محتويات العدد 12 ديسمبر (كانون الأول) 2005‏
م

مصمم مدينة بكين مهندس عربي!

جعفر كرار أحمد   زميل معهد الدراسات التاريخية بجامعة بكين

 
نموذج أطلال بوابة خهيي لمدينة دادو طبق الأصل   حديقة أطلال أسوار مدينة دادو ببكين

في قلب عاصمة الصين الحالية بكين كان هنالك مهندس عربي مسلم آخر يدفع تقدم الصين بمساهمات أخرى ولكن في قطاع الهندسة والتشييد. إنه المهندس يحي طاهر حسب قراءتي، واختيار الدين حسب قراءة الباحثين الصينيين. ولكن على الرغم من إنجازه الحضاري والتاريخي المميز وهو وضع تخطيط وبناء مدينة دادو (بكين) عندما اختارها المغول عاصمة ذات مهابة لملكهم تعكس سطوة وقوة الإمبراطورية الجديدة ومركزا لحكم الصين، فإن كتاب تاريخ أسرة يوان لم يحفظ سيرة ذاتية له. غير أن مصادر صينية أخرى ونصبا حجريا في ذكرى محمد شاه، أحد أبناء يحي طاهر، حفظ لنا سيرة هذا المهندس العظيم. يشير النصب الحجري إلى أن أسلافه في أسرة تانغ كانوا عربا، وعندما وصل قوبلاي خان Shi Zu للحكم عين يحي مديرا لقسم الأشغال العامة تشا تييه آر (Cha-Tieh-Erh) وأصدر قوبلاي في 28 ديسمبر 1266 – 26 يناير 1267م مرسوما إمبراطوريا لبناء قصور المدينة وأسوارها. وبالفعل عكف المهندس يحي طاهر على تصميم مشروع مدينة كبيرة ومهيبة، لم يهتم فقط فيها بمهابة القصور الملكية وزخرفتها وقاعاتها الفخمة وأديرتها ومعابدها، بل بأسوار المدينة وبواباتها والطرق الداخلية في المدينة والمناطق السكنية داخلها ومباني المحاكم والمكاتب الإدارية داخل القصور وحولها وحتى المخازن وغرف الخدم. وفي 28 ديسمبر 1266 – 26 يناير 1267م أمر الإمبراطور، بعد إجازة المشروع، يحي ومساعديه ببدء تنفيذ التصميم وبناء قصور المدينة وأسوارها ويحفظ لنا مصدران صينيان هما The Chi Keng Lu وThe Chich-Pu-tsu-chai-ts'ung-shu وصفا جيدا لنظام قصور محكم التنظيم ومذهل. كما وصفت المصادر الصينية التاريخية والمعاصرة بشكل دقيق شكل المدينة التي صممها وأشرف على بنائها ذلك المهندس. يقول لوان تشنغ شيان من معهد أبحاث التاريخ التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: "ظهرت المدينة مربعة الشكل طول السور حول المدينة 8ر26 كم تتخلله إحدى عشرة بوابة وكان فيها 18 شارعا ويتوسطها القصر الإمبراطوري مقابلا للجنوب تليه المنطقة التجارية وقُسمت المدينة إلى 55 حيا تفصل بينها الأزقة وكان معدل عرض الطريق 25 مترا وأوسعها 28 مترا. وكان من أبرز ما امتازت به تصميمات البناء هو الخط المحوري مخترقا المدينة ومنطلقا من بوابة لي تشنغ في موقع ميدان تيانآنمن حاليا الواقع في أقصى جنوب المدينة إلى شمال القصر الإمبراطوري منتهيا عند جوسق الجرس – مركز الإنذار – وجوسق الطبل – مركز التوقيت – وقد علا قصر دامينغ في القصر الإمبراطوري والذي يرمز إلى سلطة الإمبراطور وسط الخط المحوري واصطفت القصور الأخرى فيه على جانبيه. بالإضافة إلى بناء القصر الإمبراطوري المهيب (قصر قوانغ هانقونغ Guang-han-gong) نهض يحي مع مساعديه بمسؤولية تشييد السور المحيط بالقصر وإنشاء حديقة حيوان خاصة بالإمبراطور وحاشيته."الرجل الذي لوجدهم من غيرهم من الموثقين.لريختلف المؤرخون الصينيون

وكان يحي طاهر قد اقترح في عام 1263 وقبل أن يبدأ في بناء قصور المدينة وأسوارها بناء جزيرة تشيونغ هوادو Qiong-Hua-Dao وهي جزيرة بيهاي Pei-Hai وقد رفض طلبه في البداية إلا أن الجزيرة قد بنيت بعد عام واحد من اقتراحه ولا تزال هذه الجزيرة موجودة حتى الآن في بحيرة بيهاي Pei-Hai. وكانت هذه الجزيرة وبحيرة بيهاي Pei-Hai والحدائق التي اقترحها يحي طاهر وربطها بمجموعة القصور والأبنية الإمبراطورية قد عكست وعيه البيئي وحسه الجمالي، كما أن تصميم المدينة وبناءها بأسلوب المعمار الصيني الخالص يعكس وعيا بالزمان والمكان وتقديرا عميقا للثقافة والحضارة الصينية، وإدراكا سياسيا نافذا بأن لا يكون الحاكم بآلياته وثقافاته ومعماره بعيدا عن بنية المحكوم الثقافية والتراثية. إلا أن يحي بن طاهر الذي قدره الإمبراطور تقديرا عاليا بعد إنجازه لمشروعه الضخم. لم يقدر له أن يبقى طويلا ليتجول في مدينته الجديدة إذ هده التعب والإرهاق ومات بعد وقت قصير من إكمال مشروعه العملاق وقد ورث أبناؤه مثل محمد شاه ومبارك وعمر وغيرهم من بعده منصب وزير البناء لعدة أجيال واستمروا من خلاله يساهمون في صيانة وتعمير المدينة التي صممها والدهم.الرجل اوجدهم من غيرهم من الموثقين.لرلذي لا يختلف المؤرخون الصينيون

وأعتقد أن ابن بطوطة الذي وصل إلى الصين في عام 1347م أي بعد حوالي 62 عاما من إكمال يحي طاهر لبنائه لمدينة دادو وقصورها، حمل لنا وصفا جيدا أيضا لقصر الإمبراطور عند زيارته لخان بالق، ونعتقد أنه هو ذات القصر الذي صممه وأشرف على بنائه يحي طاهر، فهو يقول: "وقصره في وسط المدينة المختصة بسكناه وأكثر عمارته بالخشب المنقوش، وله ترتيب عجيب. وله سبعة أبواب: فالباب الأول منها يجلس به الكتوال، وهو أمير البوابين. وله مصاطب مرتفعه عن يمين الباب ويساره، فيها المماليك حفاظ باب القصر، وعددهم خمسمائة رجل، وأُخبرت أنهم كانوا فيما تقدم ألف رجل. والباب الثاني يجلس عليه الرماة وعددهم خمسمائة. والباب الثالث يجلس عليه أصحاب الرماح وعددهم خمسمائة. والباب الرابع يجلس عليه أصحاب السيوف والترسة. والباب الخامس فيه ديوان الوزارة، وبه سقائف كثيرة: فالسقيفة العظمى يقعد بها الوزير على مرتبة هائلة مرتفعة، وبين يديه دواة عظيمة من الذهب. وتقابل هذه السقيفة سقيفة كاتب السر وعن يمينها سقيفة كاتب الرسائل. وعن يمين سقيفة الوزير سقيفة كتاب الأشغال وتقابل هذه السقائف سقائف أربع: إحداها تسمى ديوان الإشراف، يقعد بها المشرف. والثانية سقيفة ديوان المستخرج، وأميرها من كبار الأمراء. والمستخرج هو ما يبقى قبل العمال وقبل الأمراء من إقطاعاتهم. والثالثة ديوان الغوث، ويجلس فيها أحد الأمراء الكبار ومعه الفقهاء والكتاب، فمن لحقت به مظلمة استغاث بهم. والرابعة ديوان البريد يجلس فيها أمير الإخباريين والباب السادس من أبواب القصر يجلس عليه الجندارية وأميرهم الأعظم. والباب السابع يجلس عليه الفتيان، ولهم ثلاث سقائف: إحداها سقيفة الحبشان منهم، والثانية سقيفة الهنود، والثالثة سقيفة الصينيين. ولكل طائفة منهم أمير من الصينيين".وجدهم من غيرهم من الموثقين.لرالرجل الذي لا يختلف المؤرخون الصينيون

ويقول كتاب رسمي باسم بكين حاضرة الصين العريقة والحديثة "إن بناء دادو قد فتح فصلا جديدا في تاريخ بكين. فمنذ أن أصدر الإمبراطور قوبلاي خان مرسوما لبناء عاصمته الجديدة دادو، وحتى تأسيس جمهورية الصين الشعبية وبكين عاصمتها، كان مركز المدينة في المنطقة التي حول قوانغآنمن اليوم، ومنذ بناء دادو إلى اليوم، بقي المركز على هذا الوضع، مع انقطاع قليل، تحت أسماء مختلفة من مختلف الأسر الملكية إلى الوقت الحاضر. وجرى بناء دادو وفق خطة شاملة، ففي الوسط وإلى الجنوب كانت المدينة الإمبراطورية التي تألفت من ثلاث مجموعات من القصور على ضفاف تشونغهاي (البحيرة الوسطى) وبيهاي. وكانت القصور على الضفة الشرقية حيث كان الإمبراطور يجري المقابلات وكان أيضا محل إقامته يعرف باسم داني (المدخل العظيم).. سلف المدينة المحرمة لأسرتي مينغ وتشينغ. وكانت القصور الجنوبية والشمالية على الضفاف الغربية للبحيرتين محل إقامة لولي العهد والإمبراطورة الأم. وقد زينت سقوف القصر بقرميد مزجج زاهي الألوان، وكانت المصاطب من رخام أبيض منحوتة على نحو معقد. وكان فن الزخرفة الداخلية بهيجا. وفي قلب المدينة، شمال القصر، برج الطبل وخلفه برج الجرس حيث كانت تقرع الطبول وتدق الأجراس لبيان ساعات النهار والليل. وكان للسور المحيط بالمدينة بوابتان من ناحية الشمال وثلاث بوابات على كل من جوانبه الأخرى. وكانت الشوارع العريضة والمستقيمة تربط بين كل بوابتين متقابلتين". الروجدهم من غيرهم من الموثقين.لرجل الذي لا يختلف المؤرخون الصينيون

إن العاصمة التي شيدها يحي في عام 1285 كانت بحجم مدينة بكين في بداية قيام جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 وهي البنية الأصلية التي قامت عليها مدينة بكين الحالية حيث لا يزال تخطيط الشوارع العريضة والأزقة وكثير من التقسيمات قائمة في المدينة. مثل شارع دونغدان، شارع شيدان، شارع دونغسي، شارع شيسي، طريق دونغتشيمن، طريق شيتشيمن، طريق قولو الغربية، طريق تشاويانغمن الداخلية، وقد وجدت كل هذه الشوارع في دادو تحت أسماء مختلفة. فهل خطر لأجيال الصين الجديدة وضيوفها من الأجانب وهم يتجولون بين أنقاض سور مدينة بكين القديم وشوارعها العريضة الجميلة وحديقة بحيرة بيهاي Pei-Hai الخلابة أن من صمم لهم أسوارهم وقصورهم وشوارعهم الواسعة وحديقتهم الجميلة في زمن قديم هو مهندس عربي مسلم يدعى يحي بن طاهر؟الروجدهم من غيرهم من الموثقين.لرجل الذي لا يختلف المؤرخون الصينيون

يحي طاهر أم اختيار الدين؟

في تقديري أن قراءتي الصوتية لاسم هذا المهندس العربي المسلم (يحي طاهر قد تكون الأقرب إلى الصواب. وأرى أن الباحثين الصينيين، ربما يكونون قد وقعوا في خطأ صوتي عند تعريبهم لاسم هذا المهندس المسلم، وقد لاحظت أن الباحث الصيني فنغ تشيا شنغ Feng Chia Sheng قد ترجم في مقال له في مجلة بناء الصين (الصين اليوم حاليا) عدد أبريل 1955 اسم هذا المهندس (اختيار الدين). وقد استمر الباحثون الصينيون والمترجمون في استخدام هذه الترجمة الصوتية إلا إنني أميل وحسب ما كتب في النصب الحجري في ذكرى ابنه محمد شاه والذي كتب بكلمات صينية ترجمتها الصوتية بالحروف الإنجليزية كالتالي Yeh-hei-tieh-erh حسب ترجمة تشن يوان Ch'en Yuan وحسب قراءتي الصوتية للنص الصيني فإن الترجمة الصوتية العربية الأقرب لهذا المقطع الاسم هو يحي طاهر. واسم يحي طاهر ليس الأقرب فقط صوتيا للمقطع الصيني بل أيضا يتسق مع توثيق المصادر الصينية لجذور الرجل الذي لا يختلف المؤرخون الصينيون على جذوره العربية، بينما اسم اختيار وباختيار هي أسماء المسلمين في إيران وآسيا الوسطى ونادرا ما يستخدم العرب هذا الاسم، وبذلك يكون اسم يحي طاهر متسقا مع منظومة الأسماء العربية والأقرب صوتيا للترجمة الصوتية على النصب الحجري الذي كتبه أفراد من أسرة يحي طاهر في ذكرى ابنه محمد شاه وهم الأدرى أيضا، في تقديري، بكتابة الاسم الصحيح لوالدهم وجدهم من غيرهم من الموثقين.اوجدهم من غيرهم من الموثقين.لرجل الذي لا يختلف المؤرخون الصينيون

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.