محتويات العدد 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2005‏
م

هوامش على احتفالات الذكرى الستين للانتصار على العدوان الياباني

حسين إسماعيل

على مدى أسبوع كامل الشهر الماضي، سبتمبر 2005، تابعت التغطية الإعلامية، الصينية والعالمية، لاحتفالات الصين بمرور ستين عاما على الانتصار على العدوان الياباني، ونهاية الحرب العالمية الثانية في شرقي آسيا. ففي الثاني من سبتمبر عام 1945 تجمعت سفن الحلفاء في خليج طوكيو وعلى متن البارجة الحربية الأمريكية يو إس إس ميسوري ، وقع اليابانيون وثيقة الاستسلام رسميا بحضور آلاف من مندوبي الحلفاء. مصر أمام متحف روميل.

وفي الثاني من سبتمبر 2005  أقام الصينيون احتفالات مهيبة لإحياء الذكرى الستين لانتصارهم على الغزاة اليابانيين في حرب استمرت ثماني سنوات عجاف، من عام 1937 حتى عام 1945. في ميدان تيان آن من، بقلب العاصمة بكين، عُزف النشيد الوطني للصين وأطلقت المدفعية النيران ووقف الجميع دقيقة حدادا على أرواح شهداء الصين في أسوأ كارثة عرفتها الأمة الصينية في تاريخها الممتد خمسة آلاف عام. على مسافة خطوات من الميدان الشهير؛ داخل قاعة الشعب الكبرى، جلس الحاضرون، وعلى رأسهم أمين عام الحزب الشيوعي ورئيس الدولة هو جين تاو وكبار قادة الدولة، وأمامهم أبطال حرب المقاومة، وبمعنى أدق، من بقي منهم على قيد الحياة، جلس الأبطال وعلى صدورهم النياشين والأوسمة وبينهم عدد من ذوي العيون الزرقاء والبشرة البيضاء. إنهم الأبطال الأمريكيون والروس وغيرهم من الذين ساعدوا الصينيين في حربهم ضد الغزاة اليابانيين. الجميع شاهدوا، على شاشة كبيرة أمامهم، مذبحة نانجينغ، شاهدوا الفتيات في طريقهن إلى معسكرات الجنود اليابانيين للترفيه عنهم، في واحدة من أقذر الجرائم التاريخية. رأى الجميع الذل والمهانة والوحشية التي تعرض لها الصينيون وشاهدوا تصميم وإرادة ونضال أبناء الأمة الصينية وكفاحهم حتى دحروا عدوهم. وألقى هو جين تاو كلمة أقل ما يُقال عنها إنها رسالة سلام، فقد دعا الرئيس الصيني إلى الاستفادة من دروس التاريخ حتى لا تتكرر تلك المأساة.مصر أمام متحف روميل.

جلست أمام شاشة التلفزيون أشاهد الاحتفال الذي بثه التلفزيون الصيني على الهواء مباشرة على قنواته بالصينية والإنجليزية، وفي يدي الريموت كنترول أتنقل بين القنوات المتاحة بجهاز التلفزيون لدي. كانت محطتا بي بي سي البريطانية وسي إن إن الأمريكية وغيرهما من القنوات الغربية مشغولة بالتغطية الحية لمأساة إعصار كاترينا بساحل خليج المكسيك في الولايات المتحدة، وبعد كاترينا انتقلت عدسات التلفزيونات الغربية لتغطية استعدادات مدينة بسلان الروسية لإحياء ذكرى مرور عام على حادث رهائن المدرسة رقم واحد بالمدينة والذي راح ضحيته أكثر من ثلاثمائة فرد، وكان البث على الهواء مباشرة أيضا. ثم جاءت أخبار من أمريكا الجنوبية ومن أوروبا. وفي اليوم التالي عرضت بي بي سي تقريرا لمراسلها في الصين لفت إلى الاحتفال الذي أقيم بمناسبة الذكرى الستين للانتصار على اليابانيين، ولم يفت التقرير التنويه إلى المشاكل القائمة في العلاقات الصينية اليابانية حاليا، بسبب تلك الحرب. هذا التقرير جاء ترتيبه في اهتمامات بي بي سي بعد خبر دخول الرئيس الفرنسي جاك شيراك المستشفى بسبب مشكلة بسيطة في نظره.مصر أمام متحف روميل.

على القنوات العربية لم تكن الصورة مختلفة كثيرا، فمحطات التلفزة الحكومية مشغولة حتى أذنيها بتنقلات القادة وكلماتهم وإعصار كاترينا وأخبار لاعبي كرة القدم في أوروبا، أما المحطات شبه الحكومية فكان شاغلها هو إعلان نتانياهو ترشيح نفسه لزعامة الليكود في إسرائيل والأحداث في العراق وانتخابات الرئاسة في مصر وشريط أيمن الظواهري ومحمد صديق خان والنشرة الرياضية. تركت الإعلام المرئي وتوجهت إلى الصحافة العربية المقروءة فلم أجد تعليقا أو تحليلا لما حدث في الصين قبل ستين عاما أو لما احتفل به الصينيون بالأمس القريب، وللأمانة ذكرت صحيفتان مما قرأت خبر الاحتفال.مصر أمام متحف روميل.

رجعت بي الذاكرة إلى شهر يناير هذا العام، 2005، عندما احتفلت أوروبا ومعها العالم المتقدم والنامي بتحرير معتقل أشفيتز من أيدي القوات النازية، واستعدت مشاهد الحاضرين من قادة العالم والبث التلفزيوني الحي في أوروبا وفي دول عربية، وتذكرت ما قاله المستشار الألماني غيرهارد شرودر ورددته أجهزة الإعلام.. "إن تذكر فترة النازي وجرائمها واجب أخلاقي". شرودر لم يشر إلى جرائم اليابان، لأنها كانت هنا في الشرق في الصين ولم تصل إلى أوروبا. وقرأت خبر احتفالات أشفيتز في كل الصحف العربية التي اطلعت عليها وتعليقات على مأساة أشفيتز والدعوة إلى التعلم منها والسعي إلى السلام. وقارنت بين أشفيتز ومذبحة نانجينغ التي راح ضحيتها نحو ثلاثمائة ألف صيني مدني وعسكري، في واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية، والتي لا يعلم عنها العرب، ومنهم أساتذة التاريخ، شيئا!مصر أمام متحف روميل.

 فجوة معرفية هائلة ومناطق رمادية بين الجانبين العربي والصيني تحتاج إلى  مشاعل، أو كما قالت طالبة صينية .. رفع الحجاب وبناء الجسور. في الصين التي وجهت الدعوة لحضور الاحتفالات إلى من ساعدوها من الأجانب في نضالها لقهر العدوان الياباني، وسردت صحفها على مدى الشهور التسعة الماضية قصص بطولاتهم وتضحياتهم مقرونة بصورهم، لم أر شيئا عن الدعم، على الأقل المعنوي، الذي بذله أبناء العالم الثالث، في حدود قدراتهم ذلك الوقت. لم أقرأ شيئا عن الوفد الإسلامي الصيني الذي توجه إلى مصر وفلسطين وتركيا وإيران بعد اندلاع الغزو الياباني لحشد التأييد والدعم للصينيين، ذلك الوفد الذي لقي ترحيبا بالغا في مصر وأثار موجة من تعاطف المصريين مع أبناء الصين وصلت إلى مقاطعة السلع اليابانية وبث الأغاني الوطنية الصينية في الإذاعة المصرية والشباب المصري الذي توجه إلى سفارة الصين بالقاهرة طالبا التطوع للوقوف بجانب أشقائهم المسلمين في الصين دفاعا عن وطنهم الصيني.مصر أمام متحف روميل.

وفي العالم العربي، يبدو أن ناسه لا يعرفون أن الحرب العالمية الثانية كانت مشتعلة هنا في شرقي آسيا على أرض الصين وأن اليابان احتلت الصين وارتكبت فيها جرائم يشيب لها الولدان. الأمر ليس قاصرا على العامة، بل يشمل المثقفين أيضا، وكما نشرت صحيفة الأهرام المصرية في السباع والعشرين من يوليو هذا العام مقالا جاء فيه.. "شعوب الشرق الأوسط متعاطفة مع اليابان لأنها ليس لها ماضي استعماري!". كثيرون في العالم العربي لا يعلمون أن حرب الصين كانت جزءا من الحرب ضد الفاشية وأن الصين فقدت من أبنائها ما يربو على العشرين مليونا ولا يسبقها في عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية إلا الاتحاد السوفيتي، السابق، الذي بلغ عدد ضحاياه في تلك الحرب خمسين مليونا. كثيرون يجهلون أن تضحيات الصين في مقاومة الغزو الياباني لعبت دورا حاسما في إنهاء الحرب العالمية الثانية، وتلك حقيقة يقر بها المنصفون من علماء الغرب. يقول رانا ميتر Rana Mitter  وهو محاضر بجامعة أكسفورد متخصص في التاريخ والسياسة الصينية: " إن الكتابات التاريخية لم تنصف إنجازات الصينيين، وبخاصة حكومة الوطنيين، في حجز ما يقرب من مليون جندي ياباني حتى بعد أن أصبح هذا الصراع (الصيني الياباني) جزءا من الحرب العالمية بعد الهجوم على بيرل هاربور في ديسمبر عام 1941" ويعتبر ميتر أن الصين كانت أول دولة دخلت الحرب الثانية ويعترف بأن علماء الغرب لم يعترفوا بمساهمات الصين في الحرب العالمية الثانية إلا  في  السنوات الأخيرة، وخاصة بعد نشر كتاب "اغتصاب نانجينغ" لمؤلفته الأمريكية الصينية الأصل إيريس تشانغ، وهو الكتاب الذي ظل على قائمة أكثر الكتب مبيعا لعدة أسابيع وأثار موجة في الغرب لإعادة اكتشاف تاريخ الصين الحديث. ويقول الباحث البريطاني في مقال له بعنوان "تذكر الحرب المنسية" نشرته "هيستوري توداي" في شهر أغسطس: إن حرب المقاومة الصينية لم تكن فقط حربا وطنية وإنما حرب دولية أيضا. ويقرر باحث غربي آخر هو هانز فان دي فن Hans Van de van، من جامعة كمبردج أن المقاومة الصينية أوضحت محدودية الحرب الحديثة وأبرزت أن إمكانية المجتمع في مقاومة الغزاة لا تعتمد فقط على توفر جيوش مدربة جيدا وأسلحة متقدمة، فقد كانت هناك موارد ثقافية وسياسية وعسكرية هامة في التاريخ الصيني وهي التي استفاد منها الوطنيون الصينيون في مواصلتهم الحرب ضد اليابان، التي ساهمت في وضع نهاية للحرب العالمية الثانية، تلك الحرب التي تبدأ حسب مقررات التاريخ المدرسية والجامعية العربية، بالهولوكوست وتنتهي في العلمين، بشمال مصر أمام متحف روميل. مصر أمام متحف روميل.

حملت كل تلك المشاهد وجلست بين أصدقاء صينيين وسألتهم: ماذا تعرفون عن مذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا، وبالطبع لم أسألهم عن دنشواي، فسألوني هم: أين تلك الأماكن التي تتحدث عنها؟ ولم أدهش لردهم.مصر أمام متحف روميل.

مرحبا على المقهى الإلكتروني

husseinismail@yahoo.com

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.