محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) ‏2005‏
م

نحو حوار إستراتيجي صيني- خليجي

خديجة عرفة محمد

 أثار توقيع ميثاق منتدى التعاون العربي- الصيني والذي شهدته القاهرة شهر سبتمبر العام الماضي عددا من التساؤلات حول مستقبل العلاقات العربية- الصينية بوجه عام، والعلاقات الصينية مع بعض الدول العربية أو التجمعات الإقليمية الفرعية ومنها مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص. فالنظر إلى علاقات الصين مع الخير تكشف عن وجود كم يعتد به من المصالح المتبادلة بين الطرفين، والتي لا تتناسب مع طبيعة العلاقات القائمة، بما يتطلب والبدء في حوار إستراتيجي صيني- خليجي يهدف إلى طرح السبل الكفيلة بتفعيل تلك العلاقات بما يساهم في حماية مصالح الطرفين. طرفين ومصالحهما ال

يكشف النظر عن قرب إلى العلاقات الصينية- الخليجية عن وجود مجموعة كبيرة من المحددات الحاكمة لتلك العلاقات بعضها يمثل أساسا جيدا لطرح فكرة الحوار الإستراتيجي بين الطرفين، في حين أن البعض الآخر منها يمثل مطلبا يجب تحقيقه، ومن ثم فالبدء في الحوار الإستراتيجي بين الطرفين يعد أداة هامة في هذا الصدد. طرفين ومصالحهما ال

أول المحددات الحاكمة للعلاقات الصينية- الخليجية هو فكرة الاحتياج الإستراتيجي ويقصد بذلك وجود إدراك متبادل بين الطرفين بأهمية الطرف الآخر واحتياجه له حتى وان لم يظهر ذلك بشكل جلي. فعلى الجانب الصيني، تبرز أهمية نفط الخليج، إذ تعتمد الصين بشكل كبير على نفط المنطقة، فالاحتياطي النفطي الصيني يبلغ 1.8% من الاحتياطي النفطي العالمي في حين أن عدد سكان الصين يبلغ 22% من إجمالي سكان العالم. فالصين هي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث استهلاك النفط، كما تشير الإحصاءات إلى أن الصين ستصبح، ففي عام 2000 استوردت الصين 51% من احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي. فتجارة النفط تحتل مكانة بالغة الأهمية في التجارة الصينية- الخليجية بما يعنى أن تعزيز التعاون في هذا المجال بينهما سيساهم في تطوير علاقاتهما التجارية.طرفين ومصالحهما ال

 على الجانب الخليجي، يبرز الاحتياج الإستراتيجي للصين آنيا ومستقبلا. فالصعود الصيني يصب بشكل كبير في صالح الدول الخليجية بوجه خاص والدول العربية بوجه عام. ومن ثم، فمن صالح الطرف الخليجي دعم الصعود الصيني كخطوة نحو بناء نظام دولي متعدد الأقطاب يكون فيه مجال أوسع للمناورة والحركة وتحقيق تسويات عادلة. ومن ثم، فكلا الطرفين يشترك في الرؤية ذاتها نحو دعم الصعود الصيني، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، نجحت الصين في تهيئة مناخ استثماري ذي جاذبية كبيرة للمستثمرين الأجانب اعتمادا على ظروفها السياسية والاقتصادية المتميزة خاصة في ظل ركود الاقتصاد العالمي، ومن ثم يبرز احتياج الدول الخليجية للصين كمقصد لتوجيه استثماراتها من أجل الحفاظ على سلامتها خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها الخطيرة على اقتصاديات الدول الخليجية. فدول الخليج المنتجة للنفط بدأت تفكر في إدراج الصين في قائمة مقاصدها الاستثمارية إذ يتمتع السوق الصيني بجاذبية كبيرة خاصة أن الصين تعيش استقرارا سياسيا فهناك إمكانية هائلة ومستقبل واعد للسوق الاستثماري الصيني. طرفين ومصالحهما ال

ثالث محدد حاكم للعلاقات الصينية- الخليجية يتمثل في موقف الطرفين من القضايا التي تهم الطرف الآخر، فالدول الخليجية تدعم القضايا الصينية وعلى رأسها قضية الوحدة فلا يوجد تمثيل دبلوماسي بين أي من الدول الخليجية وتايوان، كما إنها اعترضت على انضمام تايوان للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى التي تقتصر عضويتها على الدول، فالدول الخليجية تعلن التزامها بمبدأ الوحدة الصينية على أساس "دولة واحدة ونظامين" كما دعمت الدول الخليجية انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية. على الجانب الآخر، يبرز دعم الصين للقضايا العربية التي تهم منطقة الخليج ومنها دعم القضية الفلسطينية.طرفين ومصالحهما ال

أما التحديات الأمنية وهى رابع محدد حاكم ومؤثر في العلاقات الصينية- الخليجية فيبرز فيما يواجهه الطرفان من تحديات نابع بعضها من البيئة الداخلية والإقليمية في حين أن البعض الآخر نابع بصورة أساسية من البيئة العالمية  وما شهدته من تطور فترة ما بعد الحرب الباردة. وتبرز الأخيرة في العولمة، وكذلك الإرهاب الدولي. على الجانب الآخر، يبرز التحدي الخليجي في المشكلة العراقية وأمن الخليج، وكذلك المشاكل الأمنية في المضايق الصينية. ومن ثم يصبح التساؤل هو كيف يمكن إيجاد تعاون صيني- خليجي حول سبل مواجهة تلك التحديات. طرفين ومصالحهما ال

من ناحية خامسة، فإذا كان المنظور الواقعي هو المنهج المسيطر على توجيه مسار العلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة، إلا أنه لا يمكننا أن ننكر أن الميراث الإيجابي من العلاقات الصينية- الخليجية والعربية بوجه عام يشكل أساسا هاما عند مناقشة واقع وآفاق العلاقات مستقبلا. فالصين لم يكن لها مطامع استعمارية في منطقة الخليج، كما لم يبرز أي خلاف مباشر أو غير مباشر بين الطرفين حول أحد القضايا المشتركة. طرفين ومصالحهما ال

إن هناك حاجة لإعادة قراءة وتقييم شامل لعلاقات الطرفين في ضوء وضع الصين ومنطقة الخليج في الوقت الحالي وفى المستقبل مع إدراك كامل بطبيعة التغيرات الإقليمية والدولية المؤثرة على الطرفين حاليا ومستقبلا. طرفين ومصالحهما ال

إن مثل هذا الحوار يجب أن يكون وفقا لمحورين يدور الأول منهما حول سبل تفعيل ما هو قائم فعليا من أشكال للتعاون الاقتصادي والسياسي بين الطرفين، في حين أن الآخر، يدور حول  السبل الملائمة لتعاون الطرفين حول القضايا والتحديات الأمنية المطروحة على أجندة العلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة. وفقا للمحور الأول فالملاحظ الآن هو وجود رغبة جادة لدى الطرفين للانتقال بالعلاقات نحو آفاق أرحب وهو ما يتضح من التحسن النسبي في الزيارات المتبادلة إلا أن الدول الخليجية  مازالت مطالبة بتغيير توجهها فمازال التوجه شرقا مفتقداً لديها، ففكرة الاتجاه غربا ما زالت هي الأساس، فهناك عبء كبير في هذا الصدد يقع على الدول الخليجية حيث يغيب الإدراك الكامل بأهمية الطرف الآخر راضين بالنمط الحالي من التعاملات آملين فقط في بحث السبل الكفيلة بحماية العلاقات التجارية والنفطية مع الصين.طرفين ومصالحهما ال

وفى هذا الصدد، يمكننا إيضاح بعض الملاحظات منها أن تجارة النفط والغاز الطبيعي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تتقدم بسرعة أكبر من التعاون المشترك في المشروعات النفطية والغازية وهو ما يرجع إلى هيمنة شركات النفط متعددة الجنسيات على الأسواق الدولية. ومن ثم فهناك حاجة لدعم التعاون بين الطرفين في هذا الصدد. من ناحية ثانية، على الجانب الصيني ضرورة تشجيع الدول الخليجية المنتجة للنفط على شراء أسهم الشركات الصينية المطروحة في البورصات الأجنبية كمدخل لجذب رؤوس الأموال الخليجية للمشاركة في التنمية الاقتصادية وإصلاح القطاع العام في الصين. كما أن الدول الخليجية يمكنها الاستثمار في مناطق شمال غربي الصين في تطوير مشروعات النفط والغاز وهو ما سيعود بالفائدة على كلا الطرفين. على الجانب الآخر، هناك حاجة لتشجيع الاستثمارات الصينية في الدول الخليجية. والتي تتسم بالمحدودية مقارنة بالاستثمارات الخليجية في الصين.طرفين ومصالحهما ال

وأحد السبل المطروحة في الوقت الحالي هو ضرورة التسريع في إنشاء منطقة التجارة الحرة الصينية- الخليجية. فمن شأن ذلك دفع سبل التعاون الاقتصادي بين الطرفين والتي تشمل تقليل التعريفات الجمركية، وتسهيل تدفق السلع، وتسهيل حركة الاستثمارات المشتركة. إذ إنه من المتوقع أن يزداد التكامل الاقتصادي بين الصين ودول المجلس.

التعاون بين الصين والدول الخليجية ما زال مقصورا على الأطر الثنائية في حين إنه إذا كنا بصدد الحديث عن ضرورة الدخول في حوار إستراتيجي بين الطرفين فإننا بحاجة إلى تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي كشريك للصين في مثل هذا الحوار. طرفين ومصالحهما ال

إذا انتقلنا إلى الحديث عن أسس الحوار الإستراتيجي المطلوب حاليا فيجب التأكيد على أن البيئة الأمنية في فترة ما بعد الحرب الباردة شهدت تغيرا واسع النطاق بحيث أصبحت الدول مواجهة بقائمة طويلة من مصادر التهديد والقضايا غير التقليدية من عولمة وإرهاب ومشكلات بيئية والتي لا يمكن لدولة واحدة مهما بلغت درجة تقدمها مواجهتها بمفردها وإنما لا بد من وجود قدر أكبر من التعاون بين الدول والتجمعات الإقليمية المختلفة للتعامل معها. والأهم من ذلك هو أن أفضل سبل مواجهة تلك الأنماط من مصادر التهديد لن يكون من خلال الأداة العسكرية أو الأدوات الدبلوماسية التقليدية وإنما خلق حوار بشأنها أولا لإدراك مخاطرها، وثانيا للتعاون في مواجهتها. طرفين ومصالحهما ال

وفى هذا الصدد، فإن أحد سبل التعاون المقترحة بين الطرفين هو لماذا لا تنضم دول مجلس التعاون الخليجي ممثلة في مجلس التعاون الخليجي إلى بعض المنتديات الإقليمية التي تضم في عضويتها الصين حيث ينضم مجلس التعاون الخليجي في هذه الحالة كشريك للحوار ومن تلك التجمعات المنتدى الإقليمي لرابطة الآسيان، وشركاء الحوار (استراليا، وكندا، والاتحاد الأوروبي، واليابان ، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية) بالإضافة إلى وزراء خارجية كل من الصين، وروسيا، وفيتنام، ولاوس، وبابوا غينيا الجديدة. إذ يشكل المنتدى ساحة للحوار أكثر منه هيكلا تفاوضيا حيث يعتمد على الاقتراب التعاوني من خلال التركيز على الحوار وإجراءات بناء الثقة. طرفين ومصالحهما ال

وأهمية مثل هذا المنتدى تبرز في طبيعة القضايا التي يناقشها من قضايا الإرهاب والأمن الإنساني وغيرها وهى مجالات هامة للتعاون والنقاش بشأنها. وفى هذا السياق فمن الضروري أيضا انضمام الدول الخليجية لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا والصين أحد الأعضاء كاملي العضوية في المؤتمر، وأهمية مثل هذا الأخير في إنه يهدف إلى طرح إجراءات بناء الثقة في آسيا كتمهيد لحل ما تعانيه القارة من صراعات.طرفين ومصالحهما ال

من ناحية ثالثة، فإن الطرفين مطالبان بالبدء في حوار حضاري صيني- خليجي على غرار الحوار الحضاري الياباني- الإسلامي، والياباني الخليجي. فما نواجه الآن من تحدى هو كيف يمكن للحوار وليس الصراع أو الصدام بين الحضارات أن يكون أداة فاعلة لتحقيق السلم في القرن الحادي والعشرين. طرفين ومصالحهما ال

وأخيرا، ربما يكون من الملائم إنشاء لجنة للأمن الإنساني أو منتدى للأمن الإنساني بحيث يكون هيكلا تفاوضيا يضم في عضويته الطرفان الصيني والخليجي وتكون عضويته مفتوحة. بحيث يكون هذا المنتدى أو اللجنة بمثابة هيكل تفاوضي أو جهة استشارية تهدف إلى إعداد دراسات حول قضايا الأمن الإنساني لدى الطرفين ومنها على سبيل المثال مناقشة تداعيات العولمة على الأمن الإنساني ثقافيا، وسياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وبيئيا، بحيث تهدف اللجنة إلى اقترح السبل الكفيلة بتخفيف هذه الآثار السلبية والعمل على تعظيم الآثار الإيجابية، وأعتقد أن الدول الخليجية ستستفيد من الصين كثيرا في هذا الصدد.طرفين ومصالحهما ال

وفى الختام يجب التأكيد على أن قياس العلاقات الصينية- الخليجية على أساس الحاضر وعلى أساس ما يملكه الطرفان من إمكانات يكشف عن أن العلاقات لم تتطور بسرعة ولم تستجب للتحديات الجديدة في القرن الحادي والعشرين، وإنما هناك حاجة ماسة لضرورة البدء في حوار إستراتيجي حول مختلف القضايا قياسا على إمكانات الطرفين ومصالحهما المشتركة. طرفين ومصالحهما ال

كاتبة المقال: باحثة بمركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة. طرفين ومصالحهما ال

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.