زوجتي
في القاهرة..
أحبت الملوخية
وحاولت إنقاذ
غريق!
ماجد تشنغ
بوه رونغ
 |
لقاء سعيد
أمام الهرم
الخالد |
في نوفمبر
عام 2000 تقرر
سفري إلى القاهرة
لتولي أعمال
مكتب تمثيل
"الصين اليوم"
في مصر. كان
على أن أنفذ
القرار، ولكني
طلبت من قادتي
أن ترافقني
زوجتي في القاهرة
نظرا لضعف
صحتي في ذلك
الحين، فوافقوا.
وهكذا حضرت
زوجتي إلى
القاهرة وعاشت
معي هناك في
مكتبنا الذي
هو مسكننا
أيضا، أكثر
من ثلاث سنوات.
نظرا لضعف
صحتي في ذلك
الحين، ف
كنت سعيدا
بوجودها إلى
جواري. فلأول
مرة أصحبها
معي إلى خارج
الوطن برغم
أنني عملت
في الدول
العربية عدة
مرات. لقد
واجهت بمفردي
كل المشقات
التي يتعرض
لها من يعمل
في مكان غريب
بعيدا عن وطنه
وأهله. في
هذه المرة
هاهي زوجتي
تشاركني السراء
والضراء،
وتجعلني لأول
مرة أشعر باطمئنان
وارتياح خلال
بقائي الطويل
في الخارج.
ولأول مرة
أيضا خرجت
زوجتي إلى
العالم الخارجي
بعيدة عن والديها
وابنيها. في
أيامنا القاهرية
كانت حالة
زوجتي عكس
حالتي تماما،
فقد كنت، بصفتي
ممثلا لمجلة
الصين اليوم
بالقاهرة،
مشغولا بكثير
من الأعمال:
الذهاب إلى
مؤسسة أخبار
اليوم بشارع
الصحافة لمتابعة
توزيع المجلة،
وإلى مطابع
الأهرام التجارية
بقليوب لمتابعة
طبع المجلة،
إلى مكتب بريد
الأورمان
بالجيزة لتسلم
رسائل القراء،
إلى الشركة
القومية المصرية
للتوزيع لمعرفة
أحوال التوزيع
في الدول العربية
الأخرى... كنت
مشغولا بالأعمال
الروتينية
في القاهرة
والمدن المصرية
الأخرى. بينما
زوجتي تبقى
في مكتبنا،
تعيش في عالم
منعزل عن الخارج،
فهي لا تتكلم
العربية ولا
الإنجليزية،
فلا تستطيع
أن تتفاهم
مع من يأتي
إلى مكتبنا
أو يتصل به
هاتفيا. كان
كل شيء يحيط
بها غريبا
جديدا لا تعرف
كيف تتعامل
معه، كل ما
تقوم يوميا
هو إعداد الوجبات
الثلاث وغسل
الملابس وتنظيف
المكتب. كما
أن زملاءنا
الذين يعملون
في وكالة شينخوا
و"صحيفة الشعب
اليومية"
و"صحيفة النور
اليومية"
والإذاعة
الصينية يعملون
ويسكنون في
مكان آخر ونادرا
ما نجد فرصة
للقاء معهم،
فنعيش بعيدين
عن المجتمع
الصيني الإعلامي
المصغر في
القاهرة،
لقد أصبحت
زوجتي عصفورا
في القفص!
نظرا
لضعف صحتي
في ذلك الحين،
ف
للتخلص من
هذا الوضع
الحرج بدأت
زوجتي تتعلم
بعض التعبيرات
العربية للتحية،
بعد فترة من
الجهود استطاعت
أن تساعدني
في استقبال
زوارنا: عندما
يدق الجرس
تسرع إلى الباب،
وتفتحه مع
عبارات تحية:
"أهلا وسهلا"،
"السلام عليكم"،
"ني هاو"(السلام
عليكم)، "تشينغتشوه"(تفضلوا
بالجلوس)،
بلغتها المختلطة
بين العربية
والصينية
وإشارة اليد
الواضحة وابتساماتها
الحلوة وبفنجان
من الشاي الأخضر
الصيني أو
الشاي الأحمر،
منحت زوجتي
ضيوفها المصريين
كرم ربة البيت
الصينية،
وجعلت زيارتهم
لمجلة الصين
اليوم متعة
فريدة. كانت
مهمتها الأخرى
هي تعلم كتابة
اللغة الصينية
على الكمبيوتر،
كانت جربت
هذا عدة مرات
قبل ذلك ولم
تنجح، ولكنها
صممت على النجاح
في هذه المرة.
قالت إنها
تريد أن تتخلص
من "سيطرتي
عليها"، لقد
شعرت بـ"تكبر"
مني حينما
كانت تطلب
مني أن أساعدها
في كتابة رسالة
إلكترونية
إلى أهلها
في بكين. وبالفعل
أحرزت تقدما
ملحوظا في
هذه الناحية
بعد عدة أسابيع
من التمرينات،
ثم طلبت مني
أن أعلمها
كيفية دخول
شبكة الإنترنت
وإرسال E-mail،
ولم تكتف بهذا
بل عرفت مني
استخدام "QQ" (برنامج
صيني شبيه
لـ ICQ)،
وهو برنامج
للتراسل،
لأنها تريد
"الدردشة"
كل يوم مع
ولدينا عبر
الإنترنت.
كلما رأيتها
تجلس أمام
الكمبيوتر،
وتكتب أو تتحدث
مع أهلها غارقة
في حنان وشوق
لامحدود إليهم،
وجدت هذا العصفور
قد تسلل من
القفص وحلق
في السماء
حرا طليقا.
ربما كان هذا
الوقت أسعد
لحظات في حياتها
في القاهرة.
نظرا
لضعف
كانت أيام
زوجتي في القاهرة
طويلة تخللتها
ذكريات تستحق
تسجيلها،
وأذكر هنا
الأهم منها:
نظرا لضعف
صحتي في ذلك
الحين، ف
أفضل شيء
في القاهرة:
قالت زوجتي
أكثر من مرة
أن أفضل ما
في القاهرة
هو اعتدال
الطقس هناك،
ولما كان حب
النظافة عادة
راسخة لديها
فقد كانت تشغل
الكثير من
أوقاتها في
غسل الملابس
وتشميسها،
وحيث أن الجو
في بكين ليس
صافيا والشمس
ليست ساطعة
في كثير من
الأحيان،
لذلك يستغرق
تجفيف الغسيل
في العادة
وقتا طويلا.
لما جاءت إلى
القاهرة أول
ما قامت به
هو غسل ملابس
السفر، ثم
علقتها على
حبل في الشرفة،
وبعد نصف ساعة
فقط فوجئت
بأن ملابسها
جفت. كان هذا
يثير فرحها
إلى أبعد حد.
وبعد سنتين
من ذلك عدنا
إلى بكين للإجازة،
أصيبت زوجتي
بزكام خطير،
وكان سعالها
متواصلا ومتزايدا
في شدته رغم
أنها تناولت
كل أنواع الأدوية
لعلاجه، وكنت
قلقا في طريق
عودتنا إلى
القاهرة،
وأخاف من تدهور
حالتها من
تعب السفر
الطويل، ولكن
الأمر الذي
لم نتوقعه
إطلاقا هو
أن سعال زوجتي
المزمن اختفي
تلقائيا بعد
يومين فقط
من وصولها
إلى القاهرة.
فمنذ ذلك الوقت
فصاعدا أصبحت
زوجتي معجبة
ومقتنعة بطقس
القاهرة،
وتصارح كل
من قابلته
من الأصدقاء
والمعارف
برأيها هذا
حتى اليوم.
نظرا لضعف
صحتي في ذلك
الحين، ف
ذكرى مؤلمة:
ذات يوم رافقتها
إلى منطقة
إمبابة لنشتري
بعض الخضراوات
في السوق هناك،
كنا ننتظر
"الأتوبيس
النهري" على
مرسي بضفة
النيل، بعد
دقائق جاء
المركب، واقترب
من المرسى
رويدا رويدا،
فتهيأ بعض
الشباب الواقفين
على الحافة
الخارجية
للمركب استعدادا
للقفز إلى
جانبنا. وفي
تلك اللحظة
بالذات انزلق
واحد منهم
وسقط إلى الماء،
كان يتخبط
مستميتا على
سطح النهر،
كل هذا حدث
أمامنا على
بعد عدة أمتار
فقط! فصاح
الجميع مندهشين،
كانوا جامدين
في مواقفهم
لا يعرفون
كيف يتصرفون
أمام هذه الحادثة
المفاجئة.
حينئذ وجدت
زوجتي تلف
وجهها، ثم
تنطلق إلى
الجانب الآخر
للمرسى جنونيا،
إذا بها اكتشفت
طوق نجاة مربوطا
على حاجز حديدي
هناك، فلاحقتها
لأساعدها
على سحب الطوق
من الحاجز،
وتابعنا رجل
آخر للسحب،
نحن ثلاثة
نبذل أقصي
قوانا لكسر
الحبل الذي
ربط الطوق
على الحاجز
بثبات، كان
الحبل رفيعا
وقويا، ولم
ننجح في فكه
إلا بعد ثوان،
وعدنا إلى
الجانب الآخر
بسرعة خاطفة
حاملين طوق
النجاة، ولكن
للأسف الشديد
كان الشاب
الغارق قد
اختفي تماما
ولم يترك للناس
إلا فقاقيع
تخرج من قاع
النهر العميق،
ومازال الناس
واقفين على
حافة المرسى
وعاجزين عن
إنقاذ ذلك
الشاب المسكين.
فوجئت في ذلك
الحين بدم
يسيل من راحة
يد زوجتي اليمني،
فقد قطع الحبل
الرفيع يدها.
وقفت زوجتي
على شاطئ النيل
حزينة متألمة،
ليست لجرح
يدها، وإنما
لأنها شاهدت
بعينيها شابا
ناضرا ضاعت
حياته في طرفة
عين لمجرد
إهماله لخطورة
مخالفة النظام
الأمني ولقلة
إجراءات الحماية
والإنقاذ
في الأماكن
العامة. نظرا
لضعف صحتي
في ذلك الحين،
ف
عجيبة العجائب:
في أيامنا
الأخيرة في
القاهرة سألتها
ذات مرة: ما
هو أعجب منظر
شاهدته هنا؟
بعد تفكير
ملي أجابتني:
لقد شاهدت
أشياء كثيرة
تعجبني في
القاهرة،
مثل الأهرام
الخالدة في
الجيزة، والآثار
والتحف النفيسة
النادرة في
المتحف المصري
بميدان التحرير،
ومشهد الصلاة
في يوم الجمعة
داخل المساجد
وخارجها،
ولكن الذي
يعجبني أكثر
هو مهارة نقل
الخبز التي
يتمتع بها
هؤلاء الشباب
عندما ينقلون
المئات من
أرغفة الخبز
على لوح خشبي
عريض، يرفعونه
برؤوسهم راكبين
الدراجات
في الشوارع
حيث تكتظ بالسيارات
الكبيرة والصغير
وبالمارة.
لمواجهة هذا
الزحام الشديد
لا يمكن لأي
راكب دراجة
أن يتحرك ويتخلل
فيه إلا أن
يظهر مهارته
وجرأته غير
العادية،
إذن كيف نتصور
قدرة هؤلاء
الشباب الشجعان
على التحكم
في دراجاتهم
وهم يتعرجون
بين السيارات
والمارة بالشوارع،
وفي الوقت
نفسه يحافظون
على توازن
الألواح المرفوعة
فوق رؤوسهم
حتى لا يسقط
أي خبز منه،
أو يسقطون
هم أنفسهم
من الدراجة؟
ربما ليس صعبا
أن يملك هذه
المهارة البارعة
لاعبو الأكروبات،
ولكنهم شباب
عاديون نشاهدهم
في كل أركان
القاهرة. ما
هو دليل براعة
المصريين؟
الأهرامات؟
نعم، ولكنها
للقدماء،
إن منظر شوارع
القاهرة هذا
يمكن أن يدل
على قدرة فائقة
للمصريين
المعاصرين
من زاوية واحدة!
نظرا لضعف
صحتي في ذلك
الحين، ف
ألذ طعام
في القاهرة:
تمتاز زوجتي
بقدرة فطرية
في تعلم فنون
الطبخ، هذا
ما اكتشفته
خلال سنوات
بقائنا في
القاهرة. نظرا
لأنني جاهل
تماما بأعمال
الطبخ فقد
كنت راضيا
عن كل تعد
لي زوجتي من
الأطباق،
أيا كان ما
تضعه لي على
المائدة أعتبره
لذيذا وشهيا،
ولم أهتم من
أين تعلمت
فنون الطبخ
أو كيف تعلمت،
إلى أن جاء
ذلك اليوم
الذي دعانا
فيه صديقي
الأستاذ بشير
إلى زيارته
في بيته. لقد
استضافنا
جميع أفراد
بيته بحفاوة
بالغة، وقدموا
لنا شتى الأنواع
من المأكولات
اللذيذة،
وكانت زوجتي
معجبة جدا
بها، لأنها
لم تدخل قبل
ذلك بيوت
المصريين
العاديين،
بالأحرى لم
تتناول الطعام
المصري فيها.
ومن بين تلك
المأكولات
أعجبتها كثيرا
"الملوخية"
فهي لم تعرفها
من قبل لا
شكلها اللزج
ولا طعمها
الفريد، فطلبت
مني أن أترجم
لربة البيت
رغبتها في
تعلم فن طبخ
"الملوخية"
منها، فسرت
ربة البيت،
وأخذتنا إلى
المطبخ وعلمتنا
كل التفاصيل:
أين تباع أوراق
الملوخية
وكيفية خلطها
مع الثوم وكيف
صنع مرق اللحم،
وكيف طبخ الخليط
على النار...كانت
زوجتي تسمع
باهتمام،
وتحاول حفظ
"الدرس". بعد
أيام اشترت
زوجتي أوراق
الملوخية
والثوم والتوابل
الأخرى من
السوق، وذهبت
توا إلى المطبخ
وقامت بما
تعلمت في بيت
الأستاذ بشير،
حينما قدمت
لي طبقا من
حساء "الملوخية"
اللذيذ، وجدته
يحمل نفس الطعم
لما تذوقت
قبل أيام،
فاعترفت بمهارتها
في الطبخ من
صميم قلبي.
مرة أخرى سافرنا
إلى مدينة
المنيا الجميلة
لمقابلة السيد
نبيل صاحب
مكتبة وائل
العالمية
ووكيل مجلة
الصين اليوم
هناك، في بيت
نبيل قدمت
لنا ربة البيت
بعض الكعكات
المصرية التي
صنعتها بنفسها،
كانت زوجتي
لا تأكل الكعك
المصري لكثرة
السكر فيه،
ولكنها في
هذه المرة
وجدت الكعك
في بيت نبيل
يناسبها،
ليس طعمها
فقط بل الأهم
أن نسبة السكر
فيه تناسب
ذوقها تماما،
ومن بينها
"البسبوسة"
أعجبتها أكثر،
فبادرت إلى
الاستفسار
عن طريقة صنعها
من ربة البيت.
فشرحت لها
زوجة نبيل
العملية الكاملة
لصنع "البسبوسة"
عن طريقي،
كان أكبر سر
للطعم الفريد
لبسبوستها
هو نسبة محددة
من الزبادي
والعسل ودرجة
حرارة الفرن.
وبعد أن عدنا
إلى القاهرة،
قامت زوجتي
بتجربتها
فنجحت فيها.
ومنذ ذلك الحين
صارت "الملوخية"
و"البسبوسة"
طبقين تقليديين
نقدمهما لضيوفنا
الصينيين
والمصريين.
نظرا
لضعف صحتي
في ذلك الحين،
ف