محتويات العدد 12 ديسمبر (كانون الأول)‏2004‏‏
م

قراءة صينية للسياسة الأمريكية

حسين إسماعيل

قد يكون من نافلة القول أن السياسة الأمريكية لا تحظى بقبول كبير لدى الصينيين، ولا يكاد يمر يوم إلا وتنشر الصحافة الصينية تعليقات تنتقد هذه السياسة، غير أن مقال السيد تشيان تشي تشن الذي نشرته صحيفة "تشينا ديلي" الصينية الناطقة بالإنجليزية، الشهر الماضي، أول نوفمبر 2004 حول الاستراتيجية الأمريكية في العالم، نال من الاهتمام الدولي ما لم يحظ به مقال آخر لصحيفة صينية خلال السنوات الأخيرة، ومرجع ذلك أن المقال نشر باللغة الإنجليزية، مما يسر على أجهزة الإعلام الدولية رصده بسرعة؛ أن المقال نشر عشية انتخابات الرئاسة الأمريكية، فيما فسر على أنه تعبير عن الموقف الصيني من إدارة الرئيس الأمريكي جورج ووكر بوش؛ أن كاتب المقال هو نائب رئيس مجلس الدولة السابق، تشيان تشي تشن، الذي تولى حقيبة الخارجية الصينية لمدة ثماني سنوات، وهو دبلوماسي مخضرم كان له دور في تحسين العلاقات الصينية مع الولايات المتحدة، عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية.ر من الاضط

  يبدأ السيد تشيان مقاله بالإشارة إلى أن التغيرات التي شهدها القرن العشرون جاءت بالحرب؛ وتحديدا الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب الباردة، ولكن العالم لم يتم إعادة تشكيله بوضوح منذ نهاية الحرب الباردة. فالولايات المتحدة بعد فترة من الحرب الباردة ركزت طاقتها الرئيسية على تطوير أنواع جديدة من السلاح وإقامة درع دفاع صاروخي لتتفوق على أعدائها المحتملين. ر من الاضط

ويعتبر الدبلوماسي الصيني المخضرم أن قيام الولايات المتحدة بشن حرب كوسوفو لتمتين سيطرتها في أوروبا والضغط على روسيا، ثم وزعم  بوش عام 2000، في واحد من خطاباته أثناء الحملة الانتخابية لفترته الأولى، أن الصين منافس استراتيجي للولايات المتحدة، كان إشارة إلى عدم اليقين الأمريكي بمن هو العدو الحقيقي.ر من الاضط

وقد أصابت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الولايات المتحدة بصدمة، فحتى عندما تم ضرب ميناء بيرل هاربور في السابع من ديسمبر عام 1941 ظل البر الرئيسي الأمريكي بعيدا عن الهجمات المباشرة من اليابان، أما في هذه المرة فقد تم ضربها في قلب أرضها لأول مرة، ومن هنا عدلت إدارة بوش استراتيجيتها العالمية بأن استهدفت التهديدات الإرهابية وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وخرج "مذهب بوش" الذي اختلقت فيه الولايات المتحدة استراتيجيتي "محور الشر" و"الضربة الوقائية". وربطت مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة بإصلاح ما يسمى "الدول الحمراء" و "الدول الفاشلة". ر من الاضط

وفقا لهذا المذهب شنت الولايات المتحدة عمليتين عسكريتين؛ في أفغانستان وفي العراق. وفي ظل هذا المذهب أحكمت سيطرتها على الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، جنوب غربي آسيا وشمال شرقي آسيا، وطرحت برنامج إصلاح "الشرق الأوسط الكبير". كل هذا يشهد بأن حملة واشنطن لمكافحة الإرهاب ذهبت بالفعل أبعد من منظور الدفاع عن النفس.ر من الاضط

ويرى السيد تشيان أن النظر إلى هذه التحركات الأخيرة، في أفغانستان والعراق، على خلفية حرب كوسوفو وحرب الخليج يجعل من الواضح أن واشنطن لم تغير عقلية الحرب الباردة، مشيرا إلى أن جوهر فلسفة "مذهب بوش" هو القوة. يدعو هذا المذهب إلى سيطرة الولايات المتحدة على كل العالم بالقوة الكاسحة، القوة العسكرية على وجه الخصوص.ر من الاضط

ومن العجيب، يقول الوزير السابق، أن بوش وإدارته مازالوا يجادلون بأن قرارهم بالذهاب إلى الحرب في العراق، وأن سياسة أمريكا في هذه القضية، كانا صائبين، غير أن موقف العالم من الحرب موقف سلبي. في العراق، الولايات المتحدة كسبت فعلا حربا بالبعد العسكري، بيد أنها بعيدة للغاية عن كسب السلام لنفسها ولهذا البلد العربي. على العكس، فتحت واشنطن صندوق الشرور (مستخدما العبارة التي أطلقها الأمين العام لجامعة الدول العربية قبيل الحرب). لقد تسببت حالة العراق في أن يعتقد العالم الإسلامي والدول العربية أن القوة العظمى اعتبرتها أهدافا  لبرنامجها الطموح "الإصلاح الديمقراطي". وهذا ما أدى إلى تفاقم الصراعات المختمرة طويلا بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.ر من الاضط

واعتبر السيد تشيان أن هرولة الولايات المتحدة إلى نقل السلطة في العراق إلى حكومة البلاد المؤقتة كان إسميا أكثر من أن تكون له أهمية ذات مغزى. ويقول إن حرب العراق جعلت الولايات المتحدة تفقد شعبية أكثر مما جعلتها حرب فيتنام. إن بوش لم يجرؤ على الظهور في الشارع عندما زار بريطانيا، أشد حلفاء الولايات المتحدة.

ويحذر تشيان تشي تشن من أن ممارسة إدارة بوش لذات الاسترايجيات التي انتهجتها الإمبراطوريات السابقة ستكون نتيجتها عدم الأمان التام للولايات المتحدة.

ويرى تشيان أن حرب العراق كانت "حربا ممكنة" وليست حربا ضرورية، وينقل عن مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، قولها إن "الضربة الوقائية" يجب أن تحذف من قاموس الأمن القومي الأمريكي.ر من الاضط

كما أن حرب العراق دمرت التحالف العالمي المضاد للإرهاب الذي تشكل بصعوبة. والمشاعر المعادية المتصاعدة للولايات المتحدة في العالم الإسلامي ساعدت شبكة القاعدة الإرهابية في تجنيد المزيد من الأتباع والشهداء الانتحاريين. ر من الاضط

إن ورطة الولايات المتحدة حاليا في العراق دليل آخر على أنه عندما تفلت سيكولوجية التفوق لدولة عن زمام قدراتها الحقيقية تقع الكثير من الاضطرابات. غير أن الاضطرابات والكوارث التي تواجهها الولايات المتحدة لم تأت من الآخرين وإنما من غطرستها وثقتها الزائدة.ر من الاضط

ويختتم السيد تشيان مقاله الذي أثار جدلا واسعا بالتأكيد على أن القرن الحادي والعشرين ليس القرن الأمريكي، وإن كان هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا تريد الحلم، حلم القرن الأمريكي، وإنما لأنها غير قادرة على تحقيق هذا الهدف. ..في هذا القرن يجب أن تتنافس كل القوى الكبرى بطريقة سلمية، بدلا من السبل العسكرية. انتهى كلام السيد تشيان، ولكن السياسة الأمريكية في العالم لن تنتهي، على الأقل لمدة أربع سنوات قادمة. فلتستعدوا جميعا وأنا معكم.ر من الاضط

husseinismail@yahoo.com

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.