محتويات العدد 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2005‏
م
التعليم الإسلامي في الصين

سليمان يوسف نيه ون جيان وماجد تشنغ بوه رونغ

يبلغ عدد مسلمي الصين، حسب أحدث الإحصاءات، عشرين مليون نسمة. ولكن هذا الرقم وإن كان يفوق عدد سكان كثير من الدول الإسلامية  فإنه لا يتجاوز54ر1%  من سكان الصين المليار وثلاثمائة مليون. وينتمي المسلمون الصينيون إلى عشر أقليات قومية، أكبرها قومية هوي التي تعتبر، إلى حد كبير، القومية الرمز للمسلمين الصينيين ثقافيا واجتماعيا ودينيا.الصين صين صين صين صين

تعود أصول أبناء قومية هوي إلى بلاد العرب والفرس ودول أخرى في آسيا الوسطى، حيث جاء أسلافهم إلى الصين قبل أكثر من ألف سنة لأهداف عسكرية وتجارية وغيرها. وقد استطاع هؤلاء القادمون، عبر جهود جبارة، اتخاذ الصين وطنا لهم وانخرطوا في المجتمع الصيني، وشكلوا تدريجيا قومية هوي المسلمة في الصين، وأطلقوا على أنفسهم أبناء "هوي هوي". الصينالصين صين صين صين صين

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصين بها خمس وخمسون أقلية عرقية تعيش جنبا إلى جنب مع قومية هان التي ينتمي إليها الغالبية العظمى من الصينيين. قومية هوي من أكثر قوميات الصين تميزا، فأبناء هوي موجودون في كل أرجاء الوطن، وإن كانت لهم تجمعات  في أحياء أو مناطق خاصة بهم. وهم يعيشون مع أبناء هان والقوميات الأخرى في انسجام، ويباشرون أعمالهم معهم بشكل وثيق، ولكنهم يحافظون على تميزهم العرقي ومنظومة حياتهم الاجتماعية الفريدة، ولم يذوبوا في قوميات أخرى كما حدث لبعض الأقليات في تاريخ الصين. ولعل أهم أسباب ذلك الوعي القومي الراسخ لدى أبناء "هوي هوي"، هذا الوعي الذي يمنح مجتمع "هوي هوي" قوة هائلة للتصدي للتأثيرات الخارجية التي قد تحتويه، وليس من شك أن هذا الوعي المميز هو نتيجة التعليم الإسلامي.الصين الصين صين صين صين صين

لقد واجه المسلمون الأوائل الذين قدموا إلى الصين مهمات عديدة للاستقرار في هذا البلد، على رأسها بناء المساجد في الأماكن التي أقاموا بها، ثم تبنى اللغة الصينية كلغة لحياتهم اليومية بدلا من لغتهم الأصلية، سواء العربية أو الفارسية لتيسير التعامل مع الصينيين. المساجد واللغة الصينية وضعتا أسس ظهور التعليم الإسلامي في الصين، الذي أصبح فيما بعد عنصرا حيويا لنشر الإسلام وتطوير الثقافة الإسلامية على نطاق واسع في هذه الأرض الطيبة.الصين الصين صين صين صين صين

يستهدف التعليم الإسلامي في الصين رئيسيا تربية العقيدة الدينية والقيم والمبادئ الأخلاقية والمعارف الإسلامية لدى المسلمين. وتشير السجلات التاريخية إلى أن التعليم الإسلامي النظامي في الصين ظهر في أواسط القرن السادس عشر، وقد تفرع إلى اتجاهين من حيث أسلوب التعليم: الأول، التعليم التقليدي في المساجد؛ الثاني، التعليم النظامي في المدارس الإسلامية، وهو الأسلوب الذي ظهرا متأخرا عن الأول. ويعد المعلم الإسلامي الكبير هو دنغ تشو(hu dengzhou) (1522- 1597) رائد التعليم في المساجد، وهو الأسلوب الذي صار بعد حوالي خمسمائة سنة من التطور الطريقة الرئيسية لنشر المعارف الإسلامية وإعداد المتخصصين في العلوم الإسلامية. في المساجد يلقي الأئمة دورسا دينية للتلاميذ، وينظمون نشاطات تدريس لهم. أما التعليم النظامي في المدارس الإسلامية فظهر في بداية القرن العشرين، وكان أول من دعا إليه هو العالم الكبير وانغ كوان(wang kun) (1848-1919)، وكان شخصية بارزة في الأوساط الدينية ببكين. هذا الأسلوب من التعليم الحديث توارث التقاليد الحميدة  للتعليم الديني في المساجد، وأضاف إليه المواد الدراسية الحديثة في العلوم الاجتماعية، وهي المواد التي افتقر إليها التعليم المسجدي، ونقل العملية التعليمية من المسجد إلى المدرسة، وهكذا دخل التعليم الإسلامي إلى مرحلة جديدة في الصين. ولا بد لنا هنا أن نذكر فضل المسلمين الصينيين القدماء الذين كرسوا حياتهم لنشر ثقافتهم الإسلامية وإبراز التقاليد الإسلامية الحميدة وإعداد الأكفاء في العلوم الدينية والثقافة القومية. لقد اجتهدوا في تعلم العربية والفارسية والصينية لاستيعاب العلوم الإسلامية والثقافة الصينية التقليدية معا، واستطاعوا استخدام اللغتين العربية والفارسية في التدريس، وقاموا بترجمة أمهات الكتب الإسلامية إلى اللغة الصينية، الأمر الذي مهد طريقا ميسرا لانتشار الثقافة الإسلامية في الصين.الصين الصين صين صين صين صين

لقد ارتبط ظهور وتطور التعليم التقليدي في المساجد بالتوزيع الجغرافي للمسلمين في الصين، فهم موجودون في كل أنحاء البلاد ولكن لهم تجمعات كبيرة. وحيث أنه لا بد من وجود مسجد في كل مكان يعيش به المسلمون فقد بات المسجد موقعا مثاليا لتعميم المعارف الإسلامية بين المسلمين وأطفالهم. ويمكن القول بأن أسلوب التعليم التقليدي في المساجد قد استند في ظهوره إلى خلفية اجتماعية لتعليم الكتاتيب في الصين القديمة ودمجه بأسلوب التعليم التقليدي داخل المساجد الذي كان شائعا في الدول الإسلامية في العصور الوسطى، وقد جسد ذلك في أبهى صورة كيف واءم المسلمون الأوائل بالصين دينهم مع الظروف المحلية.  كان التعليم في المساجد مفتوحا أمام جميع المسلمين وأبنائهم، وكان المسلم يدرس ويقيم  دون مقابل، مما أتاح للمسلمين الفرصة لرفع وعيهم الديني وترسيخ عقيدتهم.الصين الصين صين صين صين صين

إن التعليم الإسلامي في المساجد أسلوب تعليمي ذو خصائص صينية، وقد تفرع إلى عدة مدارس فكرية حسب  الظروف المحلية المختلفة، منها مدرسة مقاطعة شانشي(shanxi) التي تمتاز بدقة البحوث والتدريس في علم الكلام وعلم التفسير؛ ومدرسة مقاطعة شاندونغ(shandong) التي تهتم بتدريس الكتب الدينية باللغتين العربية والفارسية، وبالانحياز إلى مذهب الصوفيين؛ ومدرسة مقاطعة يوننان(yunnan) التي تعمل على إصلاح أسلوب التعليم في المساجد، وتدعو إلى تدريس الكتب الدينية باللغتين العربية والصينية معا؛ ومدرسة خهتشو بمقاطعة قانسو(gansu) في شمال غربي الصين، والتي تمتاز باهتمامها بتفسير وتدريس أمهات الكتب مثل ((تفسير القاضي)) و((مشكاة المصابيح)) و((إحياء علوم الدين)) وغيرها، أما التعليم الديني في منطقة شينجيانغ(xinjiang) فعبارة عن الكتاتيب الصغيرة مع وجود المدارس الملحقة بالمساجد الكبيرة في مختلف الأماكن، ويشبه إلى حد كبير التعليم الإسلامي في دول آسيا الوسطى من حيث الطرق الإدارية والتعليمية وكذلك مواد التدريس.الصين الصين صين صين صين صين

لم يكن التعليم الديني عند ظهوره متكاملا ومنتظما كما هو عليه حاليا، فقد بدأ في بيوت المسلمين وكانت مواد التدريس متفرقة وغير موحدة، وعملية التدريس غير منتظمة. ثم تطور الأمر، وانتقل التدريس إلى داخل المسجد، حيث تتسع ساحة التعليم لعدد أكبر من طلاب العلم، والأئمة، وأصبح المعلمون مؤهلين  لوضع مناهج التدريس وإعداد المواد المدرسية وإلقاء الدروس، وبذلك تم تشكيل نظام رسمي للتعليم الإسلامي التقليدي في المساجد بالصين. وفي تاريخ الصين المعاصر شهد أسلوب التعليم الإسلامي التقليدي في المساجد تطورا واضحا، فأضحت ساحة التعليم الديني جزءا لا يتجزأ من التخطيط المعماري للمسجد، حيث توجد عادة في كل مسجد قاعتان ملحقتان تقع إحداهما في جنوب قاعته الرئيسية والأخرى في شمالها، وهما مخصصتان للتعليم الديني. وبالنسبة لمواد التدريس فقد زادت المحتويات المدرسية الجديدة حول المعارف الأدبية الصينية إلى جانب المعارف الإسلامية الأصلية، كما تجري عملية التدريس على مراحل حسب المناهج التعليمية التي يقررها الأئمة والمعلمون المتخصصون.الصين الصين صين صين صين صين

وخلال المائتين أو الثلاثمائة سنة الأخيرة يجرى التعليم في المساجد على مرحلتين؛ الأولى مخصصة للأطفال الذين يبدءون دراستهم من تعلم الحروف العربية قراءة وكتابة، حتى يمكنهم تلاوة القرآن بالعربية بلغة صحيحة. وفضلا عن ذلك يدرسون الأحكام الإسلامية الأساسية وأداء الصلاة بالحركات والتعبيرات السليمة، وقراءة كتابات دينية عامة، وتستغرق هذه المرحلة ثلاث أو أربع سنوات. وعندما يكمل التلميذ دراسته في المسجد يصبح مسلما مخلصا أمينا. أما المرحلة الثانية للتعليم في المساجد فتستمر ست أو سبع سنوات، وعلي الطالب أن يبذل جهودا شاقا في دراسته الطويلة، وتحت إرشاد الأئمة يتعلم نوعين من المحتويات المدرسية: المواد الأساسية مثل اللغة العربية واللغة الفارسية وعلم الفلسفة وعلم البلاغة، وكذلك المواد الدينية التي يبلغ عددها ثلاث عشرة مادة، منها ((القرآن)) وتفسيره، والحديث النبوي، وعلم الكلام، وعلم السنة، ومذهب الصوفيين وغيرها. وبعد أن يتم دراسته في المسجد، ويقر الأئمة تخرجه يصبح مؤهلا ليكون إماما يقود الأعمال الدينية والتعليمية في المساجد.الصين الصين صين صين صين صين

تشكل أسلوب التعليم المنتظم في المدارس الإسلامية في الصين في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وقد جاءت "حركة الرابع من مايو" عام 1919 بثقافات جديدة إلى الصين، وأثارت تيارا فكريا قويا للإصلاح لدى المثقفين ووجهاء المسلمين، فعقدوا العزم على شق طريق جديد للتعليم الإسلامي من أجل تحسين الواقع الاقتصادي والثقافي للمسلمين الصينيين، ففتحوا مدارس إسلامية نظامية في بكين وشانغهاي ومقاطعات سيتشوان(sichuan) ويوننان وشاندونغ ومنطقة نينيغشيا(ningxia) وغيرها، وطبقوا فيها طرقا تربوية حديثة، فبدأ الطلبة فيها يدرسون العلوم الدينية والعلوم الثقافية المعاصرة معا. ومن أشهر هذه المدارس: مدرسة "تشنغدا" للمعلمين في بيبينغ (بكين حاليا)، مدرسة المعلمين الإسلامية في شانغهاي، مدرسة المعلمين الإسلامية في محافظة وانشيان لمقاطعة سيتشوان، ومدرسة ووتشونغ للمعلمين في منطقة نينغشيا، ومدرسة "مينغده" المتوسطة في مقاطعة يوننان، ومدرسة "تشونغشي" المتوسطة في مدينة جينتشنغ بمقاطعة شنشي (انظر مقالة " بعد تشنغ خه، الصين تحتفل بالبطل المسلم ما جيون" المنشورة في العدد السابق). وقدمت هذه المدارس مساهمات هامة في إعداد المسلمين ذوي الإدراك الديني الراسخ والمعارف العلمية الحديثة. وقد بادر المعلمون المسلمون الرواد إلى إيفاد أعداد كبيرة من المسلمين الشباب إلى مصر والهند (باكستان حاليا) لتعميق دراستهم الدينية، فأصبح الكثير منهم ركيزة لتطوير التعليم والثقافة الإسلامية في الصين.الصين الصين صين صين صين صين

بعد ولادة الصين الجديدة عام 1949 حقق التعليم الإسلامي تقدما عظيما، فبرعاية من الحكومة أنشئ المعهد الصيني للعلوم الإسلامية في بكين عام 1955، وهو أعلى مؤسسة تعليمية إسلامية في الصين ويجسد مستوى التعليم الإسلامي التخصصي المعاصر بها. وهدف المعهد هو إعداد المتخصصين القادرين على تحمل المهمات الدينية والإدارية في المسجد والقيام بالأعمال المتعلقة بالشؤون الخارجية أو العمل في الدوائر التعليمية للعلوم الإسلامية من مختلف المستويات. ويشترط لمن يتخرج في المعهد أن يكون مخلصا للوطن، ومؤيدا للنظام الاشتراكي، وعلى مستوى رفيع للمعارف الإسلامية وللغتين العربية والصينية. ويطبق المعهد طرق التدريس الحديثة من محاضرات وتدريس ميداني، وتنقسم المواد الدراسية إلى نوعين: المواد الدينية التخصصية (العقيدة وتاريخ الإسلام وغيره) والمواد الأساسية للتخصصات الإنسانية للجامعات العامة (تاريخ الصين والعالم، والجغرافية والسياسة واللغة الصينية وغيرها). يقبل المعهد طلابه عن طريق امتحان موحد في كل الصين. وإلى جانب التعليم النظامي على المستوى الجامعي يقيم المعهد أيضا دورات تعليمية متنوعة في بعض التخصصات أو لدراسة موضوعات دينية معينة، أو لإعداد الأئمة العاملين في المساجد، وأيضا يقدم المعهد دراسات تكميلية للشباب الراغبين في تعميق دراستهم في الجامعات الإسلامية خارج البلاد. وإلى جانب التعليم الجامعي أولت الدولة أهمية أكثر لتطوير التعليم العام في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة للنشء المسلم ، لذلك أقامت في أنحاء البلاد كثيرا من المدارس الخاصة لهم، وذلك إلى جانب وجود عدد كبير من المدارس الملحقة بالمساجد في مختلف الأماكن.  الصين الصين صين صين صين صين

وفي السنوات الأخيرة ومع تعمق الإصلاح والانفتاح على الخارج وتطبيق سياسات الدولة الخاصة برعاية الأقليات القومية وتطوير الشؤون الدينية، تمت إقامة تسعة معاهد إسلامية محلية في كل من بكين ومنطقتي شينجيانغ ونينغشيا ومقاطعات قانسو ولياونينغ(liaoning) وتشينغهاي(qinghai) وخبي(hebei) وخنان(henan) ويوننان، وتلعب حاليا هذه المعاهد دورا متزايد الأهمية في تطوير التعليم الإسلامي بالصين ودفع تقدم اقتصاد المسلمين الصينيين وازدهار حياتهم الثقافية.الصين الصين صين صين صين صين

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.