إلى درجة انه قد استدان لتغطية نفقات سفر عودته إلى المنزل بعد أن ترك منصبه. دون نسيان الإشارة إلى أن أهم منجزاته تتجلى في إبداعاته الأدبية بوجه عام وفي أشعاره الخالدة بوجه خاص. ولا يعتبر من أبرز الشعراء في عهد أسرة يوان فحسب بل يعد من أبرز شعراء الأقليات القومية في الصين .ومع ذلك فانهم قد ثبتوا

الرابع: المهندس المعماري الشهير اختيار الدين: عاش اختيار الدين في أوائل عهد أسرة يوان. وكان أجداده من بلاد العرب. ولقد هاجرت أسرته إلى الصين في وقت مجهول. وكانت مواهبه الفائقة في الهندسة المعمارية مثار الإعجاب لدى البلاط الإمبراطوري المنغولي مما أتاح له أن عين وزيرا للبناء والإسكان في الحكومة المنغولية ومسؤولا عن تخطيط دادو(بكين اليوم). وليس فقط انه فاق المألوف في اختصاصه بل كان يشار إليه بالبنان في توفير الأموال للدولة وتخفيف أعباء عامة الشعب في مجرى تنفيذ المشروع اتباعا للمبدأ: ”أعمال السخرة لا تثقل كاهل الشعب والنفقات المالية لا تضعف قوة الدولة، ومعاملة العمال بإحسان تام، ومنحهم المكافآت الكافية." ولذلك فان مدينة دادو التي بنيت تحت إشراف اختيار الدين قد أثار إعجابا شديدا لدى الرحالة الإيطالي ماركوبول الذي قال في كتابه: ”تخطيطها المعماري جميل ومتناسق إلى حد يعجز عنه الوصف ويمكن القول بأنها وصلت في فخامتها وجمالها إلى قمة الفنون المعمارية العالمية." ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم

وجملة القول بأن المسلمين الصينيين القدامى كانوا قد اجتازوا ما لا يوصف من الصعوبات والشدائد في مجرى تكيفهم مع الظروف الطبيعية والاجتماعية الصينية آنذاك. ومع ذلك فانهم قد ثبتوا أقدامهم في الصين في نهاية المطاف بحيث شكلوا فصيلة هامة من الأمة الإسلامية. وان دل ذلك على شئ فإنما يدل على أن الإسلام قد زادهم تفاؤلا وانسجاما مع الطبيعة والخلائق. ومع

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.