محتويات العدد 12 ديسمبر (كانون الأول)‏2004‏‏
م
اليد السوداء في سوق النفط

ني جيان جيون

حققت أسعار النفط ارتفاعا متواصلا خلال الأشهر  الأخيرة، مسجلة رقما قياسيا مرة بعد مرة. وقد شرعت بعض من أجهزة الإعلام الغربية وأجهزة الدراسات والبحوث في الغرب الإشارة إلى الصين على أنها السبب في زيادة أسعار النفط، زاعمة أن نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات عالية وشروع الصين في التجهيز لإقامة مخزون استراتيجي من النفط هما السبب المباشر لارتفاع أسعار النفط.

وسط هذه الضجة الصوت الأمريكي هو الأكثر صخبا. يقول جون فيرمي، كبير الاقتصاديين بجمعية البترول الأمريكية إن الصين هي ثاني أكبر دولة مستهلكة للبترول في العالم حاليا، كما أنها ثاني أكبر دولة مستوردة للبترول، وسوف يزيد استهلاكها مع نمو اقتصادها وازدياد ثراء شعبها، هو ما يخلق قوة دافعة جبارة لارتفاع أسعار البترول في السوق الدولية. ويشير رئيس معهد كمبردج الأمريكي للطاقة إلى أن الصناعة الصينية التي تنمو بمعدلات سريعة تزيد الطلب على النفط، وهذا يرفع  مخاطرة تقلبات أسعار النفط بحجم كبير. في الحادي عشر من أكتوبر استشهدت صحيفة تايمز البريطانية بتقرير بنك ميريل ليتشي للاستثمار قائلة إن مزيدا من الأدلة تشير إلى أن الصين استوردت كميات من النفط تفوق احتياجاتها بكثير، وهذا ما دفع إلى الشكوى من أن المخزون النفطي الاستراتيجي الذي تقيمه الصين هو السبب المباشر لارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية. الرئيس الأمريكي جورج بوش أثار، من جانبه، نظرية "العامل الصيني في ارتفاع أسعار البترول" مرات وفي مناسبات مختلفة. التي لا يمكن حله

كبير الاقتصاديين في مجموعة مورغان ستانلي، ستيفن روش، له وجهة نظر أخرى تحمل قدرا كبيرا من السخرية، يقول "إن هذا العالم لا يعترف بالجميل!" فانتعاش الاقتصاد العالمي لم يواجه تضخما ماليا نتيجة ارتفاع أسعار النفط، والفضل في ذلك يعود إلى زيادة الواردات الصينية ذات الكلفة المنخفضة. لكن الصين أصبحت "كبش الفداء مرة أخرى للمعضلات الكثيرة التي لا يمكن حلها في هذا العالم الذي يعاني من عوائق وظيفية"! عندما يواجه الأمريكيون البطالة، أو يزيد عجزهم التجاري أو تزداد أعباؤهم المالية أو ترتفع أسعار النفط، كما هو حاصل حاليا، أول ما يفعلون هو توجيه أصابع الاتهام نحو الصين. وقد بات إبداء آراء طائشة حول الصين في كل حملة انتخابية رئاسية أمريكية "برنامجا تقليديا" لهم. التي لا يمكن حله

إن طلب الصين على النفط له تأثير محدود في الدورة الحالية لارتفاع أسعار النفط، والصين التي تستهلك 7% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط ليست السبب الرئيسي، مقارنة مع الولايات المتحدة التي تستهلك 25% من الاستهلاك العالمي للنفط. السبب الرئيسي هو التحسن في الوضع الاقتصادي العالمي بصورة عامة. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع إجمالي الناتج العالمي 5%، وهو أعلى مستوى خلال الثلاثين عاما الأخيرة. ومن المتوقع أن يتجاوز معدل نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثالث من هذا العام 4%، بينما يشهد الاقتصاد الياباني أفضل وضع له منذ عام 1990، حتى الاقتصاد الأوروبي الذي شهد فترة طويلة من الركود بدأ يتغير. أما مخزون الصين الاستراتيجي من النفط، فلا يزال في مرحلة التحضير، حتى بعد اكتماله فإن كمية المخزون لن تزيد عن كمية واردات الصين من النفط في ثلاثين يوما، هذا في حين  يعادل المخزون الاستراتيجي من النفط في كل من الولايات المتحدة  واليابان وألمانيا وفرنسا استهلاك كل منها من النفط الخام لمدة 158 يوما و169 يوما و117 يوما و96 يوما كل على حدة. والولايات المتحدة، في ظل هذا الارتفاع في أسعار النفط لا تلجأ إلى مخزونها الاستراتيجي لكبح ارتفاع الأسعار بل على النقيض تواصل زيادة مخزونها النفطي، وفي شهر أكتوبر أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية أنها لن توقف استيراد نحو 5 ملايين برميل من البترول لصالح المخزون الاستراتيجي، في إطار خطة لها للوصول بحجم المخزون الاستراتيجي من النفط إلى 700 مليون برميل في أواسط عام 2005، بينما حجم المخزون الحالي هو 670 مليون برميل. التي لا يمكن حله

تأسيسا على كل ذلك ليس من شك في أن  الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إضافة إلى التجار الانتهازيين هم اليد السوداء لارتفاع أسعار البترول. السياسيون الأمريكيون المحترفون سحرة سياسيون ماكرون يجيدون قلب الأوضاع لتحويل الانتباه لتحقيق أهدافهم. عندما ولج بوش الابن، مع نائبه ديك شيني، البيت الأبيض عام 2001  دخلا ومعهما خطة جاهزة لضمان أمن الطاقة للولايات المتحدة من خلال زيادة المعروض من النفط والسيطرة المسلحة على الشرق الأوسط، وكان سعر برميل النفط 20 دولارا، اليوم وبعد ارتفاع السعر إلى 60 دولارا للبرميل الواحد، ومع زيادة الاضطرابات في العراق فقد بوش الابن ماء وجهه، في وقت كان يسعى لإعادة انتخابه رئيسا. لكل هذا خرج علينا بوش بنظرية العامل الصيني في ارتفاع أسعار النفط، محاولا لفت الانتباه عن موقفه، وهذا أمر ليس من الصعب فهمه. هناك علاقة وثيقة للغاية بين بوش الابن ونائبه، اللذين بدءا حياتهما السياسية بالبترول وبين مجموعات مصالح النفط الأمريكية والدولية، من أجل نيل دعمها في الانتخابات. لقد انحرف بوش عن النهج الذي انتهجه سلفه بيل كلينتون في توظيف المخزون الاستراتيجي من النفط لتحقيق استقرار أسعار الطاقة ثم دفع النمو الاقتصادي، ولم يتخذ أي إجراء لكبح أسعار البترول. من جانب آخر، من المعلوم أن أي شركة للنفط يمكنها أن تحقق عائدات الاستثمار المقبولة عندما يكون سعر البرميل من النفط بين ستة عشر وعشرين دولارا أمريكيا. في الربع الثاني من هذا العام، وعندما كان سعر البترول أقل من 40 دولارا أمريكيا لكل برميل، بلغ ربح شركة إكسون موبل 79ر5 مليارات دولار أمريكي، بزيادة 8ر38%، وبلغ ربح شركة شل الهولندية 7ر3 مليارات دولار أمريكي أيضا. وأعلنت شركة البترول البريطانية PB أنها ستوزع نحو 18 مليار دولار أمريكي أرباحا على حاملي أسهمها في السنوات الثلاث القادمة، ومن المتوقع أن يحصل حاملو أسهمها على 6 مليارات دولار أمريكي في عام 2004، بينما سيحصل حاملو أسهم إكسون موبل على 4ر6 مليار دولار أمريكي في هذا العام 2004. التي لا يمكن حله

الانتهازيون، ومعظمهم  في الصناديق المالية الأمريكية هم أكثر ما يثير الأمواج للاصطياد في الماء العكر خائفين من أن لا تكون أسعار البترول عالية كما يأملون في وقت دفع تدهور سعر صرف  الدولار الأمريكي وانخفاض نسبة الفوائد، معظم الصناديق المالية الأمريكية الانتهازية من سوق المال إلى سوق التجارة الآجلة للنفط، حتي دخلتها الصناديق الضخمة التي كانت نادرا ما تدخل سوق تجارة الآجلة في الماضي. والموضوع الذي تريد هذه الصناديق إثارته هو زيادة الطلب على البترول والمخاطرة في عرض البترول، الأمر الذي أضاف بوقا جديدا إلى دعاة نظرية "العامل الصيني في ارتفاع أسعار النفط". والحيلة التقليدية لهذه الصناديق المالية هي المبالغة اللامحدودة للعناصر المؤثرة في السوق، بل إن هذه الحيلة بلغت قمتها. إن هذه الصناديق لم تستثني الشركات الأمريكية من مؤامراتها، فمن هنا  ليس من الغريب أن "تستأجر" بعض هيئات وأجهزة للبترول والطاقة عند إثارتها لنظرية "العنصر الصيني في ارتفاع اسعار البترول".   التي لا يمكن حله

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.