محتويات العدد 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2005‏
م

مئوية السينما الصينية

تانغ يوان كاي

قبل قرن من الزمان ولد أول فيلم صيني، وهو <<غزو جبل دينغجيون>>. كان رن تشينغ تاي، صاحب أستوديو فنغتاي للتصوير ببكين، وهو واحد من الطلاب المبعوثون إلى اليابان للدراسة الذين لديهم أفكار حديثة، هو صاحب فكرة الفيلم. وأقام دار عرض بالعاصمة الصينية مكان متجر قديم. لاحظ رن أن المشاهد الصيني فقد حماسه للسينما بعد حوالي عشر سنوات من مشاهدة الأفلام الأجنبية القصيرة التي تقدم له صورة مغايرة تماما لعاداته وتقاليده ومجتمعه. علق رن آماله على أوبرا بكين، التي كانت تعد أحدث شكل فني في الصين ذلك الزمان، وبالفعل دعا تان شين بي، أشهر ممثل في أوبرا بكين إلى لعب دور البطولة في فيلمه.أول فيلم صيني

"غزو جبل دينغجيون" اقتبس بعض المشاهد من البرنامج التمثيلي التقليدي لأوبرا بكين الذي يحمل نفس الاسم ببساطة، ولكنه حقق إيرادات عالية وكان نقطة الانطلاق للسينما الصينية. وهكذا جمعت السينما الصينية لحظة ولادتها بين فنون السينما والفن الأكثر شيوعا ووطنية في الصين، وهو أوبرا بكين، بمعنى أنه تم تصيين فن السينما المستورد. وكان الفيلم الصيني الأول مختلفا عن أول فيلم في العالم، <<Workers leaving the Lumier factory>> للمخرج Louis Lumiere الذي وصف مشاهد من الحياة اليومية. ولكن باستثناء <<غزو جبل دينغحيون>> كانت الأفلام الصينية في المرحلة الأولى مقلدة للأفلام الغربية الصامتة، وتحديدا أن يكون بطل الفيلم على شاكلة شارلي شابلن مقلدا له في حركات مطاردة سيارة ورفس الآخرين من الخلف وتكسير أدوات المائدة. في ذلك الوقت لم تعرف الأفلام الصينية طريقا خاصا بها.أول فيلم صيني

كانت أكبر صعوبة واجهها السينمائيون الصينيون هي كيفية تقديم منتج سينمائي للمواطن الصيني يتفق مع ذوقه وشخصيته وحياته. في عام 1923 أنتج الفيلم الروائي، <<اليتيم ينقذ جده>> الذي كان علامة بارزة في مسيرة السينما الصينية في مرحلتها الأولى. الفيلم الذي كتب السيناريو له تشنغ تشنغ تشيو وأخرجه تشانغ شي تشوان، أبكى المشاهدين الصينيين بقصته التي تصف الفراق بين أفراد الأسرة الواحدة، وبطابعه الوطني الصيني المؤثر. وقد وضع <<اليتيم ينفذ جده>>، تقليدا للأفلام الصينية اللاحقة وهو الاهتمام بالتوعية الاجتماعية. اتخذ <<اليتيم ينفذ جده>> الأسرة محورا له وأبرز التناقض والتعارض داخل العائلة الواحدة حول المبادئ الأخلاقية، وعكس الواقع وشرح المبادئ الأساسية، فكان استمرارا لتقليد تاريخي وتوارثا للثقافة الصينية التي كانت تدعو قديما إلى أن المقالة تُكتب من أجل شرح المبادئ الأساسية.أول فيلم صيني

وخلال مائة عام ظل الطابع القصصي والحبكة المعقدة والنابضة بالحياة ورسم صورة الشخصية السمة الأساسية لمعظم الأفلام الصينية، وخاصة قبل ثمانينات القرن الماضي، ويرجع ذلك إلى تأثير الأدب الصيني الراسخ والمسرحية الصينية المتطورة، وفي نفس الوقت شكلت هذه السمة طبيعة المشاهد الصيني في الاستمتاع بالأفلام، ومازالت محتفظة حتى الآن، ولذلك صارت في المقام الأول للأفلام الصينية خلال مدة طويلة.أول فيلم صيني 

شيه جين، وهو أحد أفراد كتيبة من يُطلق عليهم الجيل الثالث للمخرجين الصينيين توارث هذه الروح للأفلام الصينية، وبعد انتهاء الثورة الثقافية (1966م-1976م) أخرج أفلامه عن طريق حبكة التناقض والتعارض حول المبادئ الأخلاقية للعائلة والسياسة. أفلام شيه جين جعلت المواطن الصيني يعيد التفكير في أحداث الثورة الثقافية والمآسي التي لحقت بالصينيين جراء الحركات السياسية، وفي نفس الوقت كانت هذه الأفلام مثل بلسم يخفف جراح المكلومين. أفلام شين جيه أخرجت الصيني العادي إلى دور السينما وتأثر بها، ومازالت أفلامه بعد كل هذا الزمن مفضلة لدى الصينيين، ومازال شيه جين، وفقا لاستطلاع للرأي قامت به شركة هورايزون في بكين وشانغهاي، يحتل القمة بين المخرجين الصينيين، فقد اختاره 25% من المشاهدين في هذه المدن كأفضل مخرج صيني، متقدما على المخرج الصيني العالمي تشانغ يي مو.أول فيلم صيني

الأفلام الوطنية

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر عام 1949 واكبت السينما الصينية الواقع الجديد فعكست ما تفيض به الصين الجديدة من فوران وحيوية وحماسة ثورية. وأبرزت الأفلام الصينية روح العصر وكانت الثورة موضوعها الرئيسي والعمال والفلاحون والجنود هم الشخصيات الرئيسية، وأنتج السينمائيون مجموعة من الأفلام الكلاسيكية ذات الطابع العصري والصيني أيضا وذات المحتوى الثقافي والفني الرفيع، ومنها <<تشانغ قا، الجندي الصغير>> إنتاج عام 1963. في هذا الفيلم البطل صبي شقي يمسك الصغار بأسنانه ويشدهم بعد أن يفشل في صراعه معهم، ولكنه في النهاية يصبح بطلا صغيرا في مقاومة العدوان الياباني.أول فيلم صيني

بعد انتهاء الثورة الثقافية ظهر جيل جديد من المبدعين السينمائيين ومنهم تشن كاي قه، وهو ابن واحد من مخرجي << تشانغ قا، الجندي الصغير>>. وقد قال تشن كاي قه ذات مرة إن الأساتذة كانوا يطلبون منا أن نتفوق على الأساتذة أنفسهم، وهذا يعكس الآمال العريضة التي علقتها الأجيال السابقة على هذا الجيل من المخرجين. في عام 1984 أنتج تشن أول أفلامه، <<أرض التراب الأصفر>> وكان عمره اثنين وثلاثين عاما، وتمرد به على التقاليد. وقد كان لهذا الفيلم الذي يتكلم فيه الممثلون قليلا تأثير عميق على السينما الصينية، وفي نهايته مشهد مكون من عدد كبير من الشباب الذين يضربون طبلة الخصر، ويهتفون عاليا، وفي ذلك الوقت تأثر به معظم المشاهدين الصينيين، ومازال واحدا من عناصر إظهار صورة الأمة الصينية حتى الآن. أول فيلم صيني

مخرج <<أرض التراب الأصفر>> مع مصور الفيلم تشانغ يي مو، الذي أصبح مخرجا في ما بعد، واصلا مع الجيل الخامس للمخرجين الصينيين إنتاج أفلام تسعى إلى الحقيقة وإلى الجديد والتغيير. وقد حصلوا على الجوائز الكبرى في مهرجانات السينما الدولية، ومازالوا مفعمين بالنشاط والحيوية حتى الآن، وحققت أفلامهم الجديدة إيرادات عالية في ظل اقتصاد السوق.أول فيلم صيني

مع الانفتاح الكبير الذي يشهده قطاع السينما في الصين ظهر نجوم الجيل السادس من السينمائيين، ومنهم وانغ شياو شوان وجيا تشانغ كه وغيرهما. وقد شاركت أفلامهم في مهرجانات السينما الدولية. هذا الجيل من المخرجين يختار موضوعات وشخوص أعمالهم من واقع الحياة ويبرزون الواقع الاجتماعي ويعبرون عن أنفسهم بشكل حقيقي، يستخدم جيا تشانغ كه كثيرا من اللقطات البعيدة (الزورم إن) في أفلامه ليقلل تأثيره كمخرج في الممثلين، وكي يؤدوا أدوارهم كـنهم يعيشون حياتهم اليومية. بينما تمرد وانغ شياو شوان على التقاليد منذ أول فيلم أخرجه، وحبكة أفلامه تبدو غير متماسكة. أول فيلم صيني

المنافسة التجارية

عندما اعتلى أفراد الجيل الخامس من السينمائيين المسرح انطلقوا من احتقارهم لعوامل السوق، ولكن أعمدة هذا الجيل اتخذوا في ما بعد طابعا تجاريا واضحا في أعمالهم، وهذا الكلام ينطبق على الجيل السادس أيضا. لقد تحول السينمائيون الصينيون، ربما دون وعي منهم، إلى طريق جديد نتيجة للاعتراف الاجتماعي بهم وضغوط اقتصاد السوق وأبرز نموذج لهذا تشانغ يي مو في فيلمه <<البطل>> الذي حقق إيرادات شباك بلغت عشرات الملايين دولار أمريكي.أول فيلم صيني

قبل سنوات قال تشو ده شيونغ، نائب رئيس أستوديو بكين للأفلام سابقا إن التفكير في توفير النفقات غير مطروح، فمسألة تكلفة الإنتاج لا تعنينا. معنى هذا الكلام، وفقا لوو تيان مينغ، رئيس ستوديو شيآن للأفلام سابقا أنه في نظام الاقتصاد المخطط الذي كان معمولا به في الصين كانت الدولة تحتكر إنتاج وتسويق الأفلام، وكانت مصلحة السينما بوزارة الثقافة تحدد كل سنة خطة إنتاج الأفلام، بينما تتولى مصلحة الثقافة في كل المقاطعات وضع "خطة الإنتاج الصناعي" لكل أستوديو، دون قلق على التكلفة، لأنها مخصصة من ميزانية الدولة. في عام 1960 بدأ وو تيان مينغ العمل في أستوديو شيآن للأفلام، وفي ثمانينات القرن الماضي دفع إصلاح آليات العمل أثناء توليه رئاسة الأستوديو، وأتاح فرصا كثيرة لشباب السينمائيين الصينيين، ومنهم تشانغ يي مو.أول فيلم صيني

وقد ظلت الأفلام وسيلة الترفيه والتسلية الأساسية للمواطن الصيني عشرات السنين، وفي عام 1979 سجل سوق الأفلام في الصين رقما قياسيا تاريخيا حيث بلغ معدل مشاهدة الأفلام سنويا 28 فرد / مرة، وإجمالي عدد مشاهدي الأفلام سنويا 3ر 29 مليار فرد / مرة. هذه الصورة اختلفت في السنوات الأخيرة، فهناك عدد كبير من الصينيين لم يدخلوا دار سينما لمدة سنوات عديدة. وقد انخفضت العائد من التذاكر من مئات الملايين دولار أمريكي، في أوج رواج السينما، إلى عشرات الملايين دولار أمريكي الآن، بل إن الفضل في هذه العشرات ملايين يرجع إلى أفلام هوليود المستوردة إلى حد كبير. حالة العزوف الجماهيري عن السينما لها أسباب اجتماعية وترتبط بنظم وسياسات هذا القطاع، وأبرز المشاكل هي الافتقار إلى التمويل وصعوبة التوزيع.أول فيلم صيني

بدأ إصلاح قطاع السينما في الصين بإصلاح نظام التوزيع، كما أصبح على الاستوديوهات المملوكة للدولة أن تواجه بنفسها مسألة تكلفة الإنتاج. في عام 1993 توقفت الشركة الصينية لتوزيع وعرض الأفلام عن الالتزام بشراء وتسويق الأفلام المنتجة بالصين، سمحت للاستوديوهات أن تتولى بنفسها أمورها التجارية مع شركات التوزيع المحلية مباشرة بشأن حقوق التوزيع المحلي وحقوق توزيع فيلم واحد وتوزيع قيمة الدخل من التذاكر والتوزيع بالوكالة الخ، وفي نفس الوقت بدأت الاستوديوهات إصلاحا داخليا، ولم تعد الدولة المستثمر الوحيد في إنتاج الأفلام، حيث سمح للاستثمار سواء من داخل الصين أو خارجها بتمويل إنتاج الأفلام.أول فيلم صيني

وخلال عشر سنوات بعد عام 1993 شهد هذا القطاع تغيرات كبيرة، حيث أصبحت الشركات المملوكة لأفراد لها نفس حقوق التي للاستوديوهات المملوكة للدولة. يقول وانغ تشونغ جيون، رئيس مجلس إدارة شركة HTF: الأستوديوهات المملوكة للدولة لديها قطعة من الأرض وزعتها عليه الدولة ولديها تجربة وخبرة عشرات سنين، ونحن لا نختلف عنها شيئا إلا في هذه الأرض والخبرة، وهناك أنماط مختلفة من الإدارة في سوق السينما الصينية الآن، ومنها بعض الأفلام يحصل على جوائز في مهرجانات السينما الدولية أولا، وبعد ذلك يعرض داخل الصين مثل <<أحلام شانغهاي>>، وبعض المخرجين لهم أعمال تحقق دخولا عالية مثل تشانغ يي مو وغيره. وتوقع وانغ أنه مع المزيد من انفتاح قطاع السينما فإن مزيدا من التحسن قادم. البعض ينتهج نمط الإدارة السينمائية المعمول به في عاصمة السينما العالمية هوليود، والبعض يحاول إيجاد نمط ذي خصائص صينية باستمرار.أول فيلم صيني

المخرج الصيني تشن كاي قه في فيلمه الذي يصوره حاليا "الوعد" يسعى لتقديم عمل سينمائي يحقق رواجا عالميا ويحظى بتقدير النقاد أيضا. ويؤكد تشن كاي قه، وبالقول إننا نحب السينما الصينية، ونثق بها، وخاصة مستقبلها.أول فيلم صيني

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.