محتويات العدد  11 نوفمبر (كانون الأول) ‏ 2004
م

رحم الله جدتي.. رأت جنتها في حياتها

شي تشي

(من محافظة قويوان بمنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة) نها بتوقير واحترام شديدي

عن عمر يناهز القرن رحلت جدتي إلى رحمة بارئها. كانت صحتها جيدة لم تعان من أي مرض خطير وقد استجابت روحها لنداء ربها. كنت اقف إلى جوار فراشها في لحظاتها الأخيرة بهذه الدنيا الفانية. كان وجهها مضيئا، لم تتفوه وإنما يلهج لسانها بآيات من الذكر الحكيم. مانها بتوقير واحترام شديدي

قبل يوم من وفاتها قالت لي جدتي إنها رأت، في منامها، غرفتها مضيئة، وهي كعادتها متربعة فوق سجادة الصلاة بعد أداء فريضة العشاء. وقالت أيضا إن رجلين بلحية بيضاء دخلا عليها بملابس بيضاء، كل منهما يعتمر قبعة من الحرير الأبيض، تلك القبعات التي يرتديها المسلمون في الصين. ابتسما نحوها وناديا بإسمها، ثم طلبا منها أن تذهب معهما. بعد أن فاقت من نومها وعت جدتي مغزى الحلم، فاغتسلت ودعت أهلها إليها وألقت عليهم وصيتها ونصائحها، وبعد أن فرغت صعدت روحها الطاهرة مطمئنة إلى بارئها. مانها بتوقير واحترام شديدي

كانت طيبة القلب، إيمانها بالله راسخ وإخلاصها لإسلامها لا يتزعزع. لم تكن تنظر إلى هفوات الآخرين ولم تختلف مع أي فرد لمصلحة خاصة، موكلة أمرها لربها. ولدت جدتي لأسرة مسلمة، رغم فقرها التزمت بتعاليم الدين الحنيف، فعاشت جدتي في محيط اسري ديني سليم منذ صغرها، وتعودت في أيامها الأولي تقاليد المسلمين التقليدية، من الاجتهاد والأمانة وطيبة القلب والإخلاص في العقيدة الدينية. كانت في حياتها توصينا دائما بحسن الخلق والمعاملة مع الآخرين و حسن النية والتسامح والعطف. كانت تقول إن المؤمن مرآة أخيه، وعليه أن ينقيها من حين إلى آخر حتى تكون صافية وخالية من الغبار. مانها بتوقير واحترام شديدي

حتى عندما تجاوز عمرها المائة سنة ظلت جدتي تتمتع بصحة جيدة وبصر وسمع قويين، تميز من حولها، وتأكل بشهية طيبة وتعبر عن رأيها وفكرها. كانت تصلي الفروض الخمس يوميا ولم تتقاعس عنها يوما. لم تكن جدتي تمارس الرياضة البدينة؛ فلا اهتمت بالمشي ولا تمرينات الووشو أو الرياضة الصباحية، بل كان كل اهتمامها مركزا على الصلوات الخمس في كل يوم، هذا الواجب الديني الذي بدأته في سن التاسعة. مانها بتوقير واحترام شديدي

كانت تعتني بوضوئها قبل كل صلاة وتغتسل على الأقل مرة في الأسبوع وتهتم بنظافة ملبسها، لتسجد لله نقية جسدا وروحا. لقد كانت جدتي نموذجية في أداء هذا الواجب المقدس. مانها بتوقير واحترام شديدي

ترعرعت جدتي في أسرة مسلمة تقليدية، كان والدها فقيرا، وزاد من  فقره كثرة أولاده، ولتوفير قوت عياله عمل أجيرا لدى الآخرين. ولم تأكل جدتي في بيتها الفقير طعاما مغذيا ولا لذيذا وإنما حساء من دقيق الذرة وخبزا مصنوعا من الأعشاب البرية. ولما لم يجد والدها وسيلة لإعالة كل أفراد الأسرة فأضطر إلى تزويج جدتي، وهي في سن التاسعة، لأسرة جدي ليوفر طعامها لأفراد أسرتها الآخرين. كان جدي يكبرها بعام، ومن أسرة مسلمة ملتزمة أيضا، في بيتها الجديد تواصلت تربيتها الدينية جنبا إلى جنب مع زوجها الصغير وأشقائه الآخرين. كان والد جدي إماما كبيرا في أحد المساجد، فعلم أولاده القرآن الكريم والحديث النبوي. وبعد شهور من ذلك استطاعت جدتي أن تختم القرآن قراءة، وعرفت كيفية أداء الصلاة بإرشاد من حماتها. كانت جدتي ذكية ومجتهدة، فلم يمض إلا أقل من سنة تمكنت من حفظ بعض سور القرآن عن ظهر قلب، واستيعاب الأسلوب الصحيح للصلاة. لقد استجابت جدتي لتعليمات حماها، وشكرت له فضله مقتنعة بأن كل ذلك من فضل الله عليها. مانها بتوقير واحترام شديدي

لم تجد فرصة للالتحاق بالمدرسة، ولذا لم تتعلم اللغة الصينية، حتى أنها لا تعرف كيف تكتب اسمها ولا تقرأه. مانها بتوقير واحترام شديدي

رحلت جدتي سعيدة راضية عن حياتها وسلوكها. لقد حزنت لفراق جدتي، ولكن حياتها الطويلة ومساعيها السامية لإرضاء الله تشجعنا وتنير طريق مستقبلنا. إن جدتي نموذج نادر هذه الأيام، نموذج في الحياة والعمل للأبناء والأحفاد. في يوم الجنازة حملنا جثمانها بتوقير واحترام شديدين إلى الحياة الآخرة. مانها بتوقير واحترام شديدي

لقد تعلمنا نحن أحفادها ألا نهتم بالمظهر الخادع مع خواء الجوهر. لقد كرست لإرضاء الله ومرت حياتها بسلام وتركت لأحفادها نعما لا تحصى. إن حياة الإنسان قصيرة مهما طال العمر تمضي مثل لمحة البرق، تماما، وكما قالت جدتي ليست المصلحة الشخصية هي كل شيء  ولا النجاح السريع ولا المنافع العاجلة. علينا أن نعود قلوبنا أن تكون هادئة مثل الماء ونتعامل مع الناس بالحسنى. رحم الله جدتي.مانها بتوقير واحترام شديدي

 

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.