محتويات العدد 1 يناير (كانون الثاني) ‏2005‏
م

موهقاو.. أرض الفنون البوذية المقدسة

لو رو تساي

في الصين أربع مجموعات كهوف تفوق شهرتها ما سواها، من بينها كهوف دونهوانغ، التي تعتبر أكثر فنون البوذية القائمة حاليا في العالم اكتمالا وأكبرها حجما. دونغهوانغ تشمل  كهوف موهقاو وكهف الألف بوذا الغربي وكهف آنشييويلين وكهف الألف بوذا الشرقي. تقع كهوف موهقاو في السفح الشرقي لجبل مينغشا بجنوب شرقي مدينة دونهوانغ بمقاطعة قانسو، تواجه صحراء تاكلامكان الكبرى. الغموض الذي يلف الكهوف وبناياتها الفريدة وأعمال النحت بها ورسومها الجدارية الرائعة تجعل دونهوانغ محط أنظار العالم. وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) كهوف موهقاو بدونهوانغ في قائمة التراث العالمي عام 1987. وقالت لجنة التراث العالمي في حيثياتها إن كهوف موهقاو تقع في موقع إستراتيجي على طريق الحرير. لم تكن محطة للتجارة بين الشرق والغرب فحسب، بل ملتقى للأديان والثقافات والعلوم. بها 492 كهفا، وتشتهر بأعمال النحت والرسوم الجدارية فيها، فهي نافذة يطل منها العالم على الفنون البوذية التي يرجع تاريخها إلى ألف عام.النحت والرسو

اكتشاف كهوف دونهوانغالنحت والرسو

كانت مدينة دونهوانغ المنفذ الذي انتشرت منه البوذية إلى المناطق الشرقية، وهي مركز البوذية في المنطقة الواقعة غربي النهر الأصفر. وقديما، كانت دونهوانغ المكان الذي يفسر فيه الرهبان المشاهير ويشرحون أسفار البوذية ومذاهبها. بدأ حفر الكهوف في عام 366، عندما أقام الراهب له تسون كهفا في وادي دانغتشيوان على سفح جبل سانوي ليقدم فيه القرابين لبوذا. بعد ذلك حفر الرهبان من العصور المختلفة كهوفا في هذا المكان، وتواصل اتساع حجم الكهوف خصوصا في فترة الأسر الشمالية (386 – 581م) وأسرتي سوي وتانغ (581 – 907م). كانت الأسر الشمالية أكثر الأسر الصينية الحاكمة إيمانا بالبوذية في تاريخ الصين، وقد كان عمد مدينة دونهوانغ من أقارب الإمبراطور دائما وحفروا الكهوف بحجم كبير. كان اقتصاد دونهوانغ مزدهرا، فسيول التجار والنزلاء على طريق الحرير لا تنقطع ووصلت كهوف موهقاو ذروة ازدهارها. في فترة أسرة سونغ (960 – 1279م) وأسرة يوان (1206 – 1367م) وعلى الرغم من ترميمها، أخذت موهقاو في الأفول تدريجيا مع تدهور اقتصاد دونهوانغ وفقدان طريق الحرير دوره الهام. الرحالة الإيطالي المشهور ماركو بولو سافر إلى مناطق سهول الصين الوسطى عن طريق دونهوانغ في تلك الفترة، بعد ذلك أصبحت دونهوانغ أرضا قفارا تدريجيا. النحت والرسو

في عام 1035، خشية اعتداء جيش أسرة شيا الغربية (1038 – 1227م) والسلب والنهب، قام الرهبان والوجهاء المتنفذون المحليون بحفظ الكنوز والكتب البوذية والرسوم والمخطوطات والأعمال الفنية الخ في كهف سري (الكهف رقم 17 لكهوف موهقاو) ووضعوا عليه ختما بصورة بوذا حتى يبدو كرسم جداري. احتل جيش شيا الغربية دونهوانغ أكثر من مائة سنة، ولم يكتشف أحد هذا الكهف السري على مدى ألف سنة. حتى عام 1900، اكتشفه الطاوي وانغ يوان لو صدفة وهو يزيل الرمال. خرجت عشرات الآلاف من الكتب البوذية والأوراق النفيسة إلى النور من جديد. جذب الكهف السري المكتشف مجموعات كثيرة من المستكشفين الأجانب وعلماء الآثار الأجانب، الذين حاولوا بشتى الطرق الحصول على التحف التاريخية من يد وانغ يوان لو، ولهذا تسربت التحف النفيسة لكهوف موهقاو إلى خارج الصين، وعرفت الأوساط العلمية داخل وخارج الصين فنونها الرائعة وأصبحت كهوف موهقاو تراثا إنسانيا مشتركا. حسب الإحصاء، يبلغ عدد وثائقها التاريخية في خارج الصين أكثر من 50 ألفا. ويحفظ أكثر من ثمانية آلاف كتاب ووثيقة حاليا في المكتبة الوطنية ببكين. النحت والرسو

القسم الجنوبي والقسم الشماليالنحت والرسو

يبلغ طول كهوف موهقاو من جنوبها إلى شمالها 1680 مترا، وهى عبارة عن صفوف من الكهوف المتراصة التي حفرت في فترات مختلفة، منتشرة في جروف ترتفع من خمسة عشر مترا إلى ثلاثين مترا. تقسم كهوف موهقاو إلى القسم الجنوبي والقسم الشمالي. القسم الجنوبي هو قسم الصلاة لبوذا، فيه 492 كهفا تضم أكثر من 2400 تمثال ملون، وتبلغ مساحة الرسوم الجدارية فيها أكثر من 45 ألف متر مربع، ويقع في هذا القسم الكهف السري المشهور. في هذا القسم ليست كل الكهوف مفتوحة للجمهور. القسم الشمالي هو قسم المعيشة للعمال الحرفيين والرهبان، ولم يجذب اهتمام أوساط العاديات والآثار حتى عام 1988،عندما بدأ معهد دراسة الآثار لأكاديمية بحوث دونهوانغ القيام بترتيب ونبش الكهوف بالقسم الشمالي واحدا بعد واحد، واكتشف 248 كهفا. تختلف الكهوف الشمالية عن الكهوف الجنوبية، فمعظمها خالية من التماثيل الملونة والرسوم الجدارية الجميلة، ولكن بها مصاطب ترابية ومواقد ومحاريب ومشكوات وغيرها من المرافق المعيشية. ويعتقد الخبراء أن القسم الشمالي يضم كهف إقامة الرهبان وكهف التأمل وكهف دفن الموتى وكهف التخزين وكهف إقامة الرسامين.النحت والرسو

كنز للثقافة والفنون القديمةالنحت والرسو

التماثيل الملونة والرسوم الجدارية الرائعة في دونهوانغ لا تسجل أحوال المجتمع في ذلك الوقت فحسب، بل تتمتع بقيمة فنية عالية.النحت والرسو

يبلغ عدد التماثيل الملونة أكثر من 3500. لم يكن ممكنا نحتها على الصخر مباشرة بسبب رخاوة الصخور بدونهوانغ، لذلك استخدم الحرفيون الصلصال في نحتها، غير أن التماثيل الصلصالية أقل تحملا من التماثيل المنحوتة، وهذا ما يجعل التماثيل الملونة بكهوف موهقاو نفيسة ونادرة. معظم التماثيل الملونة بدونهوانغ على شكل شخصيات بوذية، وتزين الرسوم الجدارية الجميلة محيط التماثيل. عمل تمثال من الصلصال مهمة شاقة طويلة، حيث يقوم الحرفي بتثبيت القصب على هيكل خشبي ثم تطيين القصب بالصلصال، ثم شحذه والنحت عليه ثم دهنه بالكلس، وفي النهاية وضع الرسوم الملونة عليه.النحت والرسو

القيمة التاريخية للرسوم الجدارية لا تقل عن قيمتها الفنية. تشمل موضوعات الرسوم الجدارية البوذية والنشاطات الاجتماعية المختلفة مثل جولات الإمبراطور وأعمال الزراعة والصيد وتنقل التجار والمسافرين الخ. مضمون الرسوم الجدارية وشكل الشخصيات بها يختلف من أسرة لأخرى. تشمل الرسوم الجدارية رسما لبوذا ورسوما لقصص بوذية ورسوما لأساطير تقليدية ورسوما لأشخاص يتبرعون للبوذية الخ. تتسم الرسوم الجدارية بخصائص الفنون البوذية في المناطق الواقعة غرب الصين والهند. كانت فترة أسرتي سوي وتانغ المزدهرة هي أوج انتعاش فنون كهوف موهقاو. في الرسوم عن تلك الفترة كان شكل الشخص قريب من شكل الشخص في الحياة الواقعية. أشهر الكهوف بها هي الكهوف رقم 96 و17 و130 و158 و259 و285 و200 و428. يوجد في الكهف الواحد والستين بالقسم الجنوبي، حفره من فترة الأسرات الخمس (907 – 960م) لم يفتح للجمهور حتى الآن، رسم ((رسم جبل ووتاي)) بطول 45ر13 متر وارتفاع 42ر3 متر، هو أكبر رسم جداري في دونهوانغ. في الجزء الأعلى من الرسم مشهد الجنة البوذية فوق جبل ووتاي، في الجزء الأوسط بوذا الحكمة والإلهات، في الجزء الأسفل صورة لحياة عامة الشعب في ذلك الوقت. وفي الرسوم الجدارية بمئات الكهوف في موهقاو أكثر من 4500 فيتيان (ملاك طائر راقص). في فترة ليانغ الشمالية (401 –439م) كان فيتيان على شكل رجل عار قوي؛ في فترة أسرة وي الشمالية (386 – 534م) أصبح شكل فيتيان أنحف؛ في فترة أسرة تانغ تغير شكل فيتيان القادم من الهند من شكل الرجل إلى امرأة تلبس ملابس الوصيفة في أسرة تانغ مما أبرز جمال شكل الأنثى. عملية تغير شكل فيتيان كانت بمثابة توطين للبوذية في الصين. الرسوم الجدارية التي تنتشر في ممر وجدار وسطح الكهف جعلت كهوف دونهوانغ القصر الفني العظيم للرسوم الجدارية القومية، يسميه الفرنسيون "مكتبة على الجدار".النحت والرسو

حماية الكهوفالنحت والرسو

كهوف موهقاو التي يرجع تاريخها إلى ما يربو على 1600 سنة، تقع في منطقة صحراوية بشمال غربي الصين، وهذا يعرضها لمشاكل كثيرة مثل التآكل بفعل عوامل التعرية وسقوط المطر والانهيار. أنشئ معهد بحوث فنون دونهوانغ في عام 1944، منذ ذلك الوقت تطورت دراسة علم دونهوانغ من تنظيم الوثائق فقط إلى دراسة فنون الكهوف وحماية الكهوف، والقيام بمشروع تقوية وتمتين الجروف والكهوف بالقسم الجنوبي مرتين في عام 1956 ومن عام 1963 إلى 1966. منذ ثمانينات القرن العشرين تجرى تجارب للتحكم في الرمال ومن ذلك التصدي للرمال وتثبيتها بالأسلوب الكيماوي والبيولوجي، والمراقبة الآلية للبيئة الجوية والبيئة داخل الكهف، ودراسة صبغ الرسوم الجدارية ومواد ترميمها، وتحليل إمكانية وقوع زلازل بمنطقة كهوف موهقاو، كل هذا يوفر إجراءات وقواعد علمية لحماية كهوف موهقاو. ويستخدم نظام الإدارة الرقمية المتقدمة في تخزين المعلومات لتحف دونهوانغ. النحت والرسو

فتحت كهوف موهقاو للجمهور رسميا في عام 1979، وقد زارها أربعة ملايين  فرد من أكثر من ثمانين دولة ومنطقة. في السنوات الأخيرة، ازداد عدد زوارها بصورة واضحة خصوصا في الفترة من مايو إلى أكتوبر. يتجاوز عدد زوارها سنويا 300 ألف فرد، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى  500 ألف في السنوات العشر القادمة. غير أن لي تسوي شيونغ، نائب مدير معهد بحوث دونهوانغ، يحذر من أن كثرة الزوار يمكن أن تسبب تغير درجة الحرارة ورطوبة الهواء وكثافة ثاني أكسيد الكربون داخل الكهوف، ومن شأن الجمع بين ثاني أكسيد الكربون والبخار يستطيع أن يغير تجعيد الرسوم الجدارية ويخرب وجه الرسوم ويغير لونها. لهذا بدأ في مارس عام 2003 تنفيذ ((لوائح حماية كهوف موهقاو بمدينة دونهوانغ بمقاطعة قانسو)) حيث تفتح الكهوف أمام الزوار بالتناوب أو يحدد عدد الزوار وغيرها من الإجراءات من أجل حمايتها. النحت والرسو

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.