محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) ‏2005‏
م

لقاء على غير موعد

أبو عمار في شانغهاي!

أبو عمار في شانغهاي مع د.السفاريني (اليمين)
عرفات مع تشاو تشي تشنغ

 

إذا كانت وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أحدثت تأثيرا عميقا في كل العالم، فإن الحديث كان له في الصين صدى لا يقارن، فأكثر من 80% من المادة الصحفية التي نشرتها الصحف الصينية خلال فترة مرضه ووفاته كانت عن حياته ومرضه وشخصيته العظيمة. ين صدى لا يقارن، فأكثر

د. مصطفى السفاريني، وهو صديق للشعب الصيني وسفير فلسطين السابق لدى الصين، خير من يحدثنا عن عرفات والصين. تخرج د. السفاريني في كلية اللغة الصينية بجامعة بكين عام 1976، ويجيد اللغة الصينية، وهو حاليا مدير المركز العربي للمعلومات ببكين. عمل سفيرا لفلسطين لدى الصين في الفترة من 1992 إلى 2002. العلاقة بينه وبين الرئيس عرفات كانت علاقة ابن بأب، ويعتز د. السفاريني بأنه كان يذيل أي رسالة رسمية للرئيس عرفات بتوقيع "ابنكم مصطفي السفاريني".ين صدى لا يقارن، فأكثر

وقد كان السفاريني شاهدا ومشاركا في أحداث قصة إنسانية للرئيس عرفات دارت وقائعها في مدينة شانغهاي، عندما هبطت الطائرة المقلة للرئيس اضطراريا في مطار هونغتشياو بالمدينة الساحلية الصينية في ديسمبر 1991، ليمضي عرفات ووفده ليلة كاملة بصحبة نائب عمدة المدينة تشاو تشي تشن، الوزير الحالي المسئول عن مكتب الإعلام لمجلس الدولة الصيني. ين صدى لا يقارن، فأكثر

كان الوقت شتاء 1991، وكان الرئيس عرفات قد زار أكثر من 20 دولة في أقل من شهر. في ذلك الشتاء القارس، كان الشعب الفلسطيني يمر بأوضاع صعبة في بداية انطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط، وقد قام الرئيس عرفات بتلك الجولة التاريخية لإطلاع الأصدقاء على تطورات الأوضاع لكسب تأييدهم ودعمهم للحق الفلسطيني.ين صدى لا يقارن، فأكثر

أحدث تفكك الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني العام 1991 تغيرات عميقة على الساحة الدولية وكان لذلك أثره الكبير على القضية الفلسطينية وربما كان عرفات أكثر الزعماء الذي تأثروا بهذه التطورات. كان قادة جمهوريات الاتحاد السوفيتي المستقلة مجتمعين في ألماآتا، عاصمة جمهورية قازقستان، حيث وافقوا على إقامة كومنولث الدول المستقلة. بعد اختتام جولته الناجحة في جنوب شرقي آسيا، قرر الرئيس عرفات التوجه إلى ألماآتا لإطلاع القادة المجتمعين هناك على الأوضاع في المنطقة وللوقوف على ما يحدث هناك، واعتبر زيارة ألماآتا أهم محطة لجولته التاريخية في آسيا.ين صدى لا يقارن، فأكثر

لم يكن لعرفات طائرة خاصة، وكانت الطائرة التي تقله هذه المرة تحمل العلم الليبي.ين صدى لا يقارن، فأكثر

في الثاني والعشرين من ديسمبر عام 1991، اختتم الرئيس عرفات زيارته الرسمية لجمهورية لاوس وأقلعت الطائرة من العاصمة فينتيان شمالا باتجاه الأراضي الصينية، في الطريق إلى ألماآتا عبر الخطوط الجوية الدولية التي تمر ببكين ثم إلى الماآتا. غير أن عرفات، اختصارا للوقت أراد السير خارج الخطوط الدولية، بقطع المسافة من جنوب الصين مباشرة إلى أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ، المجاورة لقازقستان د. السفاريني، الذي كان مرافقا للرئيس عرفات تحدث مع المحطة الأرضية الصينية وطلب موافقتها على تخصيص خط غير دولي لسير الطائرة من جنوب الصين إلى شمالها الغربي. غير أن القيادة المركزية ردت بالرفض حفاظا على سلامة الرئيس عرفات، حيث أن المسافة طويلة والبرد شديد والثلج يتساقط، ولا مفر من أن تسلك الطائرة الطريق الدولي وتمر ببكين. الطقس كان سيئا، وطلب طاقم الطائرة السماح لهم بالهبوط في أقرب مكان ممكن لسوء الأحوال الجوية، وكانت شانغهاي هي أقرب مكان. بالفعل هبطت الطائرة في مطار هونغتشياو بشانغهاى في الساعة الحادية عشرة ونصف مساء. بعد أن استراح الطيارون قليلا وتزودت الطائرة بالوقود أبلغتهم المحطة الأرضية بأن الضباب الكثيف يحول دون إقلاع الطائرة!ين صدى لا يقارن، فأكثر

لم يكن عرفات مستريحا، كان مثقلا بالهموم والتعب ولكنه يحسب الوقت كعادته بالثانية، وطلب الإقلاع فورا. عندما توقفت الطائرة في نقطة الوقوف كان كثير من المسئولين الصينيين ينتظرون، من بينهم شيوي تشاو تشون، من مكتب الشؤون الخارجية في حكومة شانغهاى، الذي نصح الرئيس عرفات بالتوقف في المطار قليلا حتى يتحسن الجو، لكن نصحه لم ينفع شيئا.ين صدى لا يقارن، فأكثر

باسم التحرير، الطائرة تقلع!ين صدى لا يقارن، فأكثر

الرجل الذي واجه الشدائد ما كان الضباب ليخيفه. قال مجادلا: "باسم التحرير تقلع الطائرة فورا!" ين صدى لا يقارن، فأكثر

في تلك اللحظة الحاسمة، وصل تشاو تشي تشنغ، نائب عمدة شانغهاى المسئول عن العلاقات الخارجية إلى المطار. زاد الضباب وقل مدى الرؤية بكثير، لدرجة أن نائب العمدة وصحبه تلمسوا بأيديهم طريقهم إلى صالة قاعة المطار. دعا تشاو عرفات إلى استراحة المطار ورحب به بحرارة.ين صدى لا يقارن، فأكثر

نظر الرئيس إلى الساعة وقال: الطائرة جاهزة. نائب العمدة قال له: " يا فخامة الرئيس، أنا نائب عمدة شانغهاى، ومهمتي هي الحفاظ على راحتك، وأنا هنا أن أقرر أنه لا يمكن أن تقلع الطائرة في مثل هذا الجو!" الرئيس سأل: " لماذا؟" فأجابه تشاو: "لدينا تعليمات من الحكومة المركزية أن نعتني بكم وبصحتكم وبسلامتكم!" سأله الرئيس عرفات مرة ثانية " لماذا؟" أجابه: "لأنكم لستم بقائد فلسطيني فحسب، بل أنتم صديق حميم للشعب الصيني!"ين صدى لا يقارن، فأكثر

هدأت أعصاب الرئيس عرفات ولكنه وضع شرطا: "إذا منعتم الطائرة من الإقلاع تجلس معي وتتحدث إلى أن يتحسن الجو!" عرفات، الذي كان متعبا ومرهقا في الطائرة، لم تبد عليه علامات تعب بعد لقاء تشاو. بدأ الحوار بين الرجلين من الساعة الثالثة فجرا إلى العاشرة صباحا، وهو ما يسجل رقما قياسيا في تاريخ اللقاءات الرسمية في المطار. كان الحديث ممتعا، وتكفل د. السفاريني بمهمة الترجمة، سعيدا رغم تعبه.ين صدى لا يقارن، فأكثر

بدأ الحديث بالمعونات الكبيرة التي قدمها الاتحاد السوفييتي لفلسطين، واهتمام الرئيس عرفات بتغيرات أوضاع الاتحاد السوفييتي وتأثيراتها على قضية تحرير فلسطين. وقال عرفات إن القوى الغربية قامت بنشاطات هدامة أدت إلى تفكك الاتحاد السوفييتي، وقال إن الزعماء السوفيت خانوا مصلحة الوطن ونسوا التاريخ. وأشاد بحرص الزعماء الصينيين على التاريخ، وقال إنه يصغي إلى آراء القيادة الصينية في النضال العادل مشيرا إلى أن:" الصينيين يمتازون بروح معنوية عالية!" ين صدى لا يقارن، فأكثر

تشاو من جانبه قدم شرحا مفصلا لبرنامج التحديث وما حققته الصين بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، وأيضا حلل الوضع الدولي تحليلا دقيقا، ومضى الوقت وهما يتحدثان عن التاريخ والحاضر. ين صدى لا يقارن، فأكثر

أنا سبارتاكوسين صدى لا يقارن، فأكثر

الرئيس عرفات غير دفة الحديث وسأل نائب العمدة: "من هو سبارتاكوس؟" ولم ينتظر إجابة وبادر بالقول: "إنه فلسطيني!" ثم سأل مرة أخرى :" من هو صلاح الدين؟" وأجاب بنفسه مرة ثانية " إنه فلسطيني أيضا!" وقال إنه يحترم هذين البطلين الفلسطينيين، بالنظر إلى الثورة التي قادها سبارتاكوس في عصر روما القديمة في الفترة بين عام 73 إلى 71 ق.م، والكفاح الذي قامت به القوات الإسلامية ضد الصليبيين تحت قيادة صلاح الدين في القرن الثاني عشر، عبر الرئيس عرفات عن احترامه لهذين الفلسطينيين بأنهما يمتازان بروح عنيدة لم يحنيا رأسهما للاضطهاد الأجنبي، وقال: "أنا سبارتاكوس، أقاوم الاضطهاد من الخارج!"ين صدى لا يقارن، فأكثر

 استمر الحوار واستيقظ حراس الرئيس من نومهم وانضموا للحوار. د. السفارني قال لنائب العمدة: " رئيسنا متعب، لم ينم طوال النهار والليل، نصحناه ولم ينفع في شيء! " اقترح السيد تشاو على الرئيس أن يذهب إلى دار ضيافة قريبة للاستراحة، لكن الرئيس لم يقتنع بمغادرة المطار، فقدم له واحد من الحراس بطانية وضعها عليه على الأريكة، لكن عرفات رفض النوم بل واصل الحوار مع نائب العمدة. ين صدى لا يقارن، فأكثر

أشرقت الشمس، وشرع تشاو يقنع الرئيس بتناول الفطور والاستراحة، على أن يواصلا الحديث على المائدة. وافق عرفات بارتياح، ثم ذهب الجميع إلى فندق لونغباى القريب من المطار، حيث استقبل العاملون الرئيس بالورود وقدموا له أطعمة صينية، وفي منتصف الإفطار، نهض نائب العمدة وقدم له هدية من العسل الصافي، حيث علم تشاو أن الرئيس محب للعسل. ين صدى لا يقارن، فأكثر

عقب الفطور، خرجوا من الفندق، مد الرئيس عرفات يده ووضعها على ذراع تشاو، ومشى معه داخل حديقة الفندق، قال الرئيس: "أرى أن العمل هو أهم شيء، وليس النوم. أتذكر الأيام التي كنا نضع فيها خطة تنفيذية لمبدأ "الأرض مقابل السلام"، بعض رفاقي لم يوافقني، فتحدثت معهم واحدا واحدا، استغرق الحديث ثلاثة أيام ولم أنم، حتى توصلنا إلى الاتفاق التام. واليوم، تحدثت معكم وهذا أهم من النوم بكثير!" ين صدى لا يقارن، فأكثر

  "ابن" عرفات

 

أراكم في فلسطينين صدى لا يقارن، فأكثر

تبددت الغيوم وصحا الجو في الساعة العاشرة صباحا، وأصبح ممكنا أن تقلع الطائرة، ليس هذا فحسب بل وافقت الجهات الصينية على أن تسير الطائرة خارج الخطوط الجوية الدولية وخصصت لها مسارا مباشرا إلى قازقستان. كان الوداع صعبا بين الرجلين، صافح السيد تشاو الرئيس عرفات وقال له: "تأثرتُ بحماسكم، سأبذل كل ما في وسعي لتعزيز العلاقات بين الصين وفلسطين!" الرئيس عانق تشاو وضمه إلى صدره بحب عميق وقال: " أراكم في فلسطين!"ين صدى لا يقارن، فأكثر

بعد أقل من شهر أرسل الرئيس عرفات رسالة خطية إلى السيد تشاو، شكره على الاستقبال الحار، ودعاه مرة أخرى لزيارة فلسطين. ين صدى لا يقارن، فأكثر

يقول د. السفاريني إنه عند الوداع، أثنى تشاو على الرجل الذي تولى الترجمة وقال للرئيس: "الرفيق المترجم متمكن من اللغة الصينية!" ورد الرئيس مفاخرا: " إنه ابني، ربيته وهو طفل!" ثناء تشاو وتشجيع الرئيس كانا عاملا مهما لتعيين د. السفاريني سفيرا لفلسطين في الصين، بعد ذلك بسنة.ين صدى لا يقارن، فأكثر

يقول د. السفاريني: "الرئيس عرفات، غمرني طوال السنوات الماضية بحنان الأب، حتى الآن لا أصدق بأنه رحل عنا، إنه باق في قلوبنا إلى الأبد!" ين صدى لا يقارن، فأكثر

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.